الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الإِقْرَارِ)
وهو لغة: الاعتراف، مأخوذ من المقَرِّ، وهو المكان، كأن المقِرَّ جعل الحق في موضعه.
وأجمعوا على صحة الإقرار؛ لقوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} الآية [آل عمران: 81]، وقوله تعالى:{ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172]، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية بإقرارهما [مسلم: 1695]، ولأنه إخبار على وجه ينتفي فيه التهمة والريبة، ولهذا كان آكد من الشهادة.
وهو شرعًا: إظهار مكلف مختار ما عليه من الحق.
- مسألة: لا (يَصِحُّ) الإقرار إلا (مِنْ):
1 -
(مُكَلَّفٍ)، فلا يصح من مجنون، ولا من صغير غير مأذون له؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» [أحمد 24694، وأبو داود 4403، والنسائي 3432، وابن ماجه 2041]، ولأنه قول ممن لا يصح تصرفه، فلم يصح؛ كفعله.
فأما إن كان الصغير مأذونًا له بالبيع والشراء؛ فيصح إقراره في قدر ما أُذِن له فيه؛ كالحر البالغ، لأنه لا حَجْر عليه فيما أُذِن له فيه.
2 -
(مُخْتَارٍ)، فلا يصح من مكره عليه؛ لمفهوم لحديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً:«إِنَّ الله قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» [ابن ماجه 2043]، وكالبيع.
أما إن أقرَّ بغير ما أُكره عليه؛ فيصح إقراره؛ مثل أن يكره على أن يُقرَّ لزيد فيُقرَّ لعمرو، أو على الإقرار بطلاق امرأة، فيُقر بطلاق غيرها؛ لأنه أقر بغير ما أكره عليه، فصح كما لو أقر به ابتداء.
3 -
غير محجور عليه؛ فلا يصح من سفيه إقرار بالمال؛ لأنه محجور عليه لحظه، كالصبي والمجنون، لكن يصح في ذمته، فيطالب به بعد فك الحجر، وتقدم في فصل الحجر.
- فرع: يصح الإقرار سواء كان (بِلَفْظٍ، أَوْ) كان الإقرار بـ (كِتَابَةٍ، أَوْ) كان بـ (إِشَارَةِ أَخْرَسَ)؛ لقيامها مقام نطقه ككتابته، أما الناطق فلا يصح إقراره بالإشارة؛ لقدرته على الإقرار بلسانه.
- مسألة: (لَا) يصح الإقرار (عَلَى الغِيَرِ)؛ لأن الإقرار على ما في يد الغير دعوى أو شهادة، (إِلَّا مِنْ) ثلاثة:
1 -
(وَكِيلٍ) به، إذا أقر على مُوكِّله فيما وكل فيه؛ لأنه يملك إنشاء ذلك؛ فصح إقراره به.
2 -
(وَ) من (وَلِيٍّ) على موليه مما يملك إنشاءه؛ كإقراره ببيع عين ماله ونحوه؛ لما تقدم.
3 -
(وَ) من (وَارِثٍ) على مورثه بما يمكن صدقه، بخلاف ما لو أقرَّ بجناية من عشرين سنة، وسِنُّهُ عشرون فما دونها.
- مسألة: (وَيَصِحُّ) الإقرار (مِنْ مَرِيضٍ)، ولو كان في (مَرَضِ المَوْتِ) المخوف، كما يصح إقراره في صحته؛ لأنه غير متهم فيه، ولكن (لَا) يصح إقرار مريض مرض الموت (بِمَالٍ لِوَارِثٍ)؛ لأنه متهم فيه، وقياسًا على الهبة في مرض الموت، (إِلَّا):
1 -
(بِبَيِّنَةٍ) تثبت الحق للوارث.
2 -
(أَوْ إِجَازَةِ) باقي الورثة؛ لأن الحق لهم، فلم يصح بغير رضاهم.
لكن يلزم المريض أن يقرَّ لوارثه بدينه ونحوه، وإن لم يُقبَل منه الإقرار، إذا كان حقًّا؛ كالإقرار للأجنبي.
