المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سرية الرجيع لكن ما علاقة بني لحيان. بمن هلك من طواغيت - السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة - جـ ٢

[محمد الصوياني]

فهرس الكتاب

- ‌اليهود

- ‌ما هي قصة صيام يوم عاشوراء

- ‌يهودي ينتقد المسلمين

- ‌كيف ينادي إلى الصلاة

- ‌رجلٌ من حلم وأذان من وحي

- ‌فرحة لامرأة من الأنصار

- ‌المدينة حريقًا ومذابح

- ‌فماذا توقع أبو بكر

- ‌حراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌السلاح صباحًا .. السلاح مساءً

- ‌نشاط عسكري

- ‌غزوة العُشَيرة

- ‌غزوة الأبواء

- ‌سرية نخلة

- ‌فما هو هذا الخبر

- ‌أهل الصفة

- ‌ماذا حدث يا فضالة

- ‌ملابسكم يا أهل الصفة

- ‌صيام شهر رمضان

- ‌ما هو الصيام

- ‌أحكام جديدة في الصيام

- ‌رقية مريضة

- ‌كيف كان ليل رمضان في مكة

- ‌رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب

- ‌الخروج وأسبابه

- ‌المشورة قبل الانطلاق

- ‌سرية في الانطلاق

- ‌كيف علمت قريش بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بدر

- ‌أين محمد

- ‌ كيف علم صلى الله عليه وسلم بخروج قريش

- ‌كيف عرف صلى الله عليه وسلم عدد قريش

- ‌عدد الصحابة

- ‌المشورة الثانية

- ‌وجاءت البشرى من الله

- ‌16/ 9/ 2 ه

- ‌مصارع القوم

- ‌المطر .. المطر

- ‌ الصلاة جامعة

- ‌بشرى ومنام

- ‌فعل السبب .. وجعل النتائج على الله

- ‌لماذا يرفض صلى الله عليه وسلم مشاركة حذيفة ووالده

- ‌الصوف الأبيض شعارًا للمسلمين

- ‌النعاس وشيء آخر

- ‌أين رسول الله وأين الملائكة

- ‌عبد الرحمن ابن عوف يتمنى مكانًا آخر

- ‌هل أسلم أبو جهل

- ‌(قم يا حمزة .. وقم يا علي .. وقم يا عبيدة)

