المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في حد الزنى - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٣

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أركان النكاح

- ‌فصل في شروط النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في المحرمات في النكاح

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشروط في النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في العيوب في النكاح

- ‌فصل في نكاح الكفار، وما يتعلق به

- ‌فصل في التفويض وغيره

- ‌(فَصْلٌ) في وليمة العرس

- ‌(فَصْلٌ) في عشرة النساء

- ‌فصل في أحكام الجماع والمبيت

- ‌فصل في القَسْم

- ‌فصل في النشوز

- ‌فصل في تعليق طلاقها أو خلعها أو تنجيزه

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌فصل في سنة الطلاق وبدعته

- ‌فصل في صريح الطلاق وكنايته

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يختلف به عدد الطلاق

- ‌فصل في الاستثناء في الطلاق

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في تعليق الطلاق بالشروط

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالكلام، والإذن، ونحو ذلك

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالمشيئة

- ‌فصل في مسائل متفرقة

- ‌فصل في التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره

- ‌فصل في الشك في الطلاق

- ‌(فَصْلٌ) في الرجعة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الإيلاء

- ‌(فَصْلٌ) في الظهار

- ‌فصل في كفارة الظهار

- ‌(فَصْلٌ) في اللعان

- ‌فصل فيما يلحق من النسب

- ‌فصل في الإحداد

- ‌فصل في الاستبراء

- ‌(فَصْلٌ) في الرضاع

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ)في نفقة الأقارب، والمماليك، والبهائم

- ‌(فَصْلٌ) في الحضانة

- ‌فصل في تخيير المحضون بين أبويه

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في شروط وجوب القصاص

- ‌فصل في استيفاء القصاص

- ‌(فَصْلٌ) في العفو عن القصاص

- ‌فصل فيما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌(فَصْلٌ) في الديات

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في مقادير ديات النفس

- ‌(فَصْلٌ) في دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌فصل في الشِّجاج

- ‌(فَصْلٌ) في العاقلة

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القَسَامة

- ‌(كِتَابُ الحُدُودِ)

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌(فَصْلٌ) في حد المسكر

- ‌(فَصْلٌ) القطع في السرقة

- ‌(فَصْلٌ) في حد قطَّاع الطريق

- ‌فصل في دفع الصائل

- ‌فصل في قتال أهل البغي

- ‌(فَصْلٌ) في حكم المرتد

- ‌(فَصْلٌ) في الأطعمة

- ‌(فَصْلٌ) في الذكاة

- ‌(فَصْلٌ) في الصيد

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌فصل جامع الأيمان

- ‌(فَصْلٌ) في النذر

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فصل في آداب القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في طريق الحكم وصفته

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في القسمة

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌(فَصْلٌ) أقسام المشهود به

- ‌(فَصْلٌ) في الشهادة على الشهادة

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فصل فيما يحصل به الإقرار

- ‌فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيِّره

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌فصل في حد الزنى

(وَ) الثاني: أنها (تُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَتُمْسَكُ يَدَاهَا)؛ لئلا تتكشف.

- مسألة: (وَلَا يُحْفَرُ لِمَرْجُومٍ) في الزنى، رجلًا كان أو امرأة؛ لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم حفر للجُهنية [مسلم: 1696]، ولا لليهودي [البخاري: 3635، مسلم: 1699].

وعنه، واختاره ابن عثيمين: يرجع في الحفر إلى اجتهاد الإمام إن رأى المصلحة؛ لثبوت الحفر في قصة ماعز والغامدية [مسلم: 1695].

- مسألة: (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ) لله أو لآدمي؛ (سَقَطَ) بموته؛ لفوات محله كما يسقط القصاص بالموت.

‌فصل في حد الزنى

بالقصر في لغة الحجاز، والمد عند تميم.

وشرعًا: فعل الفاحشة في قُبُل أو في دُبُر.

وهو من أكبر الكبائر، وأجمعوا على تحريمه؛ لقوله تعالى:{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء: 32].

ص: 381

- مسألة: لا يخلو الزاني من قسمين:

الأول: أن يكون محصنًا، وأشار إليه بقوله:(فَيُرْجَمُ) بحجارة متوسطة؛ كالكفِّ، (زَانٍ مُحْصَنٌ حَتَّى يَمُوتَ)، حكاه ابن حزم إجماعًا، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رجم بقوله وفعله، في أخبار تشبه التواتر؛ ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ» [البخاري: 6830، ومسلم: 1691].

(وَ) الثاني: (غَيْرُهُ) أي: غير المحصن، فلا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يكون حرًّا: فإذا زنى الحر فإنه:

- (يُجْلَدُ مِائَةً) بلا خلاف؛ لقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2]، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» [مسلم: 1690].

