الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
إذا كان الزوج يشرب الخمر ونحو ذلك مما يضر بالمرأة؛ فإن لها حق الفسخ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنهما أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ» [البخاري: 5273]، فظاهر قولها أنها لو عابته بخلق ودين لكان لها الحق في طلب الفسخ.
(فَصْلٌ) في المحرمات في النكاح
وهن ضربان:
أحدهما: من تحرم على الأبد، وقد ذكره بقوله:(وَيَحْرُمُ أَبَداً)، وهن خمسة أقسام:
القسم الأول: يحرمن بالنسب، وهن سبع:
1 -
(أمٌّ، وَجَدَّةٌ) مطلقاً، سواء من جهة الأب أو الأم، (وَإِنْ عَلَتْ)، لقوله تعالى:{حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23]، قال ابن رشد:(اتفقوا على أن الأم ههنا اسم لكل من لها عليك ولادة، من جهة الأم أو من جهة الأب)، سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة، وهي التي ولدتك، أو مجازًا وهي التي ولدت من ولدتك، وإن علت.
2 -
(وَبِنْتٌ) لصلبٍ، (وَبِنْتُ وَلَدٍ)، ذكرًا كان الولد أو أنثى، (وَإِنْ سَفَلَتْ)؛ لقوله تعالى:{وبناتكم} [النساء: 23]، قال ابن رشد:(اتفقوا على أن البنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة، سواء كانت من قبل الابن أو من قبل البنت أو مباشرة).
وسواء كانت البنت من حلال، زوجةٍ أو سُريَّةٍ، أو من حرام كزنًى، أو من شبهة، أو منفية بلعان؛ لدخولهن في عموم لفظ:(وبناتكم)، ولأن ابنته من الزنى خلقت من مائه، فحرمت عليه؛ كتحريم الزانية على ولدها من الزنى، والمنفية بلعان لا يسقط احتمال كونها خلقت من مائه، واختاره شيخ الإسلام.
ويكفي في التحريم أن يعلم أنها بنته ظاهرًا، وإن كان النسب لغيره، قال شيخ الإسلام: ظاهر كلام الإمام أحمد أن الشبه يكفي في ذلك؛ لأنه قال: أليس أمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تحتجب من ابن أمة زَمْعَة، وقال:«الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» [البخاري: 2053، ومسلم: 1457]، وقال: إنما حجبها للشبه الذي رأى بعينه.
وكذا يقال في الأخوات وغيرهن ممن يأتي من الأقسام.
3 -
(وَأُخْتٌ مُطْلَقاً)، أي: أخت لأبوين، وأخت لأب، وأخت لأم؛ لقوله تعالى:(وأخواتكم)، قال ابن رشد:(اتفقوا على أن الأخت اسم لكل أنثى شاركتك في أحد أصليك أو مجموعهما).
4 -
(وَبِنْتُهَا)، أي: بنت الأخت مطلقاً، (وَبِنْتُ وَلَدِهَا) أي: بنت ابن الأخت، وبنت بنت الأخت (وَإِنْ سَفَلَتْ)؛ لقوله تعالى:{وبنات الأخ وبنات الأخت} [النساء: 23]، قال ابن رشد:(اتفقوا على أن بنت الأخت اسم لكل أنثى لأختك عليها ولادة، مباشرة أو من قبل أمها أو من قبل أبيها).
5 -
(وَبِنْتُ كُلِّ أَخٍ) شقيق أو لأب أو لأم، (وَبِنْتُهَا)، أي: بنت بنت الأخ، (وَبِنْتُ وَلَدِهَا وَإِنْ سَفَلَتْ)؛ لقوله تعالى:{وبنات الأخ} [النساء: 23]، قال ابن رشد:(اتفقوا على أن بنت الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة من قبل أمها، أو من قبل أبيها، أو مباشرة).
6 -
(وَعَمَّةٌ) مطلقًا، أي: من كل جهة، وهن جميع أخوات آبائك وأجدادك وإن علون، اتفاقاً؛ لقوله تعالى:{وعماتكم} [النساء: 23].
