المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في شروط النكاح - الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات - جـ ٣

[عبد العزيز العيدان]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌(فَصْلٌ) في أركان النكاح

- ‌فصل في شروط النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في المحرمات في النكاح

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الشروط في النكاح

- ‌(فَصْلٌ) في العيوب في النكاح

- ‌فصل في نكاح الكفار، وما يتعلق به

- ‌فصل في التفويض وغيره

- ‌(فَصْلٌ) في وليمة العرس

- ‌(فَصْلٌ) في عشرة النساء

- ‌فصل في أحكام الجماع والمبيت

- ‌فصل في القَسْم

- ‌فصل في النشوز

- ‌فصل في تعليق طلاقها أو خلعها أو تنجيزه

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌فصل في سنة الطلاق وبدعته

- ‌فصل في صريح الطلاق وكنايته

- ‌فصل

- ‌فصل فيما يختلف به عدد الطلاق

- ‌فصل في الاستثناء في الطلاق

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في تعليق الطلاق بالشروط

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالكلام، والإذن، ونحو ذلك

- ‌فصل في تعليق الطلاق بالمشيئة

- ‌فصل في مسائل متفرقة

- ‌فصل في التأويل في الحلف بالطلاق أو غيره

- ‌فصل في الشك في الطلاق

- ‌(فَصْلٌ) في الرجعة

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في الإيلاء

- ‌(فَصْلٌ) في الظهار

- ‌فصل في كفارة الظهار

- ‌(فَصْلٌ) في اللعان

- ‌فصل فيما يلحق من النسب

- ‌فصل في الإحداد

- ‌فصل في الاستبراء

- ‌(فَصْلٌ) في الرضاع

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ)في نفقة الأقارب، والمماليك، والبهائم

- ‌(فَصْلٌ) في الحضانة

- ‌فصل في تخيير المحضون بين أبويه

- ‌(كِتَابُ الجِنَايَاتِ)

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في شروط وجوب القصاص

- ‌فصل في استيفاء القصاص

- ‌(فَصْلٌ) في العفو عن القصاص

- ‌فصل فيما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌(فَصْلٌ) في الديات

- ‌فصل

- ‌(فَصْلٌ) في مقادير ديات النفس

- ‌(فَصْلٌ) في دية الأعضاء ومنافعها

- ‌فصل في دية المنافع

- ‌فصل في الشِّجاج

- ‌(فَصْلٌ) في العاقلة

- ‌فصل في كفارة القتل

- ‌فصل في القَسَامة

- ‌(كِتَابُ الحُدُودِ)

- ‌فصل في حد الزنى

- ‌فصل في حد القذف

- ‌فصل في التعزير

- ‌(فَصْلٌ) في حد المسكر

- ‌(فَصْلٌ) القطع في السرقة

- ‌(فَصْلٌ) في حد قطَّاع الطريق

- ‌فصل في دفع الصائل

- ‌فصل في قتال أهل البغي

- ‌(فَصْلٌ) في حكم المرتد

- ‌(فَصْلٌ) في الأطعمة

- ‌(فَصْلٌ) في الذكاة

- ‌(فَصْلٌ) في الصيد

- ‌(فَصْلٌ)

- ‌فصل في كفارة اليمين

- ‌فصل جامع الأيمان

- ‌(فَصْلٌ) في النذر

- ‌(كِتَابُ القَضَاءِ)

- ‌فصل في آداب القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في طريق الحكم وصفته

- ‌فصل في كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌(فَصْلٌ) في القسمة

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌فصل في شروط من تقبل شهادته

- ‌فصل في موانع الشهادة

- ‌(فَصْلٌ) أقسام المشهود به

- ‌(فَصْلٌ) في الشهادة على الشهادة

- ‌(كِتَابُ الإِقْرَارِ)

- ‌فصل فيما يحصل به الإقرار

- ‌فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيِّره

- ‌فصل في الإقرار بالمجمل

الفصل: ‌فصل في شروط النكاح

عربي وعدل عن لفظهما الخاص.

‌فصل في شروط النكاح

- مسألة: (وَشُرُوطُهُ) أي: النكاح (أَرْبَعَةُ) شروط (1):

الشرط الأول: (تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ) في العقد؛ لأن النكاح عقد معاوضة، أشبه تعيين المبيع في البيع، ولأن المقصود في النكاح التعيين، فلم يصح بدونه.

فلا يصح العقد إن قال الولي: زوجتك ابنتي، وله بنات، حتى يميزها عن غيرها، بأن يشير إليها، أو يسميها باسم يخصها، أو يصفها بما تتميز به عن غيرها.

وإن كانت له بنت واحدة؛ صح النكاح بقوله: زوجتك ابنتي، ولو سماها بغير اسمها؛ لأنه لا تعدد هنا، فلا التباس.

(وَ) الشرط الثاني: (رِضَاهُمَا) أي: الزوجين، أو رضا من يقوم مقامهما؛ لأن العقد لهما، فاعتبر تراضيهما به؛ كالبيع.