ص: 382

- (وَيُغَرَّبُ) ولو أنثى؛ للعموم، إلى ما يراه الإمام، (عَاماً) إلى مسافة قصر في بلد معين؛ لحديث عبادة السابق، وعن ابن عمر رضي الله عنهما:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ» [الترمذي: 1438].

(وَ) الحالة الثانية: أن يكون رقيقًا: فإذا زنى (رَقِيقٌ)، ذكر أو أنثى، فإنه يجلد (خَمْسِينَ) جلدة؛ لقوله تعالى:{فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25]، والعذاب المذكور في القرآن: مائة جلدة، فينصرف التنصيف إليه دون غيره، والرجم لا يتأتى تنصيفه.

- فرع: (وَلَا يُغَرَّبُ) قن زنى؛ لأنه عقوبة لسيده دونه، إذ العبد لا ضرر عليه في تغريبه؛ لأنه غريب في موضعه، ويترفه فيه بترك الخدمة، ويتضرر سيده بذلك.

(وَ) الحالة الثالثة: أن يكون مبعضًا: فإذا زنى (مُبَعَّضٌ) فإنه يجلد ويغرب (بِحِسَابِهِ فِيهِمَا) أي: في الجلد والتغريب، فمن نصفه حرٌّ ونصفه رقيق يجلد خمسًا وسبعين جلدة، ويغرَّب نصف عام، ويحسب زمن التغريب عليه من نصيبه الحر، [ولا يرجم؛ لما سبق في القن.][*]

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هكذا في المطبوع، وبدلا منه في النسخة الإلكترونية:[فرع: لا يرجم القن ولا المبعض، بل حده الجلد.]

ص: 383

- مسألة: (وَالمُحْصَنُ)، هو من اجتمعت فيه شروط:

الشرط الأول: الوطء، بتغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها، ولا خلاف في اعتباره، وأشار إليه بقوله:(مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ)، ولو كتابية، فلا إحصان بمجرد العقد، ولا بالخلوة؛ لحديث عبادة بن الصامت السابق، وفيه:«الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» ، والثيوبة تحصل بالوطء في القبل، فوجب اعتباره.

ولا خلاف في أن النكاح الخالي عن الوطء لا يحصل به إحصان، سواء حصلت فيه خلوة أو وطءٌ فيما دون الفرج أو في الدبر، أو لم يحصل شيء من ذلك؛ لأن هذا لا تصير به المرأة ثيباً، ولا تخرج به عن حد الابكار.

الشرط الثاني: أن يكون الوطء (بِنِكَاحٍ)؛ لأن النكاح يسمى إحصانًا، لقوله تعالى:{والمحصنات من النساء} [النساء: 24] يعني: المزوجات، ولا خلاف أن التسري، ووطء الزنى، ووطء الشبهة لا يصير به الواطئ محصنًا، قاله في الشرح.

الشرط الثالث: أن يكون الوطء في نكاح (صَحِيحٍ)، فلا يحصل الإحصان بوطء في نكاح فاسد؛ كوطء نكاح بلا ولي، أو نكاح باطل؛ كوطء في نكاح متعة؛ لأنه وطءٌ في غير ملك، فلم يحصل به الإحصان؛ كوطء الشبهة.

الشرط الرابع: أن يكون الوط (فِي قُبُلِهَا) أي: قُبل الزوجة، ولو في

ص: 384

حيض، أو إحرام، أو صوم، فلا إحصان بوطء في الدبر، ولا بالوطء بما دون الفرج؛ لما تقدم في الشرط الأول.

الشرط الخامس: التكليف؛ فلا إحصان مع صغر أحدهما، أو جنونه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر الثيوبة خاصة، ولو كانت تحصل قبل ذلك لكان يجب عليه الرجم قبل بلوغه وعقله، وهو خلاف الاجماع.

الشرط السادس: الحرية، فلا إحصان مع رقِّ أحدهما؛ لقوله تعالى:{فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25]، والرجم لا يتنصف، وإيجابه كله يخالف النص.

الشرط السابع: أن يوجد الكمال فيهما جميعًا حال الوطء، فيطأ الرجلُ العاقلُ الحرُّ امرأةً عاقلةً حرةً، فإن اختل شرط من هذه الشروط التي ذكرت في أحد الزوجين، فلا إحصان لواحد منهما؛ لأنه وطء لم يحصن أحد الموطوءين، فلم يحصن الآخر كالتسري، ولأنه متى كان أحدهما ناقصًا لم يكمل الوطء، فلا يحصل به الإحصان.

- فرع: يكون محصنًا بالوطء بشروطه السابقة (وَلَوْ) وَطِئ (مَرَّةً) واحدة؛ لأنه يصدق عليه أنه محصن.