7 -
(وَخَالَةٌ مُطْلَقاً)، أي: من كل جهة، وهن جميع أخوات أمهاتك وجداتك وإن علون، اتفاقاً؛ لقوله تعالى:{وخالاتكم} [النساء: 23].
(وَ) القسم الثاني: يحرمن بالرضاع، وهن سبع، أشار إليه:(يَحْرُمُ بِرَضَاعٍ مَا يَحْرُمُ بِنَسَبٍ)، فكل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها بالرضاع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» [البخاري 2645، ومسلم 1447]، ولأن الأمهات والأخوات
منصوص عليهن في قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23] والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات، فيحرم من الرضاع: الأمهات وإن علون، والبنات وإن نزلن، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، ويأتي في الرضاع.
(وَ) القسم الثالث: المحرمات بالمصاهرة، وهن أربع:
الأول والثاني: أشار إليهما بقوله: (يَحْرُمُ بِعَقْدٍ) وإن لم يحصل دخول ولا خلوة: (حَلَائِلُ عَمُودَيْ نَسَبِهِ) أي:
1 -
حلائل آبائه: وهن كل من تزوجها أبوه، أو جده لأبيه أو لأمه، من نسب أو رضاع، وإن علا، وسواء فارقها أو مات عنها، وحلائلهم: زوجاتهم، سميت امرأة الرجل حليلة؛ لأنها تحل إزار زوجها وهي محللة له؛ لقوله تعالى:{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22].
2 -
حلائل أبنائه، وهن كل من تزوجها أحد من بنيه، أو من بني أولاده وإن نزلوا، من أولاد البنين أو البنات، من نسب أو رضاع؛ لقوله تعالى:{وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} [النساء: 23]، مع ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .
3 -
(وَ) يحرم بعقد وإن لم يحصل دخول ولا خلوة: (أُمَّهَاتُ زَوْجَتِهِ وَإِنْ عَلَوْنَ)، من نسب ومثلهن من رضاع؛ لقوله تعالى:{وأمهات نسائكم}
[النساء: 23]، والمعقود عليها من نسائه، فتدخل أمها في عموم الآية، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«هِيَ مُبْهَمَةٌ، فَأَرْسِلُوا مَا أَرْسَلَ الله، وَاتَّبِعُوا مَا بَيَّنَ الله عز وجل» [سعيد بن منصور 937]، أي: عمموا حكمها في كل حال، ولا تفصلوا بين المدخول بها وغيرها.
4 -
(وَ) يحرم (بِدُخُولٍ: رَبِيبَةٌ)، وهي بنت زوجته التي دخل بها، (وَبِنْتُهَا) أي: بنت ربيبته، (وَبِنْتُ وَلَدِهَا) الذكور والإناث (وَإِنْ سَفَلَتْ)، من نسب أو رضاع، لقوله تعالى:{وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} [النساء: 23]، ولو كن في غير حجره؛ لأن التربية لا تأثير لها في التحريم، وأما قوله تعالى:{اللاتي في حجوركم} فقد خرج مخرج الغالب لا الشرط، فلا يصح التمسك بمفهومه.
فإن ماتت الزوجة أو أبانها قبل دخول؛ لم تحرم بناتها، ولو بعد الخلوة؛ لقوله تعالى:{فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} [النساء: 23]، والخلوة لا تسمى دخولًا.
- فرع: تحرم زوجة الأب من الرضاع، وزوجة الابن من الرضاع، وأم الزوجة من الرضاع، وبنت الزوجة من الرضاع، اتفاقاً؛ لعموم ما تقدم من قوله تعالى:(وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ)، وقوله:(وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).
وأما قوله تعالى: {الذين من أصلابكم؛ فللاحتراز عمن يتبناه وليس منه، ولحديث ابن عباس السابق:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ، فأجرى النبي صلى الله عليه وسلم الرضاعة مجرى النسب، وشبهها به، فثبت تنزيل ولد الرضاعة وأبي الرضاعة منزلة ولد النسب وأبيه، فما ثبت للنسب من التحريم، ثبت للرضاعة، فإذا حرمت امرأة الأب والابن، وأم المرأة، وابنتها من النسب، حرمن بالرضاعة.