- فرع: (لَكِنْ) يستثنى من اشتراط رضا الزوجين ما يلي:

(1) زاد في الإقناع شرطًا خامسًا، وهو الخلو من الموانع، وتقدم في الأركان، وذكر في المنتهى: أن الشرط الخامس: الكفاءة، بناء على شرط الصحة في رواية.

ص: 19

أولاً: (لِأَبٍ وَوَصِيِّهِ فِي نِكَاحٍ) ولايةُ إجبارٍ، وذلك:

1 -

بـ (ـتَزْوِيجِ صَغِيرٍ) أي: غير البالغ، سواء كان عاقلًا أو مجنونًا؛ لما روى سليمان بن يسار:«أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما زَوَّجَ ابْنًا لَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَابْنُهُ صَغِيرٌ يَوْمَئِذٍ» [البيهقي: 13817]، ولأنه لا قول له، فكان لوليه تزويجه، قال ابن قدامة في تزويج الغلام العاقل:(لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن لأبيه تزويجَه، كذلك قال ابن المنذر).

واختار ابن عثيمين: له تزويج الصغير إن احتاج إليه؛ لأن الصغر علة يرجى زوالها بالبلوغ، والنكاح يترتب عليه نفقة ومؤنة وغير ذلك، وإلزام الصغير بهذه الأمور محل نظر.

أما من قارب البلوغ فله إذن معتبر، فيصح تزويجه بإذنه؛ لأنه صار يعرف مصالح النكاح.

2 -

(وَ) تزويج (بَالِغٍ مَعْتُوهٍ)، وهو: ناقص العقل، يزوجه أبوه ووصيه بدون رضاه؛ لأنه غير مكلف أشبه الصغير.

واختار القاضي، وابن عثيمين: أنه يجوز تزويجه إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء ونحوه؛ لأن في تزويجه مع عدم حاجته إضرارًا به بإلزامه حقوقًا لا مصلحة له في التزامها.

3 -

(وَ) تزويج (مَجْنُونَةٍ)، فللأب ووصيه تزويجها ولو بلا شهوة، سواء كانت بكرًا أو ثيبًا، صغيرةً أو بالغةً؛ لأن ولاية الإجبار انتفت عن العاقلة

ص: 20

بخيرة نظرها لنفسها بخلاف المجنونة.

واختار ابن عثيمين: أن له تزويجها إذا علم رغبتها في النكاح بالقرائن، وإلا صار تزويجها عبثًا، وربما يحصل نزاع من زوجها ومفسدة.

4 -

(وَ) تزويج (ثَيِّبٍ لَهَا دُونَ تِسْعِ) سنين، وذلك أن الثيب لا تخلو من ثلاث أحوال:

أ) أن تكون دون تسع سنين: فللأب ووصيه في النكاح إجبارها على النكاح؛ لأنه لا إذن لها معتبر.

وقيل: ليس له إجبارها. قال المرداوي: (فعلى هذا: لا تزوج البتة حتى تبلغ تسع سنين، فيثبت لها إذن معتبرة).

ب) أن تكون بنت تسع سنين، ودون البلوغ: فليس لأحد إجبارها على النكاح؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» [البخاري: 5136، ومسلم: 1419]، وتحديده بتسع سنين؛ لقول عائشة رضي الله عنها:«إِذَا بَلَغَتِ الجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ» [علَّقه الترمذي 3/ 409، واحتج به أحمد وإسحاق بن راهويه]، ولأنها تصلح بذلك للنكاح وتحتاج إليه، أشبهت البالغة.

ت) أن تكون بالغة: فليس له إجبارها، قال أحمد:(ليس بين الناس اختلاف في الثيب الكبيرة أنها لا تزوج إلا بإذنها)؛ لما روت خنساء بنت خِذام الأنصارية: «أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ

ص: 21

رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ نِكَاحَهُ» [البخاري: 5138].

5 -

(وَ) تزويج (بِكْرٍ مُطْلَقاً)، أي: سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وذلك أن البكر لا تخلو من حالين:

أ) أن تكون البكر دونَ تسعِ سنين: فلأبيها أن يجبرها على النكاح؛ وحكاه ابن المنذر وابن عبد البر إجماعًا؛ لقول الله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق: 4] فجعل للائي لم يحضن - وتدخل فيهن الصغيرة - عدةً، ولا تكون العدة إلا من طلاق في نكاح، والصغيرة لا إذن لها معتبر، فلا يشترط رضاها، ولقول عائشة رضي الله عنها قالت:«تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ» [البخاري: 3894، ومسلم: 1422].

واختار ابن عثيمين: لا يجوز لأبيها أن يزوجها حتى تبلغ وتُستأذن (1)؛ لأن الأصل وجوب استئذان البكر في النكاح، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ

(1) قال ابن عثيمين: (لكن لو فرضنا أن الرجل وجد أن هذا الخاطب كفء، وهو كبير السن، ويخشى إن مات صارت البنت في ولاية إخوتها أن يزوجوها حسب أهوائهم، فإن رأى المصلحة في أن يزوجها من هو كفء فلا بأس بذلك، ولكن لها الخيار إذا كبرت، وإذا كان الأمر كذلك فالسلامة ألا يزوجها). ينظر: الشرح الممتع 12/ 58.