واختار شيخ الإسلام: أنه يصح إقرار المريض مرض الموت بمالٍ
للوارث إذا لم يكن هناك تهمة، وظهرت شواهد صدقه؛ لأن العادة جرت أن الأقارب يكون بينهم مداينات غير موثقة، فالقول بعدم بقبول إقراره مطلقًا فيه مشقة وفساد أحيانًا، وعلة المنع هي التهمة، فيختص تعليق الحكم بها فقط.
- فرع: الاعتبار بكون المقَرِّ له وارثًا أو غير وارث بحالة إقراره، لا بحالة موته؛ لأنه قول تعتبر فيه التهمة، فاعتبرت حال وجوده؛ كالشهادة، بخلاف الوصية والعطية؛ فالاعتبار فيهما بوقت الموت، وتقدم.
(وَ) على هذا: (لَوْ صَارَ) الوارث المقَرُّ له (عِنْدَ المَوْتِ) أي: موت المقِرِّ (أَجْنَبِيًّا) أي: غير وارث؛ لم يلزم إقراره (1)؛ لاقتران التهمة به حين وجوده، فلا ينقلب لازمًا؛ كمن أقرَّ لأخيه فحدث له ابن، أو قام به مانع.
(وَيَصِحُّ) إقراره لو أقر (لِأَجْنَبِيٍّ)؛ كإقرار لأخيه مع وجود ابنه، حتى (وَلَوْ صَارَ) الأجنبي (عِنْدَ المَوْتِ) أي: موت المقِرِّ (وَارِثاً)، بأن مات الابن قبل المقِرِّ؛ لوقوعه من أهله خاليًا من التهمة، فيثبت الحق به ولم يوجد ما يسقطه.
- مسألة: (وَإِعْطَاءٌ كَإِقْرَارٍ)، فلو أعطى غير وارث؛ صحت العطية، وإن
(1) قال في الكشاف (6/ 456): ((لا أنه) أي: الإقرار باطل، كما توهمه عبارة المقنع وغيره:«لم يصح» ؛ لأنه لا يزيد على الوصية، وهي موقوفة على الإجازة لا باطلة).
صار المعطى عند الموت وارثًا؛ لعدم التهمة إذ ذاك، وتبع في ذلك صاحب الإقناع.
وفي تصحيح الفروع، وتبعه في المنتهى، واختاره ابن عثيمين: أن العبرة في العطية بحالة الموت؛ قياسًا على الوصية، وتقدم في فصل تصرفات المريض.
- مسألة: (وَإِنِ) ادعى رجل على امرأة ولو بكرًا بنكاح، و (أَقَرَّتْ) على نفسها، (أَوْ) أقرَّ (وَلِيُّهَا) المجبر، أو الذي أذنت له فيه؛ لأنهما يملكان عقد النكاح، (بِنِكَاحٍ) عليها، و (لَمْ يَدَّعِهِ) أي: النكاح (اثْنَانِ) أي: رجلان؛ (قُبِلَ) إقرارها؛ لأن النكاح حقٌّ عليها، كما لو أقرت بمال، ولزوال التهمة بإضافة الإقرار إلى شرائطه، كما لو أقرت ببيع وليِّها مالَها قبل رشدها.
وعلم من كلامه: أنه لو ادعى عليها رجلان بنكاح، فأقرَّت لأحدهما به؛ أنه لا يقبل إقرارها؛ وهي رواية جزم بها في الإقناع؛ لأن الآخر يدعي مِلك بُضْعِها، وهي معترفة أن ذلك قد ملك عليها، فصار إقرارها بحقِّ غيرها، ولأنها متهمة، فإنها لو أرادت ابتداءً تزويجَ أحد المتداعيين؛ لم يكن لها قبل الانفصال من دعوى الآخر.
والمذهب كما في الإنصاف والمنتهى: أنه يقبل إقرارها بالنكاح على نفسها؛ لما تقدم في إقرارها لواحد.