المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في الرضاع - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٣

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أركان النكاح

- ‌فصل في شروط النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في المحرمات في النكاح

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشروط في النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في العيوب في النكاح

- ‌فصل في نكاح الكفار، وما يتعلق به

- ‌فصل في التفويض وغيره

- ‌(فَصْلٌ) في وليمة العرس

- ‌(فَصْلٌ) في عشرة النساء

- ‌فصل في أحكام الجماع والمبيت

- ‌فصل في القَسْم

- ‌فصل في النشوز

- ‌فصل في تعليق طلاقها أو خلعها أو تنجيزه

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌فصل في سنة الطلاق وبدعته

- ‌فصل في صريح الطلاق وكنايته

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يختلف به عدد الطلاق

- ‌فصل في الاستثناء في الطلاق

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في تعليق الطلاق بالشروط

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالكلام، والإذن، ونحو ذلك

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالمشيئة

- ‌فصل في مسائل متفرقة

- ‌فصل في التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره

- ‌فصل في الشك في الطلاق

- ‌(فَصْلٌ) في الرجعة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الإيلاء

- ‌(فَصْلٌ) في الظهار

- ‌فصل في كفارة الظهار

- ‌(فَصْلٌ) في اللعان

- ‌فصل فيما يلحق من النسب

- ‌فصل في الإحداد

- ‌فصل في الاستبراء

- ‌(فَصْلٌ) في الرضاع

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ)في نفقة الأقارب، والمماليك، والبهائم

- ‌(فَصْلٌ) في الحضانة

- ‌فصل في تخيير المحضون بين أبويه

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في شروط وجوب القصاص

- ‌فصل في استيفاء القصاص

- ‌(فَصْلٌ) في العفو عن القصاص

- ‌فصل فيما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌(فَصْلٌ) في الديات

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في مقادير ديات النفس

- ‌(فَصْلٌ) في دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌فصل في الشِّجاج

- ‌(فَصْلٌ) في العاقلة

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القَسَامة

- ‌(كِتَابُ الحُدُودِ)

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌(فَصْلٌ) في حد المسكر

- ‌(فَصْلٌ) القطع في السرقة

- ‌(فَصْلٌ) في حد قطَّاع الطريق

- ‌فصل في دفع الصائل

- ‌فصل في قتال أهل البغي

- ‌(فَصْلٌ) في حكم المرتد

- ‌(فَصْلٌ) في الأطعمة

- ‌(فَصْلٌ) في الذكاة

- ‌(فَصْلٌ) في الصيد

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌فصل جامع الأيمان

- ‌(فَصْلٌ) في النذر

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فصل في آداب القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في طريق الحكم وصفته

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في القسمة

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌(فَصْلٌ) أقسام المشهود به

- ‌(فَصْلٌ) في الشهادة على الشهادة

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فصل فيما يحصل به الإقرار

- ‌فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيِّره

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌(فصل) في الرضاع

(فَصْلٌ) في الرضاع

الرضاع - بفتح الراء، وقد تكسر- لغة: مص لبن من ثدي، وشربه.

وشرعًا: مص لبن أو شربه ونحوه في الحولين، ثاب -أي: اجتمع- عن حمْلٍ، من ثدي امرأة.

- مسألة: (وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)؛ لقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» [البخاري 2645، ومسلم 1447]، فالرضاع الصحيح يصيِّر الطفل ولداً للرجل والمرأةِ في تحريم النكاح؛ لما تقدم، وإباحةِ النظر والخلوة وثبوت المحرمية؛ لأن ذلك فرع عن التحريم بسبب مباح.

ولا تثبت بقية أحكام النسب، من النفقة والإرث ورد الشهادة، وولاية النكاح والمال وغير ذلك؛ لأن النسب أقوى من الرضاع، فلا يساويه إلا بما ورد النص فيه، وهو التحريم وما يتفرع عنه.

- فرع: تنتشر حرمة الرضاع (عَلَى رَضِيعٍ)، ذكراً كان أو أنثى، فيصير المرتضع ولداً للمرضعة والواطئ، (وَ) تنتشر الحرمة أيضاً إلى (فَرْعِهِ) أي:

ص: 258

فرع المرتضع، وهم أولاده (وَإِنْ نَزَلَ)، وهم أولاد أولاده وإن سفلوا، فيصيرون أولادًا لهما؛ لأن الرضاع كالنسب، والتحريم في النسب يشمل ولد الولد وإن سفل، فكذا الرضاع.