ص: 22

تَسْكُتَ» [البخاري: 5136، ومسلم: 1419]، ولعدم حاجتها إلى النكاح.

ب) أن يكون لها تسع سنين فأزيد، ولو بعد البلوغ: فلأبيها أن يجبرها على النكاح؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا» [مسلم: 1421]، فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دل على نفيه عن الآخر، وهي البكر، فيكون وليها أحق منها بها، ويستحب استئذانها؛ لحديث ابن عباس السابق.

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: لا تُجبر على النكاح، قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله:(إذا بلغت الجارية تسع سنين فلا يزوجها أبوها ولا غيره إلا بإذنها)؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال:«أَنْ تَسْكُتَ» [البخاري: 4843، ومسلم: 1419]، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما:«أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» [أحمد: 2469، وأبو داود: 2096، قال ابن القيم: له طرق]، ولقول عائشة رضي الله عنها:«إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة» [علَّقه الترمذي 3/ 409، واحتج به أحمد وإسحاق بن راهويه].

- فرع: تستفاد ولاية النكاح بالوصية إذا نص على التزويج؛ لأنها ولاية ثابتة للأب، فجازت وصيته بها؛ كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها

ص: 23

في حياته ويقوم نائبه مقامه، فجاز أن يستنيب فيها بعد موته.

وعنه واختاره ابن عثيمين: لا تستفاد بالوصية؛ لأنها ولاية تنتقل إلى غيره شرعًا، فلم يجز أن يوصي بها؛ كالحضانة، ولأنه لا ضرر على الوصي في تضييعها ووضعها عند من لا يكافئها، فلم تثبت له الولاية؛ كالأجنبي.

- فرع: ليس للجد ولاية إجبار؛ لأن الجد يدلي بولاية غيره، فأشبه سائر العصبات، وفارق الأب، فإنه يدلي بغير واسطة.

وفي وجه - وذُكِر رواية - واختاره شيخ الإسلام: أن الجد يجبر كالأب؛ لأن ولايته ولاية إيلاد، فملك إجبارها كالأب.

ثانيًا مما يستثنى من شرط رضا الزوجين: السيد مع إمائه وعبيده، وتحت ذلك أصناف:

1 -

ما أشار إليه بقوله: (كَسَيِّدٍ مَعَ إِمَائِهِ) فيزوجهن بغير إذنهن، سواء كانت الأمة بكرًا أم ثيبًا، صغيرة أم كبيرةً، قنًّا أو مدبرًا أو أم ولد، واختاره ابن عثيمين؛ لأنه يملك منافع بُضْعُهن، ولقول الله تبارك وتعالى:{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا} [النور: 33]، فمفهومه: أن إكراههن على غير البغاء كالنكاح الصحيح لا بأس به، قال الموفق:(لا نعلم خلافًا في السيد إذا زوج أمته بغير إذنها أنه يصح، ثيبًا كانت أو بكرًا، صغيرةً أو كبيرةً).

يستثنى المكاتبة ولو صغيرة، فلا يملك إجبارها؛ لأنها بمنزلة الخارج عن ملكه، ولذلك لا يلزمه نفقتها ولا يملك إجارتها ولا أخذ مالها.

ص: 24

وقيل، - وهو مروي عن أحمد -: لا تجبر الأمة الكبيرة؛ لأن منافع البضع ليست بمال; بدليل المعسرة لا تُلْزَم بالتَّزَوُّج، ولأن الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحضة إلا لدليل.

2 -

السيد مع عبيده، ولا يخلو ذلك من ثلاث حالات:

الأولى: عبده البالغ العاقل: فلا يملك السيد إجباره على النكاح؛ لأنه مكلف يملك الطلاق، فلا يجبر على النكاح كالحر.

(وَ) الثانية: (عَبْدُهُ الصَّغِيرُ) العاقل: فلسيده إجباره على النكاح؛ لأنه إذا ملك تزويج ابنه الصغير، فلأن يملك تزويج عبده الصغير مع ملكه له وتمام ولايته عليه أولى.

وفي وجه: لا يملك إجباره؛ لما تقدم في عبده البالغ.

والثالثة: عبده المجنون، ولو بالغًا: فلسيده إجباره على النكاح؛ لأن الإنسان إذا ملك تزويج ابنه المجنون، فعبده الذي كذلك مع ملكه وتمام ولايته عليه أولى.

ثالثًا مما يستثنى من رضا الزوجين: باقي الأولياء غير الأب ووصيه فيه: فليس لهم ولاية الإجبار على أحد؛ لأنه لا نظر لغير الأب ووصيه والحاكم في أموالهم ومصالحهم المتعلقة به.