- فرع: (وَشُرُوطُهُ) أي: شروط حد الزنى (ثَلَاثَةٌ)(1):

(1) وفي الكشاف أنها أربعة شروط، وزاد: (أن يكون الزاني مكلفًا، فلا حد على صغير ومجنون ونائم ونائمة؛ لحديث:«رفع القلم عن ثلاث» [كشاف القناع 6/ 96]، وهو شرط في جميع الحدود، وتقدم في أول الفصل.

ص: 385

الشرط الأول: (تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ) ولو من خصي، أو قدر الحشفة عند عدمها؛ لأن أحكام الوطء تتعلق به، (فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ لِآدَمِيٍّ) حي، (وَلَوْ دُبُراً) لذكر أو أنثى؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه:«أن رجلًا أصاب من امرأة قُبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره فأنزل الله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، فقال الرجل: يا رسول الله، ألي هذا؟ قال: «لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ» [البخاري: 526]، وفي رواية الترمذي [3113]:«فليس يأتي الرجل شيئًا إلى امرأته إلا قد أتى هو إليها، إلا أنه لم يجامعها» .

وعليه، فلا حد:

1 -

بتغييب بعض الحشفة؛ لعدم الإيلاج.

2 -

ولا بالقبلة والمباشرة دون الفرج.

3 -

ولا بإتيان المرأة المرأة.

4 -

ولا بوطء بهيمة؛ لأنه لا يقصد، فلا حاجة إلى الزجر عنه.

5 -

ولا بوطء بهيمة؛ لأنه لم يصح فيه نص ولا يمكن قياسه على وطء الآدمي، لأنه لا حرمة له وتعافه النفوس.

ص: 386

ويعزر في ذلك كله، وأما الرجل المذكور في حديث ابن مسعود، فقد جاء تائبًا كما يدل عليه ظاهر حاله، على أن للإمام ترك التعزير إذا رآه.

- فرع: حد اللوطي - الفاعل والمفعول فيه - كزانٍ؛ لحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ» [البيهقي: 17033، وهو ضعيف]، ولأنه فرج مقصود بالاستمتاع، فوجب فيه الحد، كفرج المرأة.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يقتل الفاعل والمفعول به، سواء كانَا محصنين أو غير محصنين، وقال:(هو الذي اتفقت عليه الصحابة)، وقال:(يجب قتلهما رجمًا بالحجارة)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» [أحمد: 2727، وأبو داود: 4462، والترمذي: 1456، وابن ماجه: 2561]، ولما روي عن علي رضي الله عنه:«أَنَّهُ رَجَمَ لُوطِيًّا» ، ونحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما [البيهقي: 17027].

(وَ) الشرط الثاني: (انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ)؛ لحديث عائشة السابق: «ادْرَؤُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .

فلا حد على من وطئ أمته المزوَّجة، أو وطئ في نكاح مختلف فيه؛ كنكاح بلا ولي، أو وطئ امرأة وجدها على فراشه أو في منزله ظنَّها زوجته أو أمته، أو جهل تحريم الزنى لقرب إسلامه أو نشأته ببادية بعيدة عن القرى، أو جهل تحريم نكاح باطل إجماعًا ومثله يجهله؛ للشبهة في الكل.

ص: 387

(وَ) الشرط الثالث: (ثُبُوتُهُ) أي: الزنى، ولا يثبت إلا بأحد أمرين:

الأول: (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ)، ولو متفرقين واحدًا بعد واحدٍ، (فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ) يشهدون (بِزِنًى وَاحِدٍ، مَعَ وَصْفِهِ)؛ لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} الآية [النور: 4]، وقوله:{فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: 15].

وعُلِم من كلامه: أنه يشترط لثبوت الزنى بالشهود شروط:

1 -

العدد، فلابد أن يكونوا أربعة؛ وهو محل إجماع؛ لظاهر الآية السابقة، فإن امتنع بعضهم، أو لم يكملها؛ لم يُحدَّ.

2 -

أن يكونوا رجالًا؛ لأن الأربعة اسم لعدد الذكور، ولأن في شهادة النساء شبهة؛ لتطرق الاحتمال إليهن.

3 -

أن يكونوا عدولًا؛ كسائر الشهادات.

4 -

أن تكون الشهادة منهم في مجلس واحد، سواء كانوا متفرقين أو مجتمعين؛ لقول ابن المسيب رحمه الله:«شَهِدَ عَلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَى، وَنَكَلَ زِيَادٌ، فَحَدَّ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ» [عبد الرزاق: 13564، وعلقه البخاري بصيغة الجزم 3/ 170]، ولولا اعتبار اتحاد المجلس لم يحدهم؛ لاحتمال أن يكملوا برابع في مجلس آخر، ولا ينافيه كون المجلس لم يذكر في الآية؛ لأن العدالة أيضًا لم تذكر، ووصف الزنى لم يذكر فيها، مع اعتبارهما بدليل آخر.