(فَقَطْ)، أي: دون أبوي الرضيع من النسب، وأصولهما، وفروعهما، فلا تنتشر الحرمة إلى من في درجة المرتضع؛ من إخوته وأخواته؛ لأنها لا تنتشر في النسب، فكذا في الرضاع.

ولا تنتشر أيضًا إلى من هو أعلى من المرتضع؛ من آبائه وأمهاته، وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته؛ لأن الحرمة إذا لم تنتشر إلى من هو في الدرجة؛ فألَّا تنتشر إلى من هو أعلى منه بطريق الأولى.

- ضابط: تنتشر حرمة الرضاع في ثلاث جهات:

1 -

صاحب اللبن، فينتشر التحريم إلى أصوله، وفروعه، وحواشيه دون فروعهم.

2 -

المرضعة، فينتشر التحريم إلى أصولها، وفروعها، وحواشيها دون فروعهم.

فجميع أقارب صاحب اللبن والمرضعة يُنسبون إلى المرتضع، كما يُنسبون إلى ولديهما من النسب؛ لأن اللبن الذي ثاب للمرأة مخلوق من ماء الرجل والمرأة، فنشر التحريم إليهما، ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن

ص: 259

عليَّ أفلح، فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك، فقلت: وكيف ذلك؟ قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، فقالت: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ» [البخاري 2644، مسلم 1445].

3 -

المرتضع -الرضيع-، فينتشر التحريم إلى فروعه، دون أصوله وحواشيه؛ لما تقدم.

- مسألة: (وَلَا) تثبت (حُرْمَةُ) الرضاع (إِلَّا) بشروط:

الشرط الأول: أن يرتضع الطفل (بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ) فأكثر؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ» [مسلم 1452]، وهذا الخبر يخصص عموم حديث ابن عباس السابق:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .

الشرط الثاني: أن يرتضع الطفل (فِي الحَوْلَيْنِ)، فلو ارتضع بعدهما بلحظة؛ لم تثبت الحرمة؛ لقوله تعالى:{والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233]، فجعل تمام الرضاعة حولين، فدل على أنه لا حكم للرضاعة بعدهما، ولحديث عائشة مرفوعًا:«فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ» [البخاري 2647، ومسلم 1455]، يعني: في حال الحاجة إلى الغذاء واللبن، ولما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» [عبدالرزاق 13903، وصححه الدارقطني].

ص: 260

واختار شيخ الإسلام: أن الرضاع المحرم ما كان قبل الفطام، وأما بعد الفطام فلا ينشر الحرمة، سواء كان قبل الحولين أو بعده؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَاّ مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الفِطَامِ» [الترمذي 1152].

الشرط الثالث: أن يصل اللبن إلى جوفه من حلقه، فإن وصل اللبن إلى فمه ثم مجه، أو احتقن به، أو وصل إلى جوف لا يغذي كالذكر والمثانة؛ لم ينشر الحرمة؛ لأن هذا ليس برضاع، ولم يحصل به التغذي، فلم ينشر الحرمة.

- فرع: يشترط في الرضعات الخمس أن تكون متفرقة؛ ليتحقق العدد، فمتى امتص الطفل ثم ترك الرضاع لشبعٍ، أو لتنفسٍ، أو لانتقاله إلى ثدي آخر، ونحوه؛ فهي رضعة؛ لأن الشرع ورد بها مطلقًا، ولم يحدها بزمن ولا مقدار، فدل على أنه ردهم إلى العرف، فإذا ارتضع ثم قطع باختياره، أو قُطع عليه فهي رضعة، فمتى عاد ارتضع ولو قريبًا فهي رضعة أخرى؛ لأن العود ارتضاع، والشارع لم يحد الرضعة بزمان، فوجب أن يكون القريب كالبعيد، فكان رضعة أخرى كالأولى.

واختار ابن القيم، والسعدي: أن الرضعة بمنزلة الوجبة، فمتى التقم الثدي، فامتص منه، ثم تركه باختياره من غير عارض؛ كان ذلك رضعة؛ لأن الشرع ورد بذلك مطلقًا، فحمل على العرف، والعرف هذا، والقطع العارض

ص: 261

لتنفس، أو استراحة يسيرة، أو لشيء يلهيه، ثم يعود عن قرب، لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الآكل إذا قطع أكلته بذلك، ثم عاد عن قريب لم يكن ذلك أكلتين بل واحدة.