ويستثنى من ذلك اثنتان:

ص: 25

1 -

المجنونة إذا ظهر ميلها للرجال؛ لأن لها حاجة إلى النكاح لدفع ضرر الشهوة عنها وصيانتها عن الفجور، وتحصيل المهر والنفقة والعفاف، وصيانة العرض، ولا سبيل إلى إذنها؛ فأبيح تزويجها؛ كالبنت مع أبيها.

2 -

المجنونة إذا قال أهل الطب: إن علتها تزول بالتزويج؛ لأن ذلك من أعظم مصالحها؛ كالمداواة.

وعلى هذا: (فَلَا يُزَوِّجُ بَاقِي الأَوْلِيَاءِ صَغِيرَةً بِحَالٍ) بكرًا كانت أو ثيبًا، وهي لا تخلو من حالين:

أ) أن تكون دون تسع سنين: فليس لهم تزويجها بحال من الأحوال؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، فرُفِع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«هِيَ يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا» [أحمد: 6136]، والصغيرة لا إذن لها بحال.

ب) أن تكون بنت تسع فأكثر، وأشار إليه المؤلف بقوله:(وَلَا) يُزوج باقي الأولياء (بِنتَ تسعٍ إِلَّا بِإِذْنِهَا)؛ لأن لها إذنًا معتبرًا، ولأنها تصلح بذلك للنكاح، وتحتاج إليه؛ أشبهت البالغة.

رابعًا: الحاكم: فله ولاية إجبار عند عدم الأب ووصيه، على الصغير العاقل، والمجنون البالغ، عند الحاجة إلى النكاح أو الخدمة ونحوه؛ لأنه الذي ينظر في مصالحهما إذن.

ص: 26

- فرع: (وَهُوَ) أي: الإذن، لا يخلو من أمرين:

الأول: (صُمَاتُ بِكْرٍ)، ولو كان الذي زوجها غير الأب، لحديث أبي هريرة المتقدم:«لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قالوا: يا رسولَ الله، وكيف إذنها؟ قَالَ:«أَنْ تَسْكُتَ» ، ولو ضحكت أو بكت كان إذنًا؛ لأنها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان، فكان ذلك إذنًا منها؛ كالصمات، والبكاء يدل على فرط الحياء.

(وَ) الثاني: (نُطْقُ ثَيِّبٍ)؛ لحديث عَدِيٍّ الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا، وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صَمْتُهَا» [ابن ماجه: 1872، وصححه الألباني]، قال ابن قدامة:(لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في أن إذنها الكلام؛ للخبر، ولأن اللسان هو المعبر عما في القلب، وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الإذن، غير أشياء يسيرة أقيم فيها الصمت مقامه لعارض).

(وَ) الشرط الثالث من شروط النكاح: (الوَلِيُّ)، واختاره شيخ الإسلام؛ لقوله تعالى:{فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، فنهيه الأولياء عن العضل دليل على اشتراطهم في النكاح، ولحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» [أحمد: 19518، وأبو داود: 2085، والترمذي: 1101، وابن ماجه: 1881]، ولأن المرأة مولًّى عليها في النكاح، فلا تليه كالصغيرة.

ص: 27

ويستثنى من ذلك: النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)[الأحزاب: 6].

- فرع: (وَشُرُوطُهُ) أي: شروط الولي ستة:

1 -

(تَكْلِيفٌ) أي: بالغ عاقل؛ لأن غير المكلف يحتاج لمن ينظر له، فلا ينظر لغيره.

2 -

(وَذُكُورَةٌ)، اتفاقًا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ» [ابن ماجه: 1882، وصححه الألباني]، ولأن المرأة لا ولاية لها على نفسها، فعلى غيرها من باب أولى.

3 -

(وَحُرِّيَّةٌ) أي: كمالها، فلا ولاية على قن ولا مبعَّض؛ لأن العبد لا ولاية له على نفسه، فعلى غيره من باب أولى.

ويستثنى المكاتَب، فيزوج أمته بإذن سيده؛ لأن تزويجه إياها تصرف في ماله؛ فصح منه ذلك كبيعه.

وقيل، واختاره ابن عثيمين: لا تشترط الحرية؛ لعمومات الأدلة، وللقاعدة:(أن الأصل تَساوي الأرقاء والأحرار في العبادات البدنية المحضة إلا لدليل)، ولأن هذا ليس مالًا أو تصرفًا ماليًّا؛ ولكنه ولاية.

4 -

(وَرُشْدٌ) في العقل، بأن يعرف الكفء، ومصالح النكاح، وليس هو حفظَ المال، فإن رشد كل مقام بحسبه، قاله شيخ الإسلام؛ لقول

ص: 28

ابن عباس رضي الله عنهما: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» [البيهقي: 13650]، قال الإمام أحمد: (أصح شيء في هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما.

5 -

(وَاتِّفَاقُ دِينِ) الولي ومَوْلِيَّتِهِ، ولا يخلو اختلاف الدين من ثلاث أحوال:

الأولى: أن يكون الولي كافرًا، والمرأة مسلمة: فلا ولاية له عليها، حكاه ابن المنذر وغيره إجماعًا؛ لقوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، فدل على أن غير المؤمنين ليسوا أولياء للمؤمنين، ولانقطاع التوارث بينهما.

