الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمور المزرية؛ كمتمسخر، ومتزين بزيٍّ يُسخر منه، ونحو ذلك؛ لأن من فقدهما فقد اتصف بالدناءة والسقاطة، فلا تحصل الثقة بكلامه.
وقال شيخ الإسلام: (يعتبر العدل في كل زمن ومكان وطائفة بحسبها؛ لئلا تضيع الحقوق).
فصل في موانع الشهادة
الموانع: جمع مانع، وهو ما يحول بين الشيء ومقصوده، وهذه الموانع تحول بين الشهادة والمقصود منها، وهو قبولها، والحكم بها.
- مسألة: موانع الشهادة ثمانية (1)، وهي:
المانع الأول: قرابة الولادة، وأشار إليه بقوله:(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِ عَمُودَيِ النَّسَبِ لِبَعْضٍ)، فلا تقبل شهادة من والد وإن علا، ولو من جهة الأم؛ كأبي الأم، وأبيه، وجده، ولا من ولدٍ، وإن سَفَل من ولد البنين والبنات؛ لأن كلًّا من الوالدين والأولاد متهم في حق صاحبه؛ لأنه يميل إليه بطبعه، بدليل حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» [البخاري 5230، ومسلم 2449].
(1) ذكرها في الإقناع ستة، وفي المنتهى سبعة، والمذكور في الشرح هو مجموع ما فيهما.
ويستثنى الولد من زنىً أو رضاع؛ فتقبل شهادة الولد لأبيه من زنىً ورضاع، وشهادة الوالد لولده من زنىً أو رضاع؛ لعدم وجوب الإنفاق والصلة، وعدم عتق أحدهما على صاحبه.
وعنه (1)، واختاره ابن القيم: أنه تقبل شهادة الابن لأبيه والأب لابنه فيما لا تهمة فيه؛ لعموم قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، وقال عمر رضي الله عنه:«تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَالْأَخِ لِأَخِيهِ إِذَا كَانُوا عُدُولًا، لَمْ يَقُلِ الله حِينَ قَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا أَوْ أَخًا» [عبد الرزاق 15471]، وقال الزهري:«لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الزوج لامرأته، ثم دخل الناس بعد ذلك، فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة وصار ذلك من الولد، والوالد، والأخ، والزوج، والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان» ، ولأنه عدل تقبل شهادته في غير هذا الموضع، فتقبل شهادته فيه؛ كالأجنبي.
(1) قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 92): (ونص عليه أحمد؛ فعنه في المسألة ثلاث روايات: المنع، والقبول فيما لا تهمة فيه، والتفريق بين شهادة الابن لأبيه فتقبل، وشهادة الأب لابنه فلا تقبل).
- فرع: تقبل شهادة الشخص لباقي أقاربه؛ كأخيه، وعمه؛ لعموم الآيات، ولأنه عدل غير متهم، قال ابن المنذر:(أجمع أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة).
- فرع: تقبل شهادة بعضهم على بعض؛ لقوله تعالى: {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} [النساء: 135]، ولأن شهادته عليه لا تهمة فيها، وهي أبلغ في الصدق كشهادته على نفسه.
(وَ) المانع الثاني: المِلك أو الزوجية، فـ (لَا) تقبل شهادة (أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ)؛ لأنه ينتفع بشهادته لتبسُّط كل واحد في مال الآخر واتساعه بسعته، ولأن كل واحد منهما يرث الآخر من غير حجب، فأوجب التهمة في شهادته، ولو كان زوجاً في الماضي، بأن يشهد أحد الزوجين للآخر بعد طلاق بائن أو خلع فلا تقبل (1).
وعنه، واختاره ابن عثيمين: أنها تقبل؛ لعموم قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، وروي: «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شَهِدَ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ
(1) كذا في المنتهى، خلافاً لما في الإقناع، فإنه قال (4/ 442):(ولو كانت شهادة أحدهما لصاحبه بعد الفراق بطلاق أو خلع أو فسخ لنحو عنة، إن كانت الشهادة ردت قبله، أي قبل الفراق للتهمة، وإلا، أي: وإن لم تكن ردت قبله: وإنما شهدا ابتداء بعد الفراق؛ قبلت الشهادة لانتفاء التهمة).
شَهِدَ مَعَك رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَقَضَيْت لَهَا بِذَلِكَ» [علقه ابن حزم في المحلى 8/ 506].
ولا تقبل شهادة السيد لعبده؛ لأن مال العبد لسيده، فشهادته له شهادة لنفسه.
ولا تقبل العبد لسيده؛ لأنه يتبسط في ماله، وتجب فيه نفقته، فهو كالأب وابنه.
- فرع: تقبل شهادة أحد الزوجين على صاحبه في غير الزنى، فلا تقبل شهادته عليها بالزنى؛ لأنه يقر على نفسه بعداوته لها؛ لإفسادها فراشه.