- مسألة: (وَتَثْبُتُ) حرمة رضاع (بِـ):

1 -

(سُعُوطٍ)، وهو أن يُصَبَّ اللبن في أنفه من إناء أو غيره، فيدخل حلقه، (وَ) بـ (وُجُورٍ)، وهو أن يُصَبَّ في حلقه من غير الثدي؛ لحديث ابن مسعود مرفوعًا:«لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ، إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ، وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» [أحمد 4114 وأبو داود 2060]، ولوصول اللبن بذلك إلى جوفه؛ كوصوله بالارتضاع، وحصول إنبات اللحم وإنشاز العظم به كما يتحصل بالرضاع بالفم، والأنف سبيل لفطر الصائم، فكان سبيلًا للتحريم.

2 -

(وَ) تثبت حرمة الرضاع بـ (لَبَنِ مَيِّتَةٍ)؛ كلبن الحية؛ لمساواته له في إنبات اللحم وانشاز العظم.

3 -

(وَ) تثبت حرمة الرضاع بلبن (مَوْطُوءَةٍ بِشُبْهَةٍ)، أو بعقد فاسد؛ لأن ولدها ملحق بالواطئ.

وكذا تثبت حرمة الرضاع بلبن موطوءة بنكاح باطل، أو زنًى، أو بلبن حملٍ نفي بلعان؛ لأن الرضاع تابع للنسب، فيكون ابناً لها فقط، ولا تثبت حرمة الرضاع في حق الواطئ؛ لأنه لا ينسب الحمل إليه، بخلاف ما قبلها.

4 -

(وَ) تثبت حرمة الرضاع بلبنٍ (مَشُوبٍ)، وهو المخلوط بغيره، إن

ص: 262

كانت صفاته - أي: لونه وطعمه وريحه- باقية؛ لأن الحكم للأغلب، ولبقاء اسمه ومعناه.

فإن غلب ما خالطه به؛ لم يثبت به تحريم؛ لأنه لا ينبت به اللحم ولا ينشر العظم.

- مسألة: (وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنْتُهَا) من نسب ومثلها من الرضاع؛ (كَأُمِّهِ، وَجَدَّتِهِ، وَرَبِيبَتِهِ) التي دخل بأمها، وأخته، (إِذَا أَرْضَعَتِ طِفْلَةً) رضاعًا مُحَرِّمًا (حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ) أبداً؛ لأنها تصير ابنتها من الرضاع، فإذا كانت المرضعة أمه فالمرتضعة أخته، وإن كانت المرضعة جدته فالمرتضعة عمته أو خالته، وإن كانت المرضعة أخته فالمرتضعة ابنة أخته.

(وَكُلُّ رَجُلٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهُ؛ كَأَخِيهِ، وَأَبِيهِ، وَرَبِيبِهِ (1)، إِذَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ بِلَبَنِهِ) رضاعاً مُحَرِّماً (طِفْلَةً؛ حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ)؛ لأنها تصير ابنته، فإن كانت

(1) هكذا في جميع النسخ الخطية، وفي الإقناع والمنتهى:(وابنه) بدل (وربيبه).

وعبارة (ربيبه) صحيحة؛ لأن مما يحرم على الزوج ابنة ربيبه. [ينظر: كشاف القناع 11/ 319]، وسبق في باب المحرمات اختيار شيخ الإسلام أنه لا تثبت حرمة الرضاع مما يحرم بالمصاهرة، وحرمة بنت ربييه من الصلب من باب تحريم المصاهرة، فلا تحرم ابنة ربيبه من الرضاع، والله أعلم.

ص: 263

المرضعة امرأة أخيه فالمرتضعة ابنة أخيه، وإن كانت امرأة أبيه فالمرتضعة أخته.

- مسألة: (وَمَنْ) تزوج امرأة ثم (قَالَ: إِنَّ زَوْجَتَهُ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ؛ بَطَلَ نِكَاحُهُ) حكماً، وحرمت عليه؛ لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه، كما لو أقر بالطلاق.

فإن كان صادقاً؛ فيفسخ النكاح فيما بينه وبين الله تعالى، وإن لم يكن صادقاً؛ فالنكاح بحاله فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن كذبه لا يحرمها.

وأما المهر فلا يخلو من ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يقول ذلك قبل الدخول وتصدقه، فقال رحمه الله:(وَلَا مَهْرَ) لها (قَبْلَ دُخُولٍ إِنْ صَدَّقَتْهُ) أنها أخته من الرضاع، أو ثبت ذلك ببينة؛ لأنه نكاح باطل من أصله، لا تستحق فيه مهراً.

(وَ) الثانية: أن يقول ذلك قبل الدخول وتكذبه: فـ (يَجِبُ) لها (نِصْفُهُ) أي: نصف المهر المسمى (إِنْ كَذَّبَتْهُ)؛ لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها، وقد جاءت الفرقة من جهته.

