الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الحُدُودِ)
وهي جمع حد، وهو لغة: المنع، وحدود الله محارمه.
واصطلاحًا: عقوبة مقدرة شرعًا في معصية، لتمنع الوقوع في مثلها.
- مسألة: (لَا تَجِبُ) الحدود (إِلَّا عَلَى):
1 -
(مُكَلَّفٍ)؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» [أحمد 24694، وأبو داود 4403، والنسائي 3432، وابن ماجه 2041]، والحد أولى بالسقوط من العبادة؛ لعدم التكليف؛ لأنه يدرأ بالشبهة.
2 -
(مُلْتَزِمٍ) أحكام المسلمين، من مسلم وذمي؛ لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} ، بخلاف حربي ومستأمن، فإنه يؤاخذ بحد لآدمي، كحد قذف، وسرقة، لا بحد لله تعالى كزنى.
3 -
(عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ)؛ لما ورد عن ابن المسيب: أن عاملًا لعمر كتب إلى عمر رضي الله عنه، أن رجلًا اعترف عبده بالزنا، فكتب إليه أن يسأله: «هَلْ كَانَ
يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَأَقِمْ عَلَيْهِ حَدَّ اللهِ، وَإِنْ قَالَ: لَا، فَأَعْلِمْهُ أَنَّهُ حَرَامٌ، فَإِنْ عَادَ فَاحْدُدْهُ» [عبد الرزاق: 13642]، وبه قال عثمان وعلي رضي الله عنهما [عبد الرزاق 13644، 13648].
فلا حد على من جهله؛ كمن جهل تحريم الزنى، أو عينَ المرأة، كمن زُفَّت إليه غير امرأته، فوطئها ظنًّا أنها امرأته؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادْرَؤُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [الترمذي: 1424، وهو ضعيف]، وصح ذلك عن عمر [عبد الرزاق: 13641]، وابن مسعود رضي الله عنهما [البيهقي: 17064].
- مسألة: (وَ) يجب (عَلَى إِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ إِقَامَتُهَا) أي: الحدود، سواء كان الحد لله تعالى؛ كحد زنى، أو لآدمي؛ كحد قذف؛ لأنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب.
- فرع: لا يجوز لغير الإمام أو نائبه أن يقيم الحدود؛ لأنه يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه إلى نائب الله تعالى في خلقه، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام فيه مقامه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» [البخاري: 2314، ومسلم: 1697].
واختار شيخ الإسلام: أن الإمام إذا عجز عن إقامة الحدود؛ كما لو
طلبه الإمام ليقتله فلم يدركه، أو يكون الإمام تاركًا لها؛ فإنه يجوز إقامتها من غير الإمام؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بشرطين:
1 -
أن يكون قادرًا عليه.
2 -
ألا يترتب على استيفاء الحدود من غير الإمام مفسدة أو فتنة تزيد على إضاعتها.
- فرع: يستثنى من ذلك: السيّد، فله إقامة الحد على عبده بشروط:
1 -
أن يكون السيد حرًّا مكلفًا عالمًا بإقامة الحدِّ، يجوز له أن يقيمه على رقيقه بشروط الحد، ولو كان السيِّدُ فاسقاً أو امرأةً.
2 -
أن يكون الحد بجلدٍ؛ كحدِّ زنًى وحد شرب مسكر وحد القذف، وإقامةِ تعزيرٍ في حق الله تعالى، وفي حق السيد؛ لأنه يملك تأديب رقيقه وضربه على الذنب.
فلا يملك القتل في الردة، والقطع في السرقة؛ لأنه إنما ثبت في الجلد، فلا يثبت في غيره، ولأن القتل والقطع في السرقة إنما هو للإمام.
وعنه، ومال إليه شيخ الإسلام (1): للسيد إقامة جميع الحدود حتى ما فيه إتلاف؛ كقتل المرتد وقطع السارق؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا أعمى
(1) ينظر: الصارم المسلول ص 285.
كانت له جارية تشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلها، فلم يطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم بينة على سبه بل صَدَّقه، وقال:«أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» [أبو داود: 4361، والنسائي 4070]، وعن نافع:«أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ يَدَ غُلَامٍ لَهُ سَرَقَ ، وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُمَا» [عبد الرزاق: 18979].