- ‌شاهت الوجوه

- ‌علي خائف من الموت

- ‌قصة أمية وعبد الرحمن بن عوف

- ‌أشجع رجلٍ في بدر

- ‌ أين أبو جهل

- ‌ماذا فعل ابن مسعود بأبي جهل

- ‌ثمانية عشر شهيدًا

- ‌قضية الغنائم

- ‌إحراق الغنائم

- ‌قضية الأسرى

- ‌رأيًا لأبي بكر ورأيًا لعمر

- ‌إعدام طاغوت

- ‌بقية الأسري في نعيم

- ‌عفراء حزينة تنوح

- ‌ماذا قالت سودة

- ‌المعجزة

- ‌إطلاق الأسرى دون مقابل

- ‌ماذا عن بقية الأسرى

- ‌الخدمة الاجتماعية بدلًا من الحبس

- ‌كعب بن الأشرف

- ‌وثيقة مكتوبة بين النبي والمسلمين واليهود

- ‌أعلن يهود النضير وقريظة الحرب

- ‌قصة إجلاء بني النضير

- ‌أبو بكر وعمر وعلي يريدون فاطمة

- ‌هل وقع شجار بين حمزة وعلي

- ‌ألا يا حمزة للشرف النواء

- ‌مولد النفاق

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالانتفاع بالخمر

- ‌أبو طلحة ومهر أم سليم الغالي

- ‌جبير بن مطعم والهموم

- ‌حمزة بابًا للحرية

- ‌رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌دعاهم ليستشيرهم

- ‌البنات والمعركة

- ‌والد جابر يشرب خمرًا قبل المعركة

- ‌إنهما من الأوائل

- ‌{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

- ‌المرابطون

- ‌بين عينين وأُحد

- ‌البداية دعاء

- ‌بشائر النصر

- ‌هل من مبارز

- ‌ضيفان على المعركة

- ‌ضيف ثالث على المعركة

- ‌ماذا فعل الرماة

- ‌المعركة بأيدي المشركين

- ‌صرخة تقتل حسيلًا

- ‌استشهاد حمزة

- ‌إن محمدًا قد قتل

- ‌استشهد مصعب

- ‌حنظلة بن أبي عامر وأبو سفيان بن الحارث

- ‌شهادة هو اختارها

- ‌رسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء

- ‌أول من عرفه صلى الله عليه وسلم

- ‌الرسول يستسقي دماءً

- ‌الشهيد الذي يمشي على الأرض

- ‌النعاس من جديد

- ‌هذا الفارس من أهل النار

- ‌أوجب طلحة

- ‌النبي يبشّر الشهداء

- ‌الصلاة على الشهداء

- ‌ما سر حفاوة الله بوالد جابر

- ‌أبو سفيان وجيشه نادمون

- ‌غزوة حمراء الأسد

- ‌شبح على أرض أُحُد

- ‌تحريم النياحة على الميت

- ‌أحب الأسماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌إلى أين تتجه الهموم بجابر

- ‌على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جابر يتعلم أدبًا

- ‌جاءت المعجزة

- ‌من أخذ مال سعد بن الربيع

- ‌ما هي عقبى أم سلمة

- ‌رؤيا أم الفضل

- ‌فاطمة تلد حربًا

- ‌عقيقة الحسن

- ‌أم الفضل تضرب الحسن

- ‌تتمادى البراءة فيتمادى الحب

- ‌الرحمة تذهله صلى الله عليه وسلم

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم والإماء والمعاقين

- ‌قصة أولها رحمة وآخرها جحيم

- ‌اغتيال خالد بن سفيان

- ‌سرايا لمرثد بن أبي مرثد

- ‌حرم الله الزنا

- ‌عامر بن الطفيل يهدد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌سرية الرجيع

- ‌ماذا حدث لأم سليم رضي الله عنها

- ‌غزوة بني لحيان

- ‌أم سليم تلد طفلًا

- ‌أم سلمة تلد بنتًا

- ‌تغيير اسم برة بنت أبي سلمة

- ‌ذات الرقاع

- ‌أعرابي يحاول قتل النبي صلى الله عليه وسلم بسيفه

- ‌صلاة الخوف

- ‌صفة ثانية لصلاة الخوف

- ‌جابر وجمله الهزيل

- ‌المرأة والرجل

- ‌زريبة للنساء

- ‌زيد بن محمد ليس زيد بن محمد

- ‌ماذا كان يفعل صلى الله عليه وسلم بأسامة لو كان فتاةً

- ‌شاب اسمه جليبيب

- ‌معركة جليبيب

- ‌تطلق زوجها لأنها لا تحبه

- ‌كيف فتحت توراتهم بيوت الدعارة

الفصل: ‌ ‌سرية الرجيع لكن ما علاقة بني لحيان. بمن هلك من طواغيت

‌سرية الرجيع

لكن ما علاقة بني لحيان. بمن هلك من طواغيت قريش على أرض بدر؟ .. أحد الصحابة يجيب ويسرد علينا قصة عاصم قائد هذه السرية وأصحابه، فيقول:

(بعث النبي صلى الله عليه وسلم "عشرة رهط" عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت -وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب- فانطلقوا حتى كانوا "بالهدأة" بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلًا نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب. فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما "رآهم" عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد (1)، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق، إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلًا. فقال عاصم "أمير السرية":

أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهمّ أخبر عنا نبيّك. فقاتلوهم حتى قتل عاصمًا في سبعة نفر بالنبل (2). وبقي خبيب وزيد ورجل آخر فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها.

فقال الرجل الثالث الذي معهما رضي الله عنه: هذا أول الغدر.

فأبي أن يصحبهم، فجرّوه وعالجوه على أن يصحبهم، فلم يفعل، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب وزيد .. حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل - وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر.

(1) الرابية المرتفعة.

(2)

أي قتلوا سبعة من الصحابة أحدهم عاصم رضي الله عنهم جميعًا.

ص: 295

فمكث "خبيب" عندهم أسيرًا، حتى إذا أجمعوا قتله (1)، استعار موسي من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها (2)، فأعارته. قالت: فغفلت عن صبي لي، فدرج إليه (3) حتى أتاه فوضعه في فخذه. فلما رأيته فزعت فزعةً عرف ذلك مني وفي يده الموسي. فقال:

أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى.