(وَ) المانع الثالث: (لَا) تقبل شهادة (مَنْ يَجُرُّ بِهَا) أي: بشهادته (إِلَى نَفْسِهِ نَفْعاً)؛ كشهادة السيد لمكاتبه، وشهادة المكاتب لسيده؛ لأن المكاتب رقيق؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً:«الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ» [أبو داود 3926]، أو شهادته لموصيه، أو شهادته لموكِّله فيما وكل فيه؛ لأنه يثبت له حق التصرف فيه، فهو متهم، قال شيخ الإسلام:(وقوم أجَروا شيئًا، لا تقبل شهادة أحد منهم على المستأجر؛ لأنهم وكلاء أو أولياء).
والمانع الرابع: ما أشار إليه بقوله: (أَوْ يَدْفَعُ بِهَا) أي: بشهادته (عَنْهَا) أي: عن نفسه (ضَرَراً)؛ كشهادة العاقلة بجرحِ شهودِ قتل الخطأ، أو شبه العمد؛ لأنهم متهمون في دفع الدية عن أنفسهم.
(وَ) المانع الخامس: العداوة الدنيوية، فـ (لَا) تقبل شهادة (عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ) لغير الله تعالى؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا:«لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» [أحمد 6940، وأبو داود 3601، وابن ماجه 2366]، والغمر: الحقد، ولأن العداوة تورث تهمة شديدة، فمنعت من الشهادة؛ كالقرابة القريبة، فلا تقبل شهادة المقذوف على قاذفه، ولا شهادة المقتول وليُّه على القاتل، ولا شهادة المقطوع عليه الطريقُ على قاطعه.
وتقبل شهادة العدو لعدوه؛ لعدم التهمة.
واختار شيخ الإسلام: أنه إذا كان علم منه العدالة الحقيقية؛ قبلت شهادته، بخلاف من كانت عدالته ظاهرة مع إمكان أن يكون في الباطن على خلافه؛ لعموم قوله تعالى:(وأشهدوا ذوي عدل منكم)، وقوله تعالى:{ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8]، وشنآن بمعنى: بغض وعداوة، فلا تحملكم العداوة والبغض على ترك العدل.
- فرع: يستثنى من عدم قبول شهادة العدو على عدوه ما أشار إليه بقوله: (فِي غَيْرِ نِكَاحٍ)، فتقبل شهادة العدو على عدوه في عقد نكاح؛ بأن يكون الشاهد عدوًّا للزوجين، أو لأحدهما، أو للولي؛ لعموم قول ابن عباس رضي الله عنهما:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» [البيهقي: 13650]،
ولأنه ينعقد بهما غير هذا النكاح، فانعقد هو أيضاً بهما؛ كسائر العقود.
- فرع: أما العداوة في الدِّين؛ كالمسلم يشهد على الكافر، والمحِقِّ من أهل السنة يشهد على المبتدع؛ فلا ترد شهادته؛ لأن الدِّين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه.
- فرع: (وَمَنْ سَرَّهُ مَسَاءَةُ أَحَدٍ، أَوْ غَمَّهُ فَرَحُهُ)، وطلب له الشر ونحوه؛ (فَهُوَ عُدُوُّهُ)، لا تقبل شهادته عليه؛ للتهمة.
- مسألة: (وَ) كل (مَنْ) قلنا (لَا تُقْبَلُ) شهادته (لَهُ)؛ كعمودي نسبه، ومكاتبه؛ فإنها (تُقْبَلُ عَلَيْهِ)؛ لأنه لا تهمة فيها.
والمانع السادس: من شهد عند حاكم، فردت شهادته بتهمة؛ لرحم، أو زوجية، أو عداوة، أو طلب نفع، أو دفع ضرر، أو فسق، ثم زال المانع، فأعادها؛ لم تقبل؛ للتهمة في أدائها؛ لكونه يُعيَّر بردها، فربما قصد بأدائها أن يقبل؛ لإزالة العار الذي لحقه بردها، ولأنها ردت باجتهاد، فقبولها نقض لذلك الاجتهاد.
أما إن رُدَّت لكفر، أو صغر، أو جنون، أو خَرَسٍ، ثم أعادها بعد زوال المانع؛ قُبلت شهادته؛ لأن التهمة هنا منتفية.
والمانع السابع: العصبية، فلا شهادة لمن عرف بها، وبالإفراط في الحمية؛ كتعصب قبيلة على قبيلة، وإن لم تبلغ رتبة العداوة؛ للتهمة.
والمانع الثامن: الحرص على أدائها قبل استشهاد من يعلم بها، قبل الدعوى أو بعدها؛ فترد؛ لحديث عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ» [البخاري 3650، ومسلم 2535]، فإن لم يعلم مشهود له بها؛ لم يقدح.
إلا في عتق وطلاق وظهار ونحوها؛ فلا ترد؛ لعدم اشتراط تقدم الدعوى فيها على الشهادة.
واختار شيخ الإسلام: أنه يجوز أداء الشهادة قبل طلبها، ولو علمها المشهود له إذا دل على طلب الشهادة العرف أو الحال؛ لحديث زيد بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» [مسلم 1719]، وأما حديث عمران فقال شيخ الإسلام:(والصحيح: أن الذم في هذه الأحاديث لمن يشهد بالباطل، كما جاء في بعض ألفاظ الحديث: «ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ» [أحمد 114، والترمذي 2303، وابن ماجه 2363، من حديث عمر رضي الله عنه]).