واختار شيخ الإسلام وابن القيم: أنهن لا يحرمن؛ لأن حرمة هؤلاء بالمصاهرة لا بالنسب، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» ، ومما يدل على ذلك أيضًا قوله تعالى في المحرمات:{وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} ، ومعلوم أن لفظ:(الابن) إذا أطلق لم يدخل فيه ابن الرضاع، ولهذا قام الإجماع على عدم دخولهم في قول الله عز وجل:(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)، فكيف إذا قُيِّد بكونه ابن صلب، وقَصْد إخراج ابن التبني بهذا لا يمنع إخراج ابن الرضاع.
- فرع: إذا وطئ الرجل امرأة فلا يخلو هذا الوطء في ثبوت التحريم بالمصاهرة من ثلاثة أقسام:
1 -
أن يكون الوطء حلالاً: فيثبت به التحريم بالمصاهرة إجماعًا؛ لأنها حرمت عليه على التأبيد بسبب مباح، أشبه النسب.
2 -
أن يكون الوطء بشبهة (1): فيثبت به التحريم بالمصاهرة، وحكاه ابن المنذر إجماعًا؛ لأنه وطء يلحق به النسب؛ فأثبت التحريم كالوطء المباح.
ولا يصير به الرجل مَحْرمًا لمن حرمت عليه، ولا يباح له به النظر إليها؛ لأن الوطء ليس بمباح، ولأن الموطوءة لم يستبح النظر إليها، فلأن لا يستبيح النظر إلى غيرها أولى.
3 -
أن يكون الوطء حرامًا؛ كزنًى أو وطء في الدبر: فيثبت به التحريم بالمصاهرة؛ لأن الوطء يسمى نكاحًا، فيدخل في عموم قوله تعالى:{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم} الآية [النساء: 22]، ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور؛ كوطء الحائض، ولا تثبت به المَحْرَمية ولا إباحة النظر؛ لما تقدم.
واختار شيخ الإسلام: أن الوطء الحرام لا يثبت به تحريم المصاهرة؛ لأن الأصل الحل، والعقود إذا أطلقت في الشرع حملت على الصحيح منها؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً:«لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» [ابن ماجه 2015، وضعفه الألباني]، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الرجل يزني بأم امرأته قال:«تَخَطَّى بِحُرْمَةٍ إِلَى حُرْمَةٍ، وَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ» [عبد الرزاق 12769، وصححه الحافظ والألباني].
(1) قال في الإنصاف (20/ 289): (فائدة: ظاهر كلام الخرقي أن وطء الشبهة ليس بحلال ولا حرام؛ فقال: ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة. وصرح القاضي في «تعليقه» أنه حرام).
القسم الرابع من المحرمات على الأبد: زوجات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقط، دون بناتهن وأمهاتهن، فيحرمن على غيره أبدًا؛ لقوله تعالى:{ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} [الأحزاب: 53]، ولو من فارقها في حياته؛ لأنها من أزواجه.
القسم الخامس: الملاعِنة على الملاعِن، فلا تحل له بنكاح ولا ملك يمين؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في قصة اللعان مرفوعاً:«حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» [البخاري 5312، ومسلم 1493]، وعن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قالا:«مَضَتِ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» [الدارقطني 3707]، فلا تحل له ولو أكذب الملاعن نفسه؛ لأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد والتكذيب، فلم يرتفع بهما.
- فرع: زاد شيخ الإسلام:
1 -
لو قتل رجل رجلاً ليتزوج امرأته فلا تحل له على التأبيد؛ عقوبة له بنقيض قصده؛ كحرمان القاتل من الميراث.
2 -
لو خبب امرأةً على زوجها حتى طلقها؛ فنكاحه لها باطل، ويجب التفريق بينهما؛ كمنع القاتل الميراث، وهو قول في مذهب أحمد.