الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- مسألة: (وَلَا يَضُرُّ الإِنْشَاءُ فِيهِ) أي: في الإقرار؛ كأن قال: له عليَّ ألف إن شاء الله، أو قال: لك عليَّ ألف إن شئت، أو قال: له عليَّ ألف لا يلزمني إلا أن يشاء زيد، بل هو إقرار صحيح؛ لأنه قد وُجد منه، وعقَّبه بما يرفعه، فلم يرتفع الحكم به.
فصل فيما إذا وصل بإقراره ما يغيِّره
- مسألة: (وَ) إذا قال مكلف مختار: (لَهُ) أي: لفلان (عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي، أَوْ) قال: له علي ألف (مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَنَحْوِهِ)، كما لو قال: له عليه ألف من ثمن مبيع فاسد لم أقبضه؛ فإنه (يَلْزَمُهُ) أي: المقِرَّ (أَلْفٌ) في جميع تلك الصور؛ لأن ما ذكره بعد قوله: (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ)، رفعٌ لجميع ما أقر به، فلا يقبل؛ كاستثناء الكل.
- فرع: (وَ) إن قال: (لَه) عليَّ ألفٌ، (أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) و (قَضَيْتُهُ) إياه، (أَوْ) قال:(بَرِئْتُ مِنْهُ) أو: أبرأني منه؛ فلا يخلو ذلك من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: ألا يذكر المقِرُّ سببًا للحق؛ بأن لم يقل: له علي كذا من ثمن مبيع، أو قرض:(فَـ) ـالقول (قَوْلُهُ) أي: المقِرِّ بيمينه، واختاره ابن
عثيمين؛ لأنه دَفَع ما أثبته بدعوى القضاء متصلًا، وهذا لا يتناقض، فقد يكون له عليه ألف وقضاه.
وعنه، واختاره أبو الخطاب: يكون مقِرًّا؛ لأن قوله: (كَانَ لَهُ عَلَيَّ) يقتضي وجوب المقَرِّ به عليه، بدليل ما لو سكت عليه، ويكون مدَّعيًا للقضاء؛ لأن قوله:(قَضَيْتُهُ) دعوى لذلك؛ فلا يقبل إلا ببينة.
(وَ) الحالة الثانية: أن يثبت الحق ببينة، وأشار إليه بقوله:(إِنْ ثَبَتَ) ما أقرَّ به (بِبَيِّنَةٍ)؛ فيعمل بالبينة.
والحالة الثالثة: أن يذكر المقِرُّ سببًا للحق، وأشار إليه بقوله:(أَوْ عَزَاهُ) أي: (لِسَبَبٍ)، بأن يقول المقِرُّ: له عليه ألف من ثمن مبيع، أو قرض، أو قيمة متلف، ونحوه، (فَلَا) يقبل قوله إلا ببينة؛ لأنه مُقِرٌّ، مدعٍ للقضاء أو الإبراء، فيطالب بالبيان.
- فرع: (وَإِنِ) ادعى رجل على آخر أنه اشترى منه شيئًا، أو اقترض منه، فـ (ـأَنْكَرَ) المدَّعى عليه (سَبَبَ الحَقِّ) الموجِب للحقِّ، ثم ثبت أنه اقترض أو اشترى منه ببينة أو إقرار، (ثُمَّ ادَّعَى) المدَّعى عليه (الدَّفْعَ) أو الإبراء، فلا يخلو من حالين:
1 -
أن يكون ادعاء القضاء أو الإبراء سابقًا زمن إنكاره: فلا يقبل منه ولو أتى (بِبَيِّنَةٍ)؛ لأن إنكار الحق يقتضي نفي القضاء أو الإبراء منه؛ لأنهما
لا يكونان إلا عن حق سابق؛ فيكون مكذبًا لنفسه.
فلو ادعى عليه ألفًا من قرض أو ثمن مبيع، فقال: ما اقترضت منه، أو ما اشتريت منه، فثبت أنه اقترض منه أو اشترى ببينة أو إقرار، فقال: قضيته، أو أبرأني قبل هذا الوقت؛ (لَمْ يُقْبَلْ) ذلك منه.
2 -
أن يكون ادعاء القضاء أو الإبراء بعد إنكاره: فإنها تسمع منه دعواه بعد ذلك، وتُقبل منه ببينته؛ لأن قضاءه بعد إنكاره كالإقرار به؛ فيكون قاضيًا لما هو مُقِرٌّ به؛ فتسمع دعواه به كغير المنكر، وإبراء المدعي بعد إنكاره إقرار بعدم استحقاقه، فلا تنافي.
