الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا عائشة أحبيه فإني أحبه) (1) ولا يكتفي صلى الله عليه وسلم بمطالبة عائشة رضي الله عنها بأن تحبه .. بل إنه صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه أن يحبه.
يحدّثنا أسامة عن أحضانه صلى الله عليه وسلم .. عن قبلاته ودعواته له وهو طفل .. فيقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن ابن علي على فخذه الآخر، ثم يضمّهما، ثم يقول:
اللهمّ ارحمهما فإني أرحمهما) (2)(اللهمّ أحبّهما فإني أحبهما)(3) .. كان ذلك الطفل الأسمر عنبرًا في ثياب النبي صلى الله عليه وسلم .. إليك ما فعله صلى الله عليه وسلم بأسامة بعد أن رأى الدم ينبع من جبهته السمراء الطاهرة ..
ماذا فعل لعينيه البريئتين وهما تفيضان بالدمع .. بل
ماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم بأسامة لو كان فتاةً
عائشة تجيب عن ذلك كلّه بقصة تأخذ بنياط القلب .. ذات يوم اشتاق أسامة إلى جدّه محمَّد صلى الله عليه وسلم .. فتهادى إليه في بيت عائشة رضي الله عنها .. وعندما همت قدمه الصغيرة بالدخول (عثر أسامة بعتبة الباب، فشجّ وجهه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أميطي عنه الأذى، فتقذرته. فجعل صلى الله عليه وسلم يمصّ عنه الدم، ويمجه عن وجهه ثم قال:
لو كان أسامة جارية لحليته وكسوته حتى أنفقه) (4). تعلمت عائشة الصغيرة الكثير من هذا المشهد .. وتشربت حب هذا الطفل البريء ..
(1) حديثٌ حسنٌ صحيحٌ الترمذيُّ (4098) وابن حبان (15/ 534).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (6003).
(3)
حديث صحيح رواه البخاري (3735).
(4)
حديثٌ حسنٌ انظر سلسلة الأحاديث للإمام الألباني (2019).
أمّا والده زيد بن محمَّد .. فقد حلاه والده صلى الله عليه وسلم بشي أنفس .. لقد زوّجه النبى صلى الله عليه وسلم من ابنة عمّته أميمة بنت عبد المطلب واسمها: زينب بنت جحش .. فكان الزواج دليلًا على حبّ صلى الله عليه وسلم لزيد .. وعلى تحطيمه صلى الله عليه وسلم لقيود الجاهلية التي كانت تعيق وتشوّه تناغم المجتمع الإِسلامي ومساواته وتآخيه .. فزيد في نظر المشركين لا يزال عبدًا .. لكنه عند المسلمين ابن محمَّد صلى الله عليه وسلم .. وهو في نظر الوثنيين لا يستحق الزواج بزينب .. لا يستحق الزواج إلَّا بأمةٍ .. لكنه عند المؤمنين: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو في عين النبى صلى الله عليه وسلم أمير من أمراء الإِسلام -وإن طعن من طعن في إمارته- قال صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يتحدث عن أسامة بن زيد: (كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده)(1).
هذا هو زيد في عالم الإِسلام وميزانه .. أمّا أولئك الذين يرفضون ميزان الإِسلام ويصرّون على التطاول بأنسابهم فقد بشّرهم صلى الله عليه وسلم باحتقار شنيع لا يطيقونه .. قال صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا -إنما هم فحم جهنم- أو ليكونّن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو: مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من التراب)(2) ولئن كان التراب أصلًا للجميع .. ولئن جعل الإِسلام زيدًا ابنًا لمحمد صلى الله عليه وسلم .. فقد توهج الإِسلام حتى امحت فيه الفوارق .. كل الفوارق .. فكانت هذه القصة .. التي امحى فيها كل شيء بين النبى صلى الله عليه وسلم وأحد الشباب الفقراء الذين لا يملكون مالًا ولا نسبًا .. ذاب كل شيء بين النبي صلى الله عليه وسلم وهذا
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4469).
(2)
حديث صحيح انظر: صحيح الترمذى (3/ 254).