(وَ) الثالثة: أن يقول ذلك بعد الدخول: فلها (كُلُّهُ) أي: كل المهر (بَعْدَ دُخُولٍ مُطْلَقاً) أي: ولو صدقته أنه أخوها؛ لأنه استقر بالدخول، ما لم تقر

ص: 264

أنها طاوعته عالمة بالتحريم؛ لأنها زانية مطاوِعة.

- مسألة: (وَإِنْ قَالَتْ هِيَ ذَلِكَ)، أي: قالت هو أخي من الرضاع، (وَكَذَّبَهَا)، ولم تأت ببينة؛ (فَهِيَ زَوْجَتُهُ حُكْماً) أي: ظاهراً؛ لأنه لا يقبل قولها عليه في فسخ النكاح؛ لأنه حق عليها.

- مسألة: (وَمَنْ شَكَّ فِي) وجود (رَضَاعٍ)؛ بأن شك هل أرضعته أو لا، ولا بينة؛ بنى على اليقين؛ لأن الأصل عدم الرضاع.

(أَوْ) شك في (عَدِدِهِ) أي: عدد الرضعات؛ بأن شك هل أرضعته خمسًا أو دونها، ولا بينة؛ (بَنَى عَلَى اليَقِينِ)؛ لأن الأصل بقاء الحل، وكذا لو شك في وقوعه في العامين.

لكن قال شيخ الإسلام: (إذا شك في عدد الرضعات: فإنها تكون من الشبهات، فاجتنابها أولى، ولا يحكم بالتفريق بينهما إلا بحجة توجب ذلك).

- مسألة: (وَيَثْبُتُ) الرضاع (بِإِخْبَارِ مُرْضِعَةٍ مَرْضِيَّةٍ) أنها أرضعته خمساً في الحولين، واختاره شيخ الإسلام، سواء كانت متبرعة بالرضاع أو بأجرة، (وَ) يثبت أيضاً (بِشَهَادَةِ عَدْلٍ مُطْلَقاً)، من رجل وامرأة على رضاع امرأة لهما بلا يمين؛ بأن شهدت امرأة أو شهد رجل أن فلانة أرضعته خمساً في

ص: 265

الحولين؛ لما روى عقبة بن الحارث قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت أمةٌ سوداءُ فقالت: قد أرضعتكما، فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عني، قال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، قال:«وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا» فنهاه عنها. [البخاري 2695]، وقال الزهري:(فُرِّق بين أهل أبيات في زمن عثمان لشهادة امرأة واحدة)[عبد الرزاق 13969]، ولأن هذه شهادة على عورة، فتقبل فيها شهادة النساء منفردات كالولادة، ولأنه إذا ثبت بشهادة امرأة واحدة؛ فالرجل من باب أولى.

ص: 266

(بَابُ النَّفَقَاتِ)

جمع نفقة، وأصلها في اللغة: الإخراج، من النافِقاء؛ وهو موضعٌ يجعله اليربوعُ في مؤخر الجحر رقيقاً، يُعِدُّه للخُروجِ، فسُمي الخروج نفقة كذلك.

وفي الاصطلاح: هي كفاية من يمونه خبزًا، وإدامًا، وكسوةً، ومسكنًا، وتوابعها.

والنفقة لها ثلاثة أسباب: النكاح، والقرابة، والملك، وبدأ المؤلف بالنكاح.

- مسألة: (وَ) يجب (عَلَى زَوْجٍ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ) إجماعًا؛ لقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق: 7]، ، وهي في سياق أحكام الزوجات، ولحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ» [مسلم: 1218]، ولأنها محبوسة على الزوج، يمنعها من التصرف والاكتساب، فوجبت نفقتها عليه؛ كالعبد مع سيده، وأجمعوا على وجوب نفقة الزوجة على الزوج إذا كانا بالغين ولم تكن ناشزًا، ذكره ابن المنذر.

- مسألة: يجب على الزوج لزوجته ما يصلح لمثلها مع مثله

ص: 267

بالمعروف، (مِنْ مَأْكُولٍ، وَمَشْرُوبٍ، وَكِسْوَةٍ، وَسُكْنَى بِالمَعْرُوفِ) على ما يأتي تفصيله؛ لقوله في حديث جابر السابق: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ» .

