الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا (فادى النبي صلى الله عليه وسلم بأسارى بدر، فكان فداء كل واحد منهم أربعة آلاف)(1) أي أربعة آلاف درهم ..
إعدام طاغوت
فقبل أن يطلبوا من أسراهم الفداء أمر صلى الله عليه وسلم بإخراج أحد المجرمين من بين الأسرى .. واسم هذا المجرم: عقبة بن أبي معيط .. أمر صلى الله عليه وسلم بإخراج عقبة هذا فهو لن يقبل منه فداءً ولا مالًا .. لأنه لا يقل شراسة وإجرامًا عن أبي جهل .. عقبة كان فرعونًا آخر لهذه الأمة .. إنه مجرم .. لقد عزم يومًا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ليس في الطريق .. وليس في بيته ولا في الصحراء .. لقد قرر عقبة أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو آمن مع ربه في بيته الحرام الذي يلقى فيه الرجل قاتل أبيه فلا يتعرض له .. لكن عقبة كان كتلة من الحقد والكفر والإجرام .. سأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له: (حدثني بأشر شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقبل عقبة بن أبي معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذه بمنكبيه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) (2).
(1) رواه عبد الرزاق (5/ 206) عن معمر بن قتادة قال: وأخبرني عثمان الجزرى عن مقسم عن ابن عباس قال: وفي هذا السند إرسال قتادة لكن معمر رواه من طريق آخر وهي متصلة وفيها ضعف من أجل عثمان الجزري ففيه ضعف. انظر الجرح والتعديل. وللحديث شاهد -في مقدار الفدية- سيمر معنا بعد قليل عند الحديث عن فداء أحد المشركين واسمه
…
وداعة.
(2)
حديث صحيح. رواه البخاري والبيهقيُّ من الطريق نفسه (2/ 274).
وفشلت محاولة عقبة .. أفشلها أسد من أسود الإِسلام .. أحبطها أبو بكر رضي الله عنه .. فانسحب عقبة وهو يضمر شرًا .. فلما خرجت قريش إلى بدر أشرًا وبطرًا خرج عقبة معها لينفس عن أحقاده وشروره .. لعله يحظى برأس محمَّد وصاحبه أبي بكر معًا .. لكنه فشل من جديد .. وها هو علي بن أبي طالب يجتره من بين الأسرى وهو يرتعد خوفًا من الموت فيحاول أن يدفع الموت عنه بكلمة يستدر بها رحمةً .. أي رحمة؟ .. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتله بكلمة قبل أن يقول السيف كلمته .. حدث ذلك عندما (قام علي بن أبي طالب فقتله صبرًا .. قال:
من للصبية يا محمَّد؟ قال صلى الله عليه وسلم: النار) (1) عقبة يذكر الصبية لكنه لا يذكر الله ولا الإِسلام وكأن سبب هذه المعركة ثأر قديم أو خلاف في وجهات النظر بين أفراد قبيلة واحدة .. ومع ذلك فيمكن لعقبة أن ينجو من الموت .. وأن ينجو من النار لو أنه اختار الله ورسوله .. لكنه وهو على شفير الموت يرفض ذلك .. لو تشهد لنجا من سيف علي .. لكنه يرفض أن يكون عبدًا لله وحده ويرضى بأن يكون عبدًا لحجر ملقى على ظهر الكعبة هو صنعه بيديه .. بل حاول قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحجر .. فكان لعقبة ما اختار من لهيب السيف والنار .. وقذف عقبة مع أصحابه في تلك القليب النتنة المحشوة عفنًا وكفرًا وجحيمًا .. قذف عقبة باختياره .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يكره أن يسلم عقبة والأسرى جميعًا .. لقد نفذ أمر ربه الذي يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)} (2) ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا فلم يكره أن يسلم عقبة ابن أبي معيط .. لم
(1) هو أخر حديث عبد الرزاق السابق (5/ 206).
(2)
سورة الأنفال: الآية 70.