وقال شيخ الإسلام: (إن عصى الرقيق علانية؛ أقام السيد عليه الحد، وإن عصى سرًّا، فينبغي أن لا يجب عليه إقامته، بل يخير بين ستره واستتابته بحسب المصلحة في ذلك).
3 -
أن يكون العبد مختصًّا بالسيد، فلا يقيم الحد على عبد مشترك، ولا على مبعض؛ لأنه ليس له ولاية على كله.
وألا تكون الأمة مزوَّجةً؛ لأن منفعتها مملوكة لغيره ملكًا غير مقيد بوقت، أشبهت المشتركة.
4 -
أن يثبت مُوجِب الحد عند السيد بإقرار أو بينة أو بعلمه.
ويدل على ما سبق: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» [البخاري: 2234، ومسلم: 1703]، ولحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» [أحمد: 736، وأبو داود: 4473].
- مسألة: (وَيُضْرَبُ رَجُلٌ) في الحد:
1 -
حال كون المضروب (قَائِماً)؛ لقول علي رضي الله عنه: «تُضْرَبُ المَرْأَةُ جَالِسَةً، وَالرَّجُلُ قَائِمًا فِي الحَدِّ» [عبد الرزاق: 13532، وضعفه ابن حجر]، وليُعْطى كلُّ عضو حظَّه من الضرب.
2 -
أن يُضرب (بِسَوْطٍ) حجمه فوق القضيب ودون العصا، (لَا خَلَقٍ) بفتح اللام، وهو البالي؛ لأنه لا يؤلم، (وَلَا جَدِيدٍ)؛ لئلا يجرح، فعن زيد بن أسلم مرسلًا: أن رجلًا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فأتي بسوط مكسور، فقال:«فَوْقَ هَذَا» ، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال:«دُونَ هَذَا» ، فأُتِيَ بسوط قد رُكِب به ولَانَ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فَجُلِد [مالك 2/ 825]، وعن حنظلة السدوسي، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان يؤمر بالسوط، فتقطع ثمرته، ثم يدق بين حجرين حتى يلين، ثم يضرب به، فقلت لأنس: في زمان من كان هذا؟ قال: «فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ» [ابن أبي شيبة: 28683].
3 -
لا يجرد من ثيابه؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: «لَا يَحِلُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ التَّجْرِيدُ، وَلَا مَدٌّ، وَلَا غَلٌّ، وَلَا صَفْدٌ» [عبد الرزاق: 13522]، (وَيَكُونُ عَلَيْهِ) أي: على المجلود (قَمِيصٌ وَقَمِيصَانِ)؛ صيانةً له عن التجريد، مع أن ذلك لا يَرُدُّ ألم الضرب، ولا يضر بقاؤهما عليه، وينزع عنه فرو وجبة محشوة؛
لأنه لو ترك عليه ذلك لم يُبالِ بالضرب.
4 -
(وَلَا يُبْدِي ضَارِبٌ إِبْطَهُ) في رفع يد للضرب؛ لأن ذلك مبالغة في الضرب.
5 -
(وَيُسَنُّ تَفْرِيقُهُ) أي: تفريق الضرب (عَلَى الأَعْضَاءِ) أي: أعضاء المحدود؛ ليأخذ منه كل عضو حظه، وتوالي الضرب على عضو واحد يؤدي إلى قتله، وهو مأمور بعدمه، ويكثر منه في مواضع اللحم؛ كالأليتين والفخذين؛ لأنها أشد تحملًا.
6 -
(وَيَجِبُ) في الضرب (اتِّقَاءُ وَجْهٍ، وَ) اتقاء (رَأْسٍ، وَ) اتقاء (فَرْجٍ، وَ) اتقاء (مَقْتَلٍ)؛ كفؤاد وخصيتين؛ لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «اضْرِبْ، وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاجْتَنِبْ وَجْهَهُ وَمَذَاكِيرَهُ» [عبد الرزاق: 13517]، ولئلا يؤدي ضربه في شيء من هذه المواضع إلى قتله وإذهاب منفعته، والقصد أدبه فقط.
- فرع: (وَامْرَأَةٌ) فيما تقدم (كَرَجُلٍ، لَكِنْ) تفارقه في أمور:
الأول: أنها (تُضْرَبُ جَالِسَةً)؛ لقول علي رضي الله عنه السابق: «تُضْرَبُ المَرْأَةُ جَالِسَةً، وَالرَّجُلُ قَائِمًا فِي الحَدِّ» ، ولأن المرأة عورة وهذا أستر لها.