الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال القاضي: يتضاعف الغرم فيها أيضاً من غير قطع؛ لأن أحمد احتج بحديث عمر في رقيق حاطب، وفيه تضعيف الغرم.
(فَصْلٌ) في حد قطَّاع الطريق
وهم: المكلفون المُلتزِمون من المسلمين وأهل الذمة، ولو كان أنثى، الذين يَعْرِضون للناس بسلاح، ولو كان سلاحهم عصًا أو حجرًا، في صحراء أو بنيان أو بحر، فيغصبون مالًا محترمًا مجاهرة، لا سرقة.
والأصل فيه قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} الآية [المائدة: 33]، ولأثر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قطاع الطريق:«إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنَ الْأَرْضِ» [مسند الشافعي 1/ 336].
- مسألة: (وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ) أربعة (أَنْوَاعٍ):
(فَـ) النوع الأول: (مَنْ مِنْهُمْ قَتَلَ) قتيلاً لأخذ المال، سواء كان القتيل (مُكَافِئاً) للقاتل (أَوْ غَيْرَهُ) أي: غير مكافئ له، كما لو قتل من لا يقاد به لو
قتله في غير المحاربة؛ (كَوَلَدٍ) يقتله أبوه، أو ذمي يقتله مسلم، (وَأَخَذَ المَالَ):
1 -
(قُتِلَ) وجوباً، إجماعاً؛ لآية الحرابة السابقة، ولو عفا عنه ولي المقتول؛ لأنه لحق الله تعالى، فلا يسقط بعفو الولي؛ كالسرقة، ولا تعتبر المكافأة في القتل؛ لأنه أجري مجرى الحدود، فلم يدخله العفو كبقيتها.
2 -
(ثُمَّ صُلِبَ مُكَافِئٌ) يقاد به لو قتله في غير المحاربة- دون غير المكافئ فلا يصلب-، ويكون الصلب (حَتَّى يَشْتَهِرَ)؛ ليرتدع غيره؛ لأن المقصود زجر غيره، ولا يحصل إلا به، ويدل عليه قوله تعالى:{أن يقتلوا أو يصلبوا} [المائدة: 33].
واختار ابن عثيمين في حاشيته على الروض: يصلب مطلقاً، ولو كان غير مكافئ؛ لعموم الآية، ولأنه إذا ثبت القتل في غير المكافئ فالصلب أولى، وقال:(وظاهر عبارة الفروع والإنصاف والمحرر الصلب مطلقاً).
- فرع: لا يقطع مع القتل والصلب؛ لأنه لم يذكر معهما في أثر ابن عباس رضي الله عنهما السابق، ولأن القتل والقطع عقوبتان تتضمن إحداهما الأخرى، لأن إتلاف البدن يتضمن إتلاف اليد وغيرها، فاكتفي بقتله.
(وَ) النوع الثاني: (مَنْ قَتَلَ) لقصد المال (فَقَطْ)، أي: ولم يأخذ المال: (قُتِلَ حَتْماً) أي: وجوباً، ولا أثر لعفو الولي، (وَلَا صَلْبَ)؛ لأثر ابن عباس
السابق، ولأن جنايتهم بالقتل، وأخذ المال تزيد على جنايتهم بالقتل وحده، فوجب اختلاف العقوبتين.
(وَ) النوع الثالث: (مَنْ أَخَذَ المَالَ فَقَطْ) ولم يَقْتُل: (قُطِعَتْ يَدُهُ) أي: يد كل واحد من المحاربين (اليُمْنَى، ثُمَّ رِجْلُهُ اليُسْرَى)؛ لقوله تعالى: (أو تقطع أيديهم وأرجاهم من خلاف)، ورفقاً به في إمكان مشيه، على الترتيب وجوباً؛ لظاهر الآية والخبر، (فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ)، فلا ينظر بقطع إحداهما اندمال الأخرى؛ لأنه تعالى أمر بقطعهما بلا تعرض للتأخير، والأمر للفور، فتقطع يمنى يديه وتحسم، ثم رجله اليسرى وتحسم، (وَحُسِمَتَا) وجوباً؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه -في السرقة- مرفوعاً:«اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ، ثُمَّ احْسِمُوهُ ، ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ» [الدارقطني 3163، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم]، (وَخُلِّيَ) سبيله؛ لاستيفاء ما لزمه؛ كالمدين يوفي دينه.