الثانية: أن يكون الولي مسلمًا، والمرأة كافرة: فلا ولاية له عليها؛ لقول الله تعالى {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال: 73]، ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر، ولا يعقل عنه، فلم يل عليه.

واختار ابن عثيمين: أنه يكون وليًّا عليها؛ لأنها ولاية، فمن كان أقرب إلى الأمانة فهو أولى.

الثالثة: أن يكونا كافرين؛ كأن يكون الولي نصرانيًّا، والمرأة مجوسية: فلا ولاية له عليها؛ لعدم التوارث بينهما (1).

(1) قال المرداوي في الإنصاف (8/ 80): ("ويلي الذمي نكاح موليته الذمية من الذمي"، هذا المذهب المقطوع به عند الأصحاب، ولم يفرقوا بين اتحاد بينهم أو تباينه، وخرج الشيخ تقي الدين رحمه الله في جواز كون النصراني يلي نكاح اليهودية وعكسه وجهين، من توارثهما وقبول شهادة بعضهم على بعض، بناء على أن الكفر: هل هو ملة واحدة، أو ملل مختلفة؟ فيه الخلاف المتقدم في باب ميراث أهل الملل)، وعلق البهوتي على كلام المرداوي هذا بقوله:(قلت: يشكل على قوله: "ولم يفرقوا بين اتحاد دينهم وتباينه" قولهم: "ويشترط فيه شروط المسلم"، لأن من شروط المسلم: اتحاد الدين) ينظر: حواشي الإقناع 2/ 834.

ص: 29

- فرع: يستثنى من اشتراط اتفاق الدين ثلاث صور:

الأولى: أم ولد لكافر إذا أسلمت، فيزوجها لمسلم؛ لأنها باقية في ملكه، ولا يمكن أن تزال بالبيع.

الثانية: أمةٌ كافرةٌ لمسلم، فله أن يزوجها لكافر، - وكذا أمة كافرة لمسلمة، فيزوجها ولي سيدتها -؛ لأنها مال فأشبه نكاحها إجارتها.

الثالثة: السلطان، فيزوج من لا ولي لها من أهل الذمة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» [أحمد: 24205، وأبو داود: 2083، والترمذي: 1102، وابن ماجه: 1879]، ولعموم ولايته على دار الإسلام.

6 -

(وَعَدَالَةٌ)؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما السابق: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ، ولأنها ولاية نظرية، فلا يستبدّ بها الفاسق؛ كولاية المال،

ص: 30

(وَلَوْ) كان الولي عدلًا (ظَاهِراً)، فيكفي مستور الحال؛ لأن اشتراط العدل ظاهرًا وباطنًا فيه حرج ومشقة، ويفضي إلى بطلان غالب الأنكحة.

وعنه: لا تشترط العدالة، فيصح تزويج الفاسق؛ لأنه يلي نكاح نفسه، فصحت ولايته على غيره.

قال ابن عثيمين: العدالة ليست بشرط، وإنما الشرط الأمانة أن يكون أمينًا على ابنته؛ لأنه يتصرف لمصلحة غيره، فاعتبر تحقيق المصلحة في حق ذلك الغير، أما عدالته ودينه فهذا إليه هو.

- فرع: يشترط في الولي العدالة (إِلَّا فِي) حالين:

1 -

(سُلْطَانٍ) إذا زوج من لا ولي لها؛ فلا تشترط عدالته؛ للحاجة.

2 -

(وَ) إلا في (سَيِّدٍ) إذا زوَّج أمته؛ فلا تشترط عدالته؛ لأنه تصرف في أمته، أشبه ما لو آجرها.

- فرع: (وَيُقَدَّمُ وُجُوباً) في نكاح الحرة:

1 -

(أَبٌ)؛ لأنه أكمل نظرًا وأشدُّ شفقةً، ولأن الولد موهوب لأبيه كما قال تعالى:{ووهبنا له يحيى} [الأنبياء: 90].

قال شيخ الإسلام: (لو قيل: إن الابن والأب سواء في ولاية النكاح،

ص: 31

كما إذا أوصي لأقرب قرابته، لكان متوجهًا، ويتخرج لنا: أن الابن أولى، إذا قلنا: الأخ أولى من الجد).

2 -

(ثُمَّ وَصِيُّهُ فِيهِ) أي: في النكاح؛ لقيامه مقامه. وتقدم الخلاف في ذلك.

3 -

(ثُمَّ جَدٌّ لِأَبٍ وَإِنْ عَلَا)، الأقرب فالأقرب؛ لأن له إيلادًا وتعصيبًا؛ فأشبه الأب.

