الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفوف المؤمنين بعض المنافقين الذين لم يجرؤوا على الفرار .. إنهم الآن يرتجفون وهم يرون هذا الجيش القليل العدد والعدّة .. ويزيد من ارتجافهم وغيظهم هذا النعاس الذي يحرق الأعصاب .. كأني بالمنافقين ولسان حالهم يقول: انهضوا أيها .. من نومكم أما ترون الموت يملأ المكان ..
لقد كان النعاس أمنًا للمؤمنين وخوفًا ورعبًا للمنافقين .. وفي ذروة الخوف والأمن .. وخلال ذلك الصمت المخيم يشقّ الساحة صوت ينطلق من معسكر الأصنام بالتحدي .. فارس جاهلي شجاع اسمه سباع بن عبد العزى يصرخ ويقول:
هل من مبارز
من سيبارز هذا الشجاع .. دعونا نطرح هذا السؤال على رجل يهمّه جدًا ما حدث .. وشاهد -جيدًا- ما حدث .. إنه وحشي الذي جاء من أجل مهمة واحدة .. هي طعن حمزة فقط .. يقول وحشي:
(خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال:
يا سباع .. يا ابن أم أنمار مقطعة البظور .. أتحادّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ثم شدّ عليه فكان كأمس الذاهب) (1)، لفظ جميل يعبّر عن سهولة هلاك الشجعان على يد حمزة .. سقط ذلك الفارس وارتفع سيف حمزة يطلب المزيد .. وارتفعت معنويات المؤمنين وزاد حماسهم .. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
= (6/ 349) وأبو يعلى (3/ 14) من طرق عن الثقة المعروف حماد بن سلمة عن التابعيّ الثقة ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه .. وثابت سمع من أنس.
(1)
حديث صحيح رواه البخاري (4072).
أن يؤجج ذلك الحماس فصرخ بجموع المؤمنين رافعًا سيفًا: (من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان فيهم يقول: أنا .. أنا
…
فقال صلى الله عليه وسلم: من يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال له سماك "أبو دجانة": أنا آخذه بحقه. فأخذه ففلق به هام المشركين) (1) الذين أذهلتهم هذه المعنويات .. لقد أفنى حمزة مبادرتهم .. ومزّق أبو دجانة من أمامه منهم .. والتحم الجيشان فبان الفرق بين جيش همجى غاشم .. وبن جيش متحضر له هدف وتخطيط وأسلوب رفيع في التنفيذ .. جاء أحد الصحابة يبحث عن سبق .. بعد أن تفوّق حمزة وأبو دجانة فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: في الجنّة، فألقى تمرات في يده ثم قاتل)(2).
وبدأ الرماة بنشر مظلتهم الجوية .. ففوجئ المشركون بجيش يحصدهم على الأرض ويمطرهم من السماء .. فالرماة يؤدّون مهمّتهم بإتقان .. وسهامهم زخات من الموت .. زخات من القبور .. فرّقت جموع الوثنيين .. فصاروا يهربون في كل اتّجاه .. ولم تكن السهام تنطلق من قمة أحد فقط .. كان بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهر راميَيْن .. سعد بن أبي وقاص كان الأمهر .. شاهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما يحدث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبن سعد .. وسمعه ورواه فقال: (ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلَّا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أُحد: "يا سعد ارم فداك أبي وأمي")(3)، ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:(جع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد أبويه كلاهما)(4) .. لقد (نثل لي
(1) حديث صحيح رواه مسلم فضائل الصحابة (2470) وابن أبي شيبة بسند صحيح.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4046).
(3)
حديث صحيح رواه البخاري (4059).
(4)
حديث صحيح رواه البخاري (4057).
النبي صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أُحد فقال: ارم فداك أبي وأمي) (1) .. كان سعد يمتع ناظري رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بل ويضحكه .. يقول رضي الله عنه: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارم فداك أبي وأمي، فترعت له بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جنبه، فسقط فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه) (2) ولم يكتف سعد بالرماية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لقد كان فارسًا يفتك بمن أمامه .. لقد استجاب الله له فلقي كما تمني:(رجلًا شديدًا حرده أقاتله ويقاتلني ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه)(3) .. لكن ماذا عن عبد الله بن جحش هل استجاب الله لدعائه؟ ليس بعد .. فهو مازال يجالد بسيفه ويجتثّ من يواجه من المشركين .. لم ننس رامي النبى صلى الله عليه وسلم الآخر .. إنه أبو طلحة (كان راميًا شديد النزع كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمرّ معه الجعبة من النبل، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: انثرها لأبي طلحة، ثم يشرف إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله بأبي أنت وأمى، لا تشرف .. ألا يصيبك سهم، نحري دون نحرك)(4).
ماهت الأرواح بالأرواح في جلاد يزهق الأرواح .. نبي قائد يفدي جنوده بأمّه وأبيه .. وجنود يفدون نبيّهم بأمّهاتهم وآبائهم وأرواحهم .. كانت الصدور درعًا دونه صلى الله عليه وسلم .. حتى الملائكة كانت درعًا دونه صلى الله عليه وسلم .. يقول سعد بن أبي وقاص: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان
(1) حديث صحيح رواه البخاري (4055).
(2)
حديث صحيح مر معنا قبل قليل.
(3)
حديث صحيح رواه البخاري (3811).
(4)
حديث صحيح رواه مسلم (2412).