ص: 388

فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم من مجلسه؛ فهم قَذَفَةٌ، لأن شهادته غير مقبولة ولا صحيحة، أشبه ما لو لم يشهد أصلًا، وعليهم الحد.

وعنه، واختاره ابن عثيمين: لا يشترط أن تكون الشهادة في مجلس واحد؛ لعموم الآية، حيث لم يذكر فيها هذا الشرط.

5 -

أن يشهدوا على زنًى واحد؛ فإن عَيَّن اثنان يومًا أو بلدًا، وآخران آخر، فلا يقام الحد؛ لأن كل اثنين منهم شهدا بزنىً غير الذي شهد به الآخران، ويحدون للقذف؛ لعدم إكمال الشهادة.

6 -

أن يصفوا الزنى، بأن يقولوا: رأيناه غيَّب ذكره في فرجها؛ لأن اسم الزنى يطلق على ما لا يوجب الحد، وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنىً زنىً، فاعتبر ذكر صفته؛ ليزول الاحتمال، ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى (1).

الثاني: (أَوْ) يثبت بـ (إقْرَارِهِ)، ولابد في الإقرار من أربعة أمور:

(1) قال في الإقناع وشرحه للبهوتي (6/ 100): ((ولا يعتبر ذكر مكان الزنى) عند ابن حامد، والمذهب خلافه، ويأتي في الشهادات، (ولا ذكر المزني بها إن كانت الشهادة على رجل)؛ لأنه لم يأت في الحديث الصحيح ذكره المزني بها ولا مكان الزنى، وقطع في المنتهى في الشهادات بأنه يعتبر ذكرهما، (ولا ذكر الزاني إن كانت الشهادة على امرأة)؛ كعكسه).

ص: 389

1 -

العدد: بأن يقر (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) في مجلس واحد أو مجالس؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ، وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ» [البخاري: 6814، ومسلم: 1691]، وكذا لو أقر في مجالس؛ لحديث بُريدة في قصة ماعز رضي الله عنهما، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز:«وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ» ، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء، فقال: يا رسول الله، طهرني، الحديث [مسلم: 1695].

وقال ابن عثيمين: (القول بأن تكرار الإقرار أربعاً ليس بشرط أرجح) ثم قال: (ولو قال قائل بقول وسط بأنه إذا اشتهر الأمر واتضح فإنه يُكتفى فيه بالإقرار مرة واحدة، بخلاف ما لم يشتهر فإنه لا بد فيه من تكرار الإقرار أربعاً)؛ لقصة العسيف والغامدية، فإنه لم يرد فيهما تكرار الإقرار، وقصة ماعز تحمل على الاشتباه على الإمام.

2 -

أن يكون من مكلف مختار؛ لأن القلم مرفوع عن الصغير والمجنون، وللعفو عن المكره.

فلا يصح إقرار الصبي والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء؛ لأن قولهم غير معتبر.

3 -

أن يكون (مَعَ) الإقرار (ذِكْرُ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ)؛ لتزول التهمة، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «لَعَلَّكَ

ص: 390

قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ» قال: لا يا رسول الله، قال:«أَنِكْتَهَا؟ » ، لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه [البخاري: 6824].

4 -

أن يكون إقراره (بِلَا رُجُوعٍ) عنه حتى يتم الحد، فإن رجع عن إقراره، أو هرب؛ كُفَّ عنه؛ لحديث نعيم بن هزَّال رضي الله عنه في قصة ماعز رضي الله عنه، وفيه: فلما رُجِم فوجد مسَّ الحجارة، جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس رضي الله عنه وقد عجز أصحابه، فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال:«هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ، فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ» [أحمد: 21890، وأبو داود: 4419].

واختار شيخ الإسلام: أنه لا يخلو من أمرين:

الأول: أن يثبت زناه ببينة: فيقام عليه الحد ولو أظهر التوبة؛ لأنه لا يوثق بها، ولو دُرِئ الحد بإظهار التوبة هنا لم يُقم حد.

الثاني: أن يثبت بإقراره: فإن كان تائبًا ورجع سقط عنه الحد، وإن أقر ولم يكن تائبًا، فلا يسقط عنه الحد. ظظ

- مسألة: لا يثبت حد الزنى إلا بالشهادة والإقرار، ولا يثبت بالقرينة.

وعنه، واختار شيخ الإسلام: يثبت حد الزنى أيضاً بالقرائن؛ كالحمل من امرأة لا زوج لها ولا سيد، فتحد ما لم تدَّع شبهة، قال شيخ الإسلام:(وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين)؛ لقول عمر رضي الله عنه: «وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أَوْ

ص: 391