الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه: (إنما أنا رحمة مُهداة)(1) .. فهل هناك أجمل من الرحمة .. ومن الهدية .. لقد كان بين أضلاعه قلب كالنسيم البارد خلال القيظ والهجير .. كان قلبه مطرًا لذيذًا على شفتي صحراء تتلمظ عطشًا.
ذات يوم وبينما كان صلى الله عليه وسلم يخطب أصحابه على منبره .. إذا به يذهل عن خطبته وعن الناس من حوله .. بل وعن نفسه.
الرحمة تذهله صلى الله عليه وسلم
عبد الله بن عمر بن الخطاب رأى وسمع ما حدث .. يقول رضي الله عنه:
(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس، فخرج الحسن بن علي رضي الله عنه في عنقه خرقة يجرّها، فعثر فيها، فسقط على وجهه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر يريده، فلما رآه الناس أخذوا الصبي فأتوه به، فحمله فقال:
قاتل الله الشيطان، إن الولد فتنة، والله ما علمت أني نزلت عن المنبر حتى أوتيت به) (2)، ولم تكن الرحمة للحسن وحده .. كانت هناك طفلة
(1) حديث صحيح، صحيح الجامع الصغير (1/ 463).
(2)
سنده قوي، رواه الطبراني (3/ 35)(حدثنا عبد الله بن علي الجارودي، حدثنا أحمد بن حفص، حدثني أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن زيد بن أبي العتاب، عن عبيد بن جريج عن ابن عمر .. وعبيد وزيد تابعيان ثقتان من رجال التقريب، وعباد بن إسحاق صدوق وأسمه عبد الرحمن انظر التهذيب (6/ 137) وإبراهيم ثقة من رجال الشيخين - التقريب (1/ 36) وأحمدُ ووالده صدوقان من رجال البخاري انظر: التقريب (1/ 13 - 186) وشيخ الطبراني حافظ من أئمة الأثر أثنى عليه الحاكم والناس انظر: البلغة لفضيلة الشيخ حماد الأنصاري حفظه الله (194).
تنافسه .. وردة اسمها "أمامة" بنت ابنته زينب رضي الله عنها .. كانت أمامة ملء سمعه وبصره .. حتى أنه كان يأخذها معه إلى المسجد وهو يريد الصلاة بصحابته رضي الله عنهم .. يقول أحدهم وهو "أبو قتادة":
(خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلّى، فإذا ركع وضع، وإذا رفع رأسه رفعها)(1)، (فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها)(2) .. يفعل ذلك أثناء صلاته بالمؤمنين.
ولم تكن تلك الرحمة والملاطفة منه صلى الله عليه وسلم لأولاده فقط، بل كان يشمل بها أبناء المسلمين .. ها هو يزور دار أحد الأنصار .. دار الربيع بن سراقة الخزرجي، فيجد طفلًا صغيرًا اسمه محمود .. فيبدأ صلى الله عليه وسلم بملاطفته وملاعبته .. تناول صلى الله عليه وسلم دلوًا .. ثم ملأ فمه الطاهر بالماء ثم اقترب من الصغير فطشّ الماء في وجهه .. حركة تثير الضحك والركض والاختباء البريء لدى الأطفال .. حركة تجلب السعادة .. ما زال محمود يذكرها ويذكر الناس بها، وهو يقول:
(عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجّة مجّها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين)(3)(مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من دلو في دارنا)(4).
قد يفعل الرجل هذا مع أبنائه وبناته .. فهل يفعل حاكم أو عالم أو وجيه مع أطفال غيره .. ماذا سيقول الناس عن ذلك .. ماذا سيقول الجهل عن ذلك .. لكن محمدًا صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع ذلك الطفل (من بئر في دارهم)(5).
(1) حديث صحيح رواه البخاري (5996).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (516).
(3)
حديث صحيح رواه البخاري (77).
(4)
حديث صحيح رواه البخاري (6422) ومسلمٌ.
(5)
حديث صحيح رواه البخاري (1185). حديث صحيح رواه البخاري (مشكاة المصابيح -3/ 1617).