4 -

(ثُمَّ ابْنٌ وَإِنْ نَزَلَ)، الأقرب فالأقرب؛ وللابن ولاية؛ لما روت أم سلمة رضي الله عنها أنها لما انقضت عدتها، أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، فقالت: يا رسول الله ليس أحد من أوليائي شاهدًا، قال:«فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِكِ شَاهِدٌ، وَلَا غَائِبٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ» ، فقالت: قم يا عمر فزوِّج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه [أحمد: 26669، والنسائي: 3254]، فدل على أن لها وليًا حاضرًا في الجملة.

5 -

(وَهَكَذَا عَلَى تَرْتِيبِ المِيرَاثِ)، فيُقدَّم - بعد الابن وإن نزل - الأخُ لأبوين، ثم لأب، ثم بنوهما كذلك، وإن نزلوا، ثم عمها لأبوين، ثم لأب، ثم بنوهما كذلك، ثم أقرب العصبات على ما سبق في الميراث؛ لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، وذلك معتبر بمظنته وهو القرابة، والأحق بالميراث هو الأقرب، فيكون أحق بالولاية.

ص: 32

6 -

(ثُمَّ المَوْلَى المُنْعِمُ) بالعتق؛ لأنه يرثها ويعقل عنها، فكان له تزويجها عند عدم عصباتها، قال في المغني:(بغير خلاف نعلمه).

(ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ) أي: الولي المنعم (نَسَباً) على ترتيب الميراث، (ثُمَّ) إن عدموا فأقرب عصبته (وَلَاءً)، وهكذا.

7 -

(ثُمَّ السُّلْطَانُ) وهو الإمام أو نائبه، أو من فوَّضا إليه الأنكحة؛ لحديث عائشة السابق، وفيه:«فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ، قال في المغني:(لا نعلم خلافًا بين أهل العلم، في أن للسلطان ولايةَ تزويج المرأة عند عدم أوليائها أو عضلهم).

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أو والي البلد أو كبيره.

8 -

ثم ذو سلطان في ذلك المكان؛ كوالي البلد أو كبيره أو أمير القافلة ونحوه؛ لأن له سلطنة.

9 -

ثم عَدْلٌ بإذنها؛ لأن اشتراط الولاية في هذه الحالة يمنع النكاح بالكلية فلم يجز، كاشتراط كون الولي عصبة في حق من لا عصبة لها.

- فرع: لا ولاية لغير العصبات النسبية والسببية من الأقارب؛ كالأخ من الأم، والخال، وعم الأم، وأبيها ونحوهم؛ لقول علي رضي الله عنه:«إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحَقَائِقِ، فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى» [البيهقي: 13695]، ولأن من ليس يعصبها شبيه بالأجنبي منها.

- فرع: إن زوَّج الأبعد، أو زوج أجنبي - ولو حاكمًا - من غير عذر للأقرب؛ لم يصح النكاح؛ لعدم الولاية من العاقد عليها مع وجود

ص: 33

مستحِقها؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «إِلَّا بِوَلِيٍّ» وصف مشتق من الولاية، فيقتضي أن يكون الأحق الأولى فالأولى، وكل حكم علق على وصف فإنه يقوى الحكم بقوة هذا الوصف فيه.

وعنه: يصح ويقف على إجازة الولي؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق: «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» .

- مسألة: في مسقطات الولاية، وهي:

المسقط الأول: العضل، وهو: منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل منهما في صاحبه بما صح مهرًا، ولو كان بدون مهر مثلها.

- فرع: العضل محرم اتفاقًا، ويفسق به إن كرره؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، وعن الحسن البصري رحمه الله:«أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِلٌ، فَنَزَلَتِ الآية» [البخاري: 4529].

(فَإِنْ عَضَلَ) الولي (الأَقْرَبُ) بأن منعها كفئًا رَضِيَتْهُ، ورغب بما صح مهرًا ولو دون مهر المثل؛ سقطت ولايته؛ لتعذر التزويج من جهة الأقرب، فصار كالعدم.

وقال شيخ الإسلام: (ومن صور العضل المسقط للولاية: إذا امتنع الخطَّاب لشدة الولي).

ص: 34

المسقط الثاني: عدم أهلية الأقرب، وأشار إليه بقوله:(أَوْ لَمْ يَكُنِ) الولي الأقرب (أَهْلاً)؛ لكونه طفلًا أو كافرًا أو فاسقًا أو عبدًا؛ لأن الولاية لا تثبت للأقرب مع اتصافه بذلك، فصار وجوده كعدمه.

المسقط الثالث: الغَيبة المنقطعة، وأشار إليها بقوله:(أَوْ كَانَ) الولي الأقرب (مُسَافِراً) سفرًا (فَوْقَ مَسَافَةِ قَصْرٍ)، وهي رواية في المذهب، ذكرها صاحب الفروع (1)؛ لأن من دون ذلك في حكم الحاضر.

وقطع في المقنع والتنقيح والمنتهى: بأنها ما لا تُقطع إلا بكُلْفَةٍ ومشقة، قال في غاية المنتهى:(فوق مسافة قصر أو دونها)؛ لأن التحديد بابه التوقيف، ولا توقيف.