وكانت تقول: ما رأيت أسيرًا قطّ خيرًا من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف (4) عنب وما بمكة يومئذ ثمرة - وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله "خبيبًا".

فخرجوا به من الحرم (5) ليقتلوه "في الحل"، فقال رضي الله عنه: دعوني أصلى ركعتين "ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين" ثم انصرف إليهم، فقال:

لولا أن "تظنوا" أن ما بي جزع من الموت لزدت "لطوّلتها"، فكان أوّل من سن الركعتين عند القتل هو. ثم قال:

اللهمّ أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا.

ثم أنشأ يقول:

فلست أبالي حين أقتل مسلمًا

على أي شقّ كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع

(1) قرروا قتله ثأرًا لقتله والدهم الحارث.

(2)

طلب موسي ليحلق بعض شعره.

(3)

مشى الطفل حتى دخل على خبيب والموسى بيده.

(4)

القطف هو العنقود ساعة قطفه.

(5)

كان المشركون يحترمون منطقة الحرم لذلك خرجوا به إلى منطقة الحل.

ص: 296

ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله) (1)، لكن عقبة بن الحارث ينكر ذلك ويقول لمن حوله:

(والله ما أنا قتلت خبيبًا؛ لأنا كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة أخا بني عبد الدار أخذ الحربة فجعلها في يدي، ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله)(2).

ويكمل الصحابي حديثه .. فيقول:

(وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيمًا من عظمائهم يوم بدرٍ، فبعث الله عليه مثل الظلّة من الدبر (3)، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا "على أن يقطعوا من لحمه شيئًا") (4) .. فكانت كرامة من الله لعاصم رضي الله عنه .. حيث حمى الله جسده الطاهر بسحابة من الزنابير أو ذكور النحل ..

وهكذا سافر خبيب وعاصم وزيد ورفاقهم شهداءً إلى ربهم .. لكنها بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأحياء مصيبة أخرى بعد أُحُد .. خيانة قام بها بعض بني لحيان كلفت المؤمنين الكثير .. خيانة خسيسة ليست من طباع العرب الكريمة .. تأثر منها المومنون واستفادت منها قريش .. وحزّت في أنفس الشرفاء من العرب .. خاصة أولئك الذين كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم

(1) حديث صحيح رواه البخاري (4086) والزيادات عنده أيضًا.

(2)

سنده صحيح رواه إسحاق (سيرة ابن كثير-3/ 131) حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير، عن أبيه عباد، عن عقبة بن الحارث قال: سمعته يقول .. أي أن عباد سمعه من عقبة وعباد تابعي ثقة من رجال الشيخين (التقربب-1/ 392) وابنه يحيى ثقة وهو تابعي صغير (التقريب-2/ 350).

(3)

أي سحابة من الزنابير أو ذكور النحل.

(4)

هو بقية حديث البخاري السابق.

ص: 297

عهد وهم بنو عامر .. لذلك جاءت مجموعة منهم بقيادة رجل اسمه: عامر ابن مالك .. أبو البراء ويلقب بـ "ملاعب الأسنة" .. قدم ملاعب الأسنة من أجل تلطيف الأجواء .. حاملًا معه هدية للرسول صلى الله عليه وسلم .. لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حالة حزن على أصحابه .. فعرض الإِسلام على ملاعب الأسنة ودعاه إلى الدخول في دين الله .. فرفض .. فرفض صلى الله عليه وسلم هديته لأنه مشرك .. فحاول ملاعب الأسنة أن يخفّف عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما في صدره من حزن على أصحابه .. فعرض عليه أن يرسل بعض الصحابة لنشر الإِسلام في نجد وتعهّد بحمايتهم والدفاع عنهم .. حتى يطمئن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يصيبهم ما أصاب خبيبا وأصحابه .. ومما دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموافقة أن رجالًا من أحياء: رعل وذكوان وعصية كانوا قد قدموا مع "ملاعب الأسنة" وتظاهروا بالإِسلام وادّعوا أنهم بحاجة إلى مجموعة من الصحابة تعلّمهم القرآن والتوحيد .. بل وتعينهم على أعدائهم ..