(وَ) النوع الرابع: (إِنْ أَخَافَ السَّبِيلَ) أي: الطريق (فَقَطْ)، فلم يقتل أحداً، ولم يأخذ مالاً؛ (نُفِيَ وَشُرِّدَ)، أي: طُرِد، ولو عبدًا، فلا يُترك يأوي إلى بلد حتى تظهر توبته عن قطع الطريق؛ لقوله تعالى:{أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33]، ولأن المناسب أن يكون الأخف بإزاء الأخف.
وقال ابن عثيمين: ولو قال قائل: بأنه إذا لم يمكن اتقاء شرهم إلا بحبسهم حبسوا، وإن أمكن اتقاء شرهم بتشريدهم شردوا، لو قال قائل بهذا لكان له وجه.
- فرع: حد الحرابة يكون على حسب الجناية، على ما سبق تفصيله؛ لأثر ابن عباس السابق، ولأن القرآن بدأ في عقوبات الحرابة بالأغلظ، والمعهود البداءة بالأغلظ فيما أريد به الترتيب؛ ككفارة الظهار والقتل؛ والبداءة بالأخف فيما أريد به التخيير؛ ككفارة اليمين، و (أو) في الآية للتنويع لا للتخيير، واختاره ابن عثيمين.
- مسألة: (وَشُرِطَ) لوجوب حد المحارب ثلاثة شروط:
الأول: (ثُبُوتُ ذَلِكَ) أي: قطع الطريق (بِبَيِّنَةٍ، أَوْ) بـ (إِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ)؛ كالسرقة.
(وَ) الثاني: (حِرْزٌ)، بأن يأخذه من يد مستحِقِّه وهو بالقافلة، فلو وجده مطروحًا، أو أخذه من سارقه أو غاصبه، أو منفردًا عن قافلة؛ لم يكن محاربًا.
(وَ) الثالث: (نِصَابٌ) يقطع به السارق؛ لعموم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» [مسلم 1684].
ولا يشترط أن يبلغ نصيب كل واحد من المحاربين نصابًا كاملًا، بل إذا
أخذوا جميعا نصابًا كاملًا فعليهم الحد؛ لأن النصاب أحد شرطي القطع، فإذا اشترك الجماعة فيه كانوا كالواحد، قياسًا على هتك الحرز.
واختار ابن عثيمين: لا يشترط الحرز والنصاب، بل يقطع مطلقاً؛ لأنه محارب لله ورسوله، ساعٍ في الأرض بالفساد، فيدخل في عموم الآية.
- مسألة: (وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ) أي: من قطاع الطريق (قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ اللهِ تَعَالَى) من نفي، وقطع يد ورجل، وصلب، وتحَتُّم قتل، قال في المبدع:(بغير خلاف نعلمه)؛ لقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة: 34]، (وَأُخِذَ بِحَقِّ آدَمِيٍّ) من الأنفس والأموال والجراح، إلا أن يُعفى لهم عنها؛ لأنها حقوق عليهم لم يعف عنها، فلم تسقط؛ كغير المحارب، ويدل عليه قوله تعالى:{فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة: 34]، فإنه يشعر بسقوط حقه دون حق غيره المبني على المشاحة.
وأما من تاب منهم بعد القدرة عليه؛ فلا يسقط عنه شيء مما وجب عليه؛ لمفهوم قوله تعالى: {من قبل أن تقدروا عليهم} [المائدة: 34]، ولأن ظاهر حال من تاب قبل القدرة أن توبته توبة إخلاص، وأما بعدها فالظاهر أنها توبة تقية من إقامة الحد عليه.