وقيل: ما يفوت به كفء راغب، قال المرداوي:(وهو قوي)؛ لأن مبنى الولاية على مصلحة المرأة، فإذا ترتب على اعتبار هذا الولي مفسدة للمرأة؛ سقطت ولايته.

واختار ابن عثيمين: أنه متى أمكن مراجعة الولي الأقرب فهو واجب، وإذا لم يمكن، وكان يفوت به الكفء؛ فليزوجها الأبعد، وذكر أنه يفرق بين الأب وغيره من الأولياء في اعتبار ذلك.

(1) وهو موافق لما في دليل الطالب (ص 234)، وعده ابنُ عثيمين المذهبَ [الشرح الممتع 12/ 91].

والذي في الإقناع (3/ 173): (وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة، وتكون فوق مسافة القصر)، ومشى عليه في الروض المربع.

ص: 35

المسقط الرابع: إذا تعذرت مراجعة الأقرب؛ بأَسْر أو حبس غائب لا يعلم مكانه؛ لأنه صار كالبعيد.

- فرع: إذا سقطت ولاية الولي بأحد المسقطات السابقة؛ (زَوَّجَ حُرَّةً) وليٌّ (أَبْعَدُ)؛ لحديث عائشة السابق، وفيه:«فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ، فدل على أن الولاية تنتقل إلى الأبعد، ولا تنتقل إلى السلطان مع وجود الولي، ولأنه تعذر التزويج من جهة الأقرب، فملكه الأبعد، كما لو جن.

- فرع: (وَ) إذا سقطت ولاية سيدِ (أَمَةٍ) بأن غاب، أو تعذرت مراجعته بنحو أسر؛ زوجها (حَاكِمٌ)؛ لأن له النظر في مال الغائب ونحوه.

(وَ) الشرط الرابع: (شَهَادَةُ) شاهدين على النكاح؛ لحديثِ ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» [الدارقطني: 3521، ورجح وقفه]، وصح ذلك عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم من قولهما [البيهقي: 13727، 13725]، قال الإمام أحمد:(أصح شيء في هذا قول ابن عباس)، قال الترمذي:(والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم، إلا قومًا من المتأخرين من أهل العلم)، ولأنه عقد يتعلق به حق غير المتعاقِدَيْن، وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه لئلا يجحده أبوه فيضيع نسبه، بخلاف غيره من العقود.

ص: 36

وعنه، واختاره شيخ الإسلام: يصح النكاح بدون إشهادٍ بشرط الإعلان؛ لأن النكاح أُمِر فيه بالإعلان، كما في حديث:«أَعْلِنُوا النِّكَاحَ» [الترمذي: 1089، وابن ماجه: 1895، وحسنه الألباني]، فأغنى إعلانه مع دوامه عن الإشهاد، وقال شيخ الإسلام:(واشتراط الإشهاد وحده ضعيف؛ ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديث)، وذكر ذلك عن أحمد وغيره من أهل الحديث. (1)

- فرع: يشترط في الشهود شروط، وهي:

1 -

التعدد: فلابد من شاهدين، ولا يكفي شاهد واحد؛ لقول ابن عباس المتقدم:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» .

2 -

أن يكونا مسلمين: فلا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين، ولا بشهادة مسلم وذمي؛ لقوله تعالى:{وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2]، وللخبر السابق.

3 -

أن يكونا (رَجُلَيْنِ) أي: ذكرين؛ لقول الزهري رحمه الله: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي حَدٍّ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا طَلَاقٍ» [عبد الرزاق: 28714]، ولأنه عقد ليس بمال، ولا يقصد به المال، ويطلع عليه الرجال غالبًا، فلم ينعقد بهن؛ كالحدود.

(1) قال شيخ الإسلام: (وإذا كان الناس ممن يجهل بعضهم حال بعض، ولا يعرف من عنده هل هي امرأته أو خدينه؛ مثل الأماكن التي يكثر فيها الناس المجاهيل؛ فهذا قد يقال: يجب الإشهاد هنا) ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 131.

ص: 37

وعند ابن حزم: تصح شهادة النساء في النكاح؛ لأن الضلال الذي يحصل في شهادة المرأة جُبر بمضاعفة العدد، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» [البخاري: 304].

4 -

أن يكونا (مُكَلَّفَيْنِ) أي: بالغين عاقلين؛ لأن الصبي والمجنون ليسا من أهل الشهادة، ولا يوثق بخبرهما.

5 -

أن يكونا (عَدْلَيْنِ)؛ لقول ابن عباس السابق، (وَلَوْ) كانا عدلين (ظَاهِراً)، فينعقد النكاح بشهادة مستوري الحال؛ لأن النكاح يكون في القرى والبادية، وبين عامة الناس، فاعتبار العدالة في الباطن يشق، فاكتفي بظاهر الحال.

وعنه: لا تشترط العدالة، فتصح بشهادة الفاسقين؛ لأنها تَحَمُّلٌ، فصحت من الفاسق، كسائر التحمُّلات.

6 -

أن يكونا (سَمِيعَيْنِ)؛ لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به.