فاستجاب صلى الله عليه وسلم واثقًا بعهد ملاعب الأسنة .. ومصدّقًا أولئك الذين أظهروا الإِسلام، وبعث معهم شَبابًا من الأنصار .. ها هو أحدهم يودع أخته أم سليم .. إنه خال أنس بن مالك واسمه: حرام ..

وهؤلاء الشباب الذين معه صفوة من تلاميذ محمَّد صلى الله عليه وسلم .. شباب لا تعرف كيف تصفهم .. هل هم عباد .. أم تجار .. أم علماء .. ؟ أم عمّال .. إنهم الإِسلام في صورة شباب ..

يقول كعب بن مالك: (جاء ملاعب الأسنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهدية، فعرض عليه الإِسلام، فأبي أن يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني لا أقبل هدية مشرك. قال: فابعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جارٍ، فبعث إليهم)(1)

(1) سنده قوي رواه الطبراني (19/ 70 - 71 - 81) عن يونس ومعمر والأوزاعي وعن =

ص: 298

شبابًا (كنّا ندعوهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: القرّاء .. فذكر أنس سبعين رجلًا من الأنصار، كانوا إذا أجنّهم الليل آووا إلى معلم بالمدينة، فيبيتون يدرسون، فإذا أصبحوا فمن كان عنده قوّة أصاب من الحطب، واستعذب من العذب (1)، ومن كانت عنده سعة أصابوا الشاة فأصلحوها، فكان معلقًا بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصيب خبيب) (2) (جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم "رعل وذكوان وعصية وبنو لحيان" فقالوا:

أن ابعث معنا رجالًا يعلّمونا القرآن والسنّة، فبعث "إلى ناس من المشركين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد" سبعين رجلًا من الأنصار، يقال لهم:

القرّاء -فيهم خالي حرام- يقرأون القرآن،

ويتدارسون بالليل يتعلّمون،

وكانوا بالنهار يجيؤون بالماء فيضعونه في المسجد،

ويحتطبون فيبيعونه،

ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء،

فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم "حتى كانوا ببئر معونة") (3) (فأتوا على حي من بني سليم فقال حرام لأميرهم: دعني فلأخبر هؤلاء أنّا ليس إياهم

= الزهريّ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب رضي الله عنه .. وهذا السند صحيح وقد مر معنا ..

(1)

أي الماء العذب.

(2)

حديث صحيح رواه البخاري ومسلمٌ في مواضع عديدة والطبرانيُّ (1/ 323) والبيهقيُّ (3/ 349) واللفظ له.

(3)

حديث صحيح رواه مسلم (677 - وبين 1902 - 1903).

ص: 299

نريد فيخلون وجوهنا) (1)(وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل)(2)(فاستجاش عامر بن الطفيل بني عامر، فأبوا أن يطيعوه، وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة، فاستجاش عليهم بني سليم، فأطاعوه)(3) (فانطلق حرام أخو أم سليم ورجلان معه: رجل أعرج، ورجل من بني فلان. قال:

كونا قريبًا مني حتى آتيهم، فإن أمنوني كنتم كذا، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم.

فأتاهم حرام فقال: أتؤمنوني أبلغكم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: نعم. فجعل يحدّثهم، وأمأوا إلى رجل فأتاه من خلفه، فطعنه، فأنفذه بالرمح "فلما وجد حرام مسّ الرمح في جوفه قال: الله أكبر .. فزت وربّ الكعبة") (4)، ولما سال دمه من جرحه اغترفه بيديه ثم (فقال بالدم هكذا: فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: فزت ورب الكعبة) (5) (فانطووا عليهم فما بقى منهم مخبرٌ "فلحق الرجل، فقتلوا كلهم إلَّا الأعرج كان في رأس الجبل") (6) (قتلوهم وغدروا بهم) (7) (قبل أن يبلغوا المكان. فقالوا رضي الله عنهم:

اللهمّ بلّغ نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا) (8)، فأنزل الله

(1) هو حديث البيهقي السابق وهو صحيح.

(2)

حديث صحيح رواه البخاري (4091).

(3)

حديث صحيح وهو حديث الطبراني السابق.

(4)

حديث صحيح رواه البخاري (4091 - 4092) والبيهقيُّ (3/ 345) واللفظ له.

(5)

حديث صحيح رواه البخاري (4092).

(6)

حديث صحيح وهو حديث الطبراني السابق والزيادة للبخاري (4091).

(7)

حديث صحيح رواه البخاري (4090).