وهي مقدَّرة بالكفاية، فيجب لها ما يكفيها من غير تقدير؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهند بنت عتبة رضي الله عنها:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ» [البخاري: 5364، ومسلم: 1714]، فأمرها بأخذ ما يكفيها من غير تقدير، والكفاية لا تختلف باليسار والإعسار، وإنما اعتبرهما الشرع في الجنس لا القدر، لما يأتي.

- فرع: تختلف النفقة باختلاف حال الزوجين يسارًا وإعسارًا؛ لقوله تعالى {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} [الطلاق: 7]، ولحديث جابر السابق، وإنما اعتبره بحالهما؛ جمعًا بين الأدلة، ورعاية لكل من الجانبين فكان أولى، ولا يخلو ذلك من ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون الزوجان موسرين: (فَيَفْرِضُ) حاكم (لِـ) زوجة (مُوسِرَةٍ مَعَ) زوج (مُوسِرٍ، عِنْدَ تَنَازُعٍ) في قدر ذلك أو صفته: (مِنْ أَرْفَعِ خُبْزِ البَلَدِ وَأُدْمِهِ)؛ كأرز ولبن، ولحمٍ، وملحٍ ونحو ذلك، مما جرت (عَادَةُ) أمثالها من (المُوسِرِينَ) بأكله مما لا تكرهه عرفًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل النفقة بالمعروف؛

ص: 268

وليس من المعروف إطعام الموسرة طعام المعسرة، ولأن الله تعالى فرق بين الموسر والمعسر في الإنفاق، ولم يبين ما فيه التفريق؛ فوجب الرجوع إلى العرف.

(وَ) يفرض لها من الكسوة (مَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا) من حرير وجيد قطن وغيره، (وَ) يفرض لها شيء (يُنَامُ عَلَيْهِ) من فراش ولحفٍ ومخدة، مما هو من عادتها.

(وَ) الثانية: أن يكونا فقيرين: فيفرض حاكم (لِفَقِيرَةٍ مَعَ) زوج (فَقِيرٍ) قدر (كِفَايَتِهَا؛ مِنْ أَدْنَى خُبْزِ البَلَدِ وَأُدْمِهِ) الملائم له؛ كالباقلاء ونحوه، (وَ) يفرض لها (مَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا، وَيُنَامُ) عليه من فراش صوف ونحوه مما يصلح لمثلها، (وَ) يفرض لها ما (يُجْلَسُ عَلَيْهِ) من غليظ القطن والكتان ونحوه من عادة أمثالها.

(وَ) الثالثة: أن يكونا متوسطين، أو أحدهما موسرًا والآخر معسرًا: فيفرض (لِمُتَوَسِّطَةٍ مَعَ) زوج (مُتَوَسِّطٍ، وَمُوسِرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ، وَعَكْسِهَا: مَا بَيْنَ ذَلِكَ) أي: المتوسط عرفًا؛ لأن إيجاب نفقة الموسر على المعسر وإنفاق المعسر نفقة الموسر ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه، فكان اللائق بحقهما هو المتوسط.

ص: 269

واختار ابن عثيمين: أن المعتبر في النفقة عند التنازع حال الزوج؛ لقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} ، ولقوله:{لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} ، وأما قوله في الحديث:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ» ؛ فلا يدل على اعتبار حالها فقط، لأن المعروف هو ما وافق الشرع في الآية السابقة.

- فرع: (لَا) يملك الحاكم فرض (القِيمَةِ)؛ كدراهم مثلًا، (إِلَّا بِرِضَاهُمَا)، ولا يجبر من امتنع منهما، قال ابن القيم:(وأما فرض الدراهم فلا أصل لها في كتاب ولا سنة، ولا نص عليه أحد من الأئمة؛ لأنها معاوضة بغير الرضا عن غير مستقر).

قال في الفروع: (وهذا متجه مع عدم الشقاق وعدم الحاجة، فأما مع الشقاق والحاجة؛ كالغائب مثلًا: فيتوجه الفرض؛ للحاجة إليه على ما لا يخفى).

- فرع: (وَ) يجب (عَلَيْهِ) أي: على الزوج (مُؤْنَةُ نَظَافَتِهَا) من دهن رأسها، والصابون، وثمن ماء وضوء وغسل، ومشط، وما يقطع رائحة كريهة منها، ونحو ذلك؛ لأن ذلك يراد للتنظيف؛ كتنظيف الدار المؤجرة، ولأن ذلك كله من حوائجها.

- فرع: (لَا) يجب على الزوج (دَوَاءٌ) لزوجته، (وَ) لا (أُجْرَةُ طَبِيبٍ)؛ لأن ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة، بل لعارض، ولأن ذلك يراد

ص: 270