واختار ابن عثيمين: صحة شهادة الأصم إذا كُتِب له وشَهد على الكتابة؛ لأن وصول العلم يكون بالبصر كما يكون بالسمع، وقد قال تعالى:{إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [الزخرف: 86]، فإذا وصل العلم إلى الشاهد كفى.

7 -

أن يكونا (نَاطِقَيْنِ)؛ لأن النطق شرط، والأبكم لا يتمكن من أداء الشهادة، فوجوده كعدمه.

ص: 38

واختار ابن عثيمين: تصح شهادة الأخرس إذا كان يُمكن أن يُعبر عما شَهد به بكتابة، أو بإشارة معلومة؛ لأن المقصود أداء الشهادة أداءً صحيحاً، ولو عن طريق الكتابة.

- مسألة: (وَالكَفَاءَةُ) لغة: المماثلة والمساواة، وهي هنا معتبرة في خمسة أمور:

1 -

الدين: وهو أداء الفرائض واجتناب النواهي، فلا يكون الفاسق ولا الفاجر كفئًا لعفيفة؛ لأنه مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته، فلا يكون كفئًا لعدل، يؤيده قوله تعالى:{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} [السجدة: 18].

2 -

النسب، فلا يكون العجمي كفئًا للعربية؛ لقول عمر رضي الله عنه:«لَأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مِنَ الْأَكْفَاءِ» [ابن أبي شيبة: 17702، وفيه ضعف]، ولأن العرب يعتدُّون الكفاءة في النسب، ويأنفون من نكاح الموالي، ويرون ذلك نقصًا وعارًا.

3 -

الحرية؛ فلا يكون العبد ولا المبعَّض كفئًا لحرة، ولو كانت عتيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خَيَّر بَرِيرَةَ حين عَتَقَتْ تحت عبد [البخاري: 2536، ومسلم: 1504]، وإذا ثبت الخيار في الاستدامة ففي الابتداء أولى، ولأنه منقوص بالرق، ممنوع من التصرف في كسبه، غير مالك له.

ص: 39

4 -

الصناعة، فلا يكون صاحب صناعة دنيئة؛ كالحجام، والزبال، كفئًا لبنت من هو صاحب صناعة جليلة؛ كالتاجر، وصاحب العقار، ونحو ذلك؛ لأن ذلك نَقْصٌ في عُرف الناس، فأشبه نقص النسب، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العَرَبُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ أَكْفَاءٌ إلَّا حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا» [ابن عدي في الكامل 6/ 172، وكذبه أبو حاتم]، قيل لأحمد: كيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه.

5 -

اليسار بمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة، فلا يكون المعسر كفئًا لموسرة؛ لأن على الموسرة ضررًا في إعسار زوجها؛ لإخلاله بنفقتها، ومؤنة أولاده، ولأن ذلك نَقْصًا في عُرف الناس، يتفاضلون فيه كتفاضلهم في النسب.

واختار ابن قدامة: أن الكفاءة في الدين والنسب فقط، دون الباقي.

واختار شيخ الإسلام: عدم اعتبار النسب في الكفاءة والصناعة واليسار والحرية وغير ذلك، وقال:(وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم نص صحيح صريح في هذه الأمور)؛ لقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات: 13]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن أبا هند حَجَم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يَا بَنِي بَيَاضَةَ، أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَانْكِحُوا إِلَيْهِ» [أبو داود: 2102، وصححه الألباني]، ولعدم الدليل على اعتبار النسب في الكفاءة.

ص: 40

- فرع: الكفاءة ليست شرطًا لصحة النكاح، فيصح النكاح مع فقدها؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، فَنَكَحَهَا بِأَمْرِهِ» [مسلم: 1480]، وفاطمة قرشية، وأسامة مولًى، ولما روت عائشة رضي الله عنها:«أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ» [البخاري: 4000].

وإنما الكفاءة (شَرْطٌ لِلُزُومِهِ) أي: النكاح، (فَـ):

1 -

(يَحْرُمُ تَزْوِيجُهَا) أي: المرأة (بِغَيْرِهِ) أي: بغير الكفء (إِلَّا بِرِضَاهَا)، فلو زُوِّجت بغير كفء دون رضاها فلها الفسخ؛ لأن الكفاءة شرط للزومها.

2 -

أنه يثبت حق الفسخ لمن لم يرض من سائر الأولياء عند فوات الكفاءة؛ لأن العار عليهم أجمعين.

واختار ابن عثيمين: أن الكفاءة ليست شرطًا للصحة ولا للزوم، فليس لأحد الحق في فسخ النكاح ما دام النكاح صحيحًا؛ لأنه إذا صح العقد بمقتضى دليل شرعي، فلا يفسخ إلا بدليل شرعي.

واستثنى مسألتين:

1 -

إذا كان الخلل من حيث العفاف، فإذا كان الزوج زانيًا، ولم يتب، أو كانت الزوجة زانية، ولم تتب؛ فإنه لا يصح النكاح، ويأتي.

ص: 41