الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عفان .. وآلمه ..
رقية مريضة
هاجرت من مكة .. خاضت البحر فألقاها في الحبشة .. وخاضته مرةً ثانية فتهادى بها حتى وضعها بين يدي والدها العطوف الحنون .. وما كادت تتنشق هواء الحرية والأمن حتى أطاح بها المرض فهي طريحة الفراش والوجع في ذلك الشهر الكريم .. رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويطمئن عليها ويوصى زوجها الحزين بملازمتها .. رقية بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والأمة أمانة .. والرسالة أمانة .. هموم تتداعى إلى قلبه صلى الله عليه وسلم تتكتل أمام عينيه ولا بد لها من حلول .. رقية مريضة .. وأهل الصفة جائعون .. والمهاجرون قد سُلبوا أموالهم وبيوتهم لينجوا بأنفسهم وإيمانهم من سياط الشرك وأهله .. وهناك فرصة تلوح في الأفق لاسترجاع شيء مما سلبه الطواغيت منهم .. ترى هل يبقى صلى الله عليه وسلم قرب ابنته الحبيبة .. أم سيركب إلى تلك الفرصة .. هكذا كانت ليالي رمضان الأولى في المدينة .. لكن كيف كانت ليالي رمضان في مكة .. سندع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقرر ولنتسلل إلى مكة لنرى:
كيف كان ليل رمضان في مكة
إذا كانت أنسام الليل تحمل أنين رقية ودموعها .. فإن أنسام مكة تحترق بزفرات نساء ورجال مستضعفين .. يمنعهم الضعف من البوح بتوحيدهم ودينهم وحبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم .. أسرارهم كالجمر في صدورهم .. يرعبهم ليل مكة .. ويؤرقهم العيش بين الأصنام والشرك والمشركين الذي كان ليلهم خليطًا من الخمر والغطيط ..
أنسام مكة تحترق بزفرات أخت رقية المريضة .. أختها الكبرى زينب
التي تتحرق شوقًا إلى أبيها .. إلى أخواتها الحبيبات .. فاطمة ورقية وأم كلثوم .. إنها لا تعلم شيئًا عنهم .. لا تدري هل ستلتقى بهم يومًا من الأيام أم لا .. ونبي الله صلى الله عليه وسلم يشتاق إليها ويحبها ويثني عليها ويتمنى قربها وقدومها .. إنها أكبر بناته وقد عانت وعانت الكثير في سبيل الله .. إنها ابنة نبي لكنها زوجة رجل لا يزال على شركه .. رجل صادق ووفي اسمه: أبو العاص بن الربيع وهو شغوف بها ويحبها .. لكن شركه يخنق ليلها وأنفاسها .. فتاة مستضعفة مبتلاة .. وهموم تزدحم في صدر والدها عليها وعلى أختها وعلى كل مستضعف ومستضعفة .. هذا هو ليل زينب الحزينة .. وهذا هو ليل مكة المخيف الذي كان يحمل الفزع إلى إحدى البيوت .. إلى إحدى النساء التي كانت غارقة في نومها حتى انتشلها الفزع وانتشلها فارس الأحلام ..
فارس الأحلام أتاها .. لا ليحملها بين ذراعيه .. بل ليدك بيوت قومها .. فارس الأحلام هذا مخيف ومرعب .. يقفز في الهواء .. فوق الكعبة والجبال .. يحرك الصخور .. يصيح بأهلها .. صوته مخيف .. يتوعد بالموت والشظايا.
تلك المرأة المفزوعة لم تكن بعيدة من زينب بنت نبي الله صلى الله عليه وسلم .. إنها من أقرب الناس إليها
…
وتعيش بالقرب منها .. امرأة من صلب قريش .. إنها ابنة عبد المطلب .. وعمة رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمها: عاتكة بنت عبد المطلب .. فهل يا ترى ستكون رؤياها كرؤيا والدها الذي غاص في الأعماق وحفر زمزم .. أم أن فارس القمم الذي رأته في منامها سيدمدم ما تبقى لقريشٍ من آبار تنضح بالشرك ..
تلك الرؤيا حولت مكة إلى غبار وضجيج ونزاع وتشاتم .. سنخيم