(8)

حديث صحيح رواه مسلم (677).

ص: 300

قرآنًا يتلى في هؤلاء الشباب الأطهار الأبرار .. فقال تعالى: (إنا قد لقينا

ربنا فرضي عنا وأرضانا) (1).

نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم فحزن حزنًا لم يحزن مثله أبدًا .. وخيّم الوجوم على المدينة .. على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. وأحرق الدمع والحزن أجواف الأمّهات والآباء والأبناء .. وبكى أهل الصفة أرحم الناس بحالهم .. بكى أهل الصفة أحبابهم الذين طالما كدحوا وشقوا ليخفّفوا مما بهم .. ليمنحوهم بعض السعادة .. هذا قد منحوه ثوبًا .. وهذا اشتروا له طعامًا .. وذاك أعطوه فراشًا .. ورابع قلّموا له غطاءً .. وخامس قدموا له حذاءً .. لك أن تتصوّر حجم الفراغ الذي يتركه سبعون بمثل هذا الجمال والحب والسخاء.

أهل المدينة يتذكرونهم عندما يرون تلك القرب التي كانوا يملأونها بالماء لهم على باب المسجد .. فكم من عطشان فقد تلك السحابة. أمّا النبي صلى الله عليه وسلم فتوجّه والحزن في عينيه وقلبه إلى أصحابه. فقال: (إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا:

اللهمّ بلّغ عنّا نبينا أن قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا) (2).

لقد بلغ به الهمّ والحزن أن فعل شيئًا لم يكن قد فعله من قبل .. كيف لا وهو قد فجع بخبيب وعاصم ومن معهما .. ثم فجع بسبعين من خيرة الشباب الذين سافروا من أجل نشر دين ربهم ورسالة نبيّهم ولا ذنب لهم سوى ذلك .. لقد دعا صلى الله عليه وسلم على أولئك المشركين الأنذال شهرًا كاملًا في صلواته كلّها .. يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) هذه الآية منسوخة وهي في البخاري (4091).

(2)

حديث صحيح رواه مسلم (677).

ص: 301

شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو على أحياء من بني سليم: على رعل، وذكوان، وعصية "وبني لحيان" ويؤمِّن من خلفه) (1)، ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه:(وذلك بدء القنوت وما كنّا نقنت)(2).

واستجاب الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم .. فأصيب الطاغية عامر بن الطفيل .. أصيب بمرض عضال وصفه صلى الله عليه وسلم بقوله: (غدة كغدة البعير (3)، وسماه صلى الله عليه وسلم بـ "الطاعون" .. وهو وصف دقيق للطاعون الدبلي الذي يتميز (بارتفاع درجة الحرارة وتضخم العقد الليمفية في منطقة الإرب وتحت الإبط وكذا تضخم الطحال)(4)، وهو ما أصيب به عامر بن الطفيل حتى أصبح حبيسًا في بيت امرأة من قومه .. أصيب عامر بالطاعون وتلاشت أحلامه بالتملّك على أهل المدن في الجزيرة العربية .. أو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم .. أما تلك الجيوش التي هدّد النبي صلى الله عليه وسلم بها، فقد تحوّلت إلى آلام تحبسه في بيت امرأة قد ولّى عنه الناس ونفروا منه خشية العدوى ففقد صوابه .. وصرخ بمن بقي

(1) سنده جيد رواه أحمد (1/ 301) وأبو داود (1443) من طريق عبد الله بن معاوية وعبد الصمد وعفان، حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس وثابت ثقة ثبت (التقريب-1/ 118) وشيخه ثقة تغير ولعله وهم في ذكره لصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والذي عند البخاري من رواية أنس وهو الذي روى القصة وعاصرها وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلوات لم يذكر سوى الفجر .. و"بني لحيان" عند البخاري.

(2)

حديث صحيح رواه البخاري (4088).

(3)

سنده صحيح رواه الإمام أحمد (6/ 145) من طرق أخبرنا جعفر بن كيسان حدثتنا معاذة بنت عبد الله قالت دخلت على عائشة رضي الله عنها .. ومعاذة تابعة ثقة -التقريب (2/ 614) وجعفر ثقة انظر ذيل الكاشف (62).

(4)

انظر تعليق فضيلة الدكتور: قلعجي على الدلائل (3/ 346).

ص: 302