- مسألة: (وَمَنْ) باع رجلًا شيئًا و (أَقَرَّ بِقَبْضِ) ثمن المبيع، أو أجَره وأقر بقبض الأجرة، (أَوْ) رهنه شيئًا وأقرَّ بـ (إِقْبَاضِ) المرهون، (أَوْ) أقر في (هِبَةٍ) أنه أقبضه إياها، (وَنَحْوِهِنَّ) من المسائل؛ كمن اشترى شيئًا وأقر المشتري بأن البائع أقبضه المبيع، (ثُمَّ أَنْكَرَ) المقِرُّ، فقال: ما قبضت الثمن أو الأجرة، أو قال المقِرُّ: ما أقبضت الرهن أو الهبة، (وَلَمْ يَجْحَدْ إِقْرَارَهُ) الصادر منه بالقبض أو الإقباض، (وَلَا بَيِّنَةَ) له تشهد بذلك، (وَسَأَلَ إِحْلَافَ خَصْمِهِ) أنه أقبضه أو قبضه؛ (لَزِمَهُ) أي: لزم الخصمَ اليمينُ، واختاره شيخ الإسلام، ؛ لأن العادة جارية بالإقرار بالقبض قبله، فيحتمل صحة ما قاله،
فينبغي أن يستحلف خصمه؛ لنفي الاحتمال، فإن نكل الخصم حلف هو وحُكِم له.
- مسألة: (وَمَنْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ) شيئًا، (أَوْ أَعْتَقَ) عبدًا أو أمةً، (ثُمَّ أَقَرَّ بِذَلِكَ) الذي باعه أو وهبه أو أعتقه أنه كان (لِغَيْرِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) قوله على المشتري، أو المتهب، أو العتيق؛ لأنه يقِرُّ على غيره، ولأنه متهم، ولم ينفسخ البيع أو الهبة أو العتق، ما لم يوجد ما يوجب ذلك، (وَيَغْرَمُهُ) أي: يغرم المقِرُّ (لِمُقَرٍّ لَهُ)؛ لأنه فوته عليه بالبيع أو الهبة أو العتق.
- مسألة: (وَإِنْ قَالَ) البائع، أو الواهب، أو المعتِق:(لَمْ يَكُنِ) المبيع ونحوه (مِلْكِي، ثُمَّ مَلَكْتُهُ بَعْدَ) البيع أو الهبة أو العتق؛ فلا يخلو من حالين:
1 -
ألا يكون له بينة على ذلك: فلا يقبل قوله؛ لأنه خلاف الأصل والظاهر.
2 -
أن يكون له بينة، وأشار إليه بقوله:(قُبِلَ) قوله (بِبَيِّنَةٍ)؛ لإمكان أن يكون حين البيع ليس ملكًا له، ثم يملكه بعد ذلك، (مَا لَمْ يُكَذِّبْهَا) أي: ما لم يكذب البائعُ ونحوُه البينةَ، (بِنَحْوِ) أن يقِرَّ بأنه مِلكه، أو أن يقول:(قَبَضْتُ ثَمَنَ مِلْكِي)؛ لأنها تشهد بخلاف ما أقر به، فهو مُكذِّب لها.
وذكر شيخ الإسلام: فيما إذا ادعى بعد البيع أنه كان وقفًا عليه؛ فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن.
- مسألة: رجوع المقِرِّ عن إقراره لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك في حقوق الآدميين، وأشار إليه بقوله:(وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ) عن إقرار، قال في المغني:(لا نعلم في هذا خلافًا)؛ لتعلق حق المقَرِّ له بالمقَرِّ به.
الحالة الثانية: أن يكون ذلك في حقوق الله، ولا تخلو من أمرين:
1 -
أن يكون في الحدود: فيقبل رجوعه عن إقراره فيها، وأشار إليه بقوله:(إِلَّا فِي حَدٍّ لِلهِ)؛ كزنىً وسرقة وشرب مسكر؛ لأن الحد يُدرأ بالشبهة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه ماعز، فشهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه سلم فقال:«أَبِهِ جُنُونٌ؟ » [البخاري: 5271، ومسلم: 1695]، فلو لم يسقط بالرجوع، لما عرَّض له به، وتقدم في موضعه في الحدود.
2 -
أن يكون في غير الحدود؛ كالزكاة والكفارات ونحوها: فلا يقبل رجوعه عن إقراره، قال في المغني:(لا نعلم في هذا خلافًا)؛ لأنه حقٌّ ثبت لغيره، فلم يسقط بغير رضاه، كما لو ثبت ببينة.