الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في القَسَامة
- مسألة: (وَالقَسَامَةُ) لغةً: اسمٌ للقَسَم، أُقِيم مقام المصدر، من قولهم: أقْسَم إقساماً، وقَسامةً.
وشرعًا: (أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ)، وفي حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ القَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الجَاهِلِيَّةِ» [مسلم: 1670].
والأصل فيها: حديث سهل بن أبي حَثْمة، ورافع بن خَدِيج رضي الله عنهما: أن مُحَيِّصةَ بن مسعود، وعبدَ الله بن سهل رضي الله عنهما، انطلقا قِبَل خيبر، فتفرقا في النخل، فقُتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود، فجاء أخوه عبد الرحمن، وابنا عمه حُوَيِّصة ومُحَيِّصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه، وهو أصغر منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لِيَبْدَأِ الْأَكْبَرُ» ، فتكلَّما في أمر صاحبهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ - والرُّمَّة: الحبل الذي يربط به من عليه القود -» ، قالوا: أمر لم نشهده، كيف نحلف؟ قال:«فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» ، قالوا: يا رسول الله، قوم كفار؟ قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَله [مسلم: 1669].
- مسألة: لا تثبت القسامة إلا بشروط عشرة، وهي:
1 -
اللوث، وهو العداوة الظاهرة؛ كنحو ما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضًا بثأر؛ لأن مقتضى الدليل ألا تشرع القسامة، تُرك العمل به في العداوة الظاهرة؛ لقصة الأنصاري في القتيل بخيبر.
2 -
تكليف المدعى عليه القتلُ؛ لأنها لا تصح على صغير ولا مجنون.
3 -
إمكان القتل من المدعى عليه، وإلا فلا؛ كبقية الدعاوى التي يكذبها الحس.
4 -
أن يصف القتل في الدعوى؛ كأن يقول: قتلته بسيف أو سكين، أو: في محل كذا من بدنه، ونحو ذلك، فلو استحلفه حاكم قبل وصف مدعٍ القتل؛ لم يعتد به؛ لعدم صحة الدعوى.
5 -
طلب جميع الورثة، فلا يكفي طلب بعضهم؛ لعدم انفراده بالحق.
6 -
اتفاق جميع الورثة على الدعوى للقتل؛ فلا يكفي عدم تكذيب بعضهم بعضًا؛ إذ الساكت لا ينسب إليه حكم.
7 -
اتفاق جميع الورثة على القتل، فإن أنكر القتلَ بعض الورثة؛ فلا قسامة.
8 -
اتفاق الورثة على عين قاتل؛ فلو قال بعض الورثة: قتله زيد، وقال بعضهم: قتله بكر؛ فلا قسامة؛ لأن الأيمان أقيمت مقام البينة.
9 -
أن يكون في المدعين للقتل ذكورٌ مكلفون، ولو واحدًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق:«يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» ، ولأن القسامة حجة يثبت بها قتل العمد، فاعتبر كونها من رجال عقلاء؛ كالشهادة.
فلا مدخل للنساء في القسامة؛ لمفهوم ما سبق، ولا للصبيان والمجانين؛ لأن قول الصغير والمجنون ليس بحجة.
10 -
كون الدعوى على واحد، لا اثنين فأكثر، معين لا مبهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار في الحديث السابق:«يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ» ، ولأنها بينة ضعيفة، خولف بها الأصل في قتل الواحد، فاقتصر عليه.
فلو قال ورثة القتيل: قتله هذا مع آخر؛ فلا قسامة؛ لما تقدم من اشتراط اتحاد المدعى عليه.
أو قالوا: قتله أحدهما؛ فلا قسامة؛ لأنها لا تكون إلا على معين.
- مسألة: (وَإِذَا تَمَّتْ شُرُوطُهَا) المتقدمة:
1 -
(بُدِئَ) في القسامة (بِأَيْمَانِ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ) أي: القتيل (الوَارِثِينَ)، بدلٌ من العصبة، أي: بذكور الوارثين له، فيقدمون بها على أيمان المدعى عليه، فلا يُمكَّن مدَّعىً عليه من حلفٍ مع وجود ذَكَر من ورثة القتيل، ومع وجود شرط القسامة؛ لقيام أيمانهم مقام بينتهم هنا خاصة؛ للخبر.
وعُلم منه: أن العصبة غير الوارث لا يحلف في القسامة؛ لأنه لا يستحق من الدم؛ كسائر الدعاوى.
ولا تختص القسامة بالعصبة كما توهمه عبارته، بل بذكور الورثة من ذوي الفروض والعصبات.
2 -
(فَيَحْلِفُونَ) أي: الذكور الورثة (خَمْسِينَ يَمِيناً، كُلُّ) واحد منهم يقسم (بِقَدْرِ إِرْثِهِ) من القتيل؛ لأنه حق يثبت تبعًا للميراث، أشبه المال، (وَيُجْبَرُ كَسْرٌ)؛ كابن وزوجِ قتيلة، فيحلف الابن ثمانية وثلاثين، ويحلف الزوج ثلاثة عشر يمينًا؛ لأن للزوج الرُبُع، وهو من الخمسين اثنا عشر ونصف، فيكمل فتصير ثلاثة عشر، وللابن الباقي، وهو سبعة وثلاثون ونصف، فيكمل فتصير كما ذكر.
وإن انفرد ذكر واحد بالإرث، أو كان معه نساء؛ حلف الذكر خمسين يمينًا؛ لاعتبار عددها كنصاب الشهادة.
وإن جاوز الذكور خمسين، حلف منهم خمسون رجلًا، كلُّ واحد منهم يمينًا.
- فرع: فإذا حلف الأولياء الخمسين يمينًا؛ استحقوا القود إن كانت الدعوى في قتل العمد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ» .
- فرع: (فَإِنْ نَكَلُوا) أي: ذكور الورثة عن أيمان القسامة، أو عن بعضها، (أَوْ كَانَ الكُلُّ) أي: كل الورثة (نِسَاءً) لم يخلُ من أمرين:
1 -
أن يرضى الورثة بأيمان مدعًى عليه: (حَلَفَهَا) أي: الخمسين يمينًا (مُدَّعىً عَلَيْهِ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحلف اليهود حين قال الأنصار: «كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ» ، (وَ) إذا حلف مدعًى عليه (بَرِئَ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق:«فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» .
ومتى نكل مدعًى عليه عن شيء من الخمسين يمينًا؛ لزمته الدية؛ لأنه حق يثبت بالنكول، فيثبت في حقه كسائر الدعاوى، ولا قصاص بنكول المدعى عليه عن اليمين؛ لأنه حجة ضعيفة.
2 -
ألا يرضى الورثة بيمين المدعى عليه: وداه الإمام من بيت المال؛ للحديث السابق، فإن تعذر أخذ ديته من بيت المال؛ لم يجب على المدعى عليه شيء.