الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشركين من عبدة الأوثان أتباع الوثني المسمى بـ (عبد الله بن أُبي بن سلول) .. لقد اختفى ذلك اليهودي الشرير و (لما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا فقتل، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في أشعاره وينهاهم به، ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة كتابًا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبن المسلمين عامة صحيفة كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت العذق الذي كان في دار ابنة الحارث)(1).
إذًا فقد تحول العهد والميثاق الشفهي إلى:
وثيقة مكتوبة بين النبي والمسلمين واليهود
وها هو أحد الصحابة يحدثنا بتفاصيل أدق لتلك العملية فيقول: (مشى معهم رسول الله إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله .. اللَّهم أعنهم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وهو في ليلة مقمرة، فانطلقوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: أنت امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، قال لها كعب لو دعي الفتى لطعنة أجاب، فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه، ثم قالوا: هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم.
(1) جزء من حديث أبى داود والبيهقيُّ. السابق وهو صحيح.
فخرجوا، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال: ما رأيت كالليلة طيبًا أعطر قط. ثم مشى ساعةً ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودي رأسه ثم قال:
اضربوا عدو الله. فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئًا، قال محمَّد بن مسلمة: فذكرت مغولًا في سيفي فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار، فوضعته في ثنته، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح في رجله أو في رأسه أصابه بعض سيوفنا، فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه، فجئنا به رسول صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود بوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهودي إلا وهو خائف على نفسه) (1) بعد أن رأوا مصير هذا المتآمر .. لا سيما وهو أحد زعماء يهود بني النضير وساداتهم ..
وملأ الخوف نفوس مشركي المدينة أمثال عبد الله بن أبي بن سلول وغيره .. اهتزت حصون اليهود وأوثان المشركين فعقدوا اجتماعًا خائفًا وقصيرًا .. فيدُ الموت أصبحت طويلة تمتد نحو كل خائن .. حتى ولو كان زعيمًا ككعب بن الأشرف فماذا حدث بعد ذلك الاجتماع .. (فزعت
(1) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق (سيرة ابن كثير) وروى البيهقي أوله (3/ 200) من طريق ابن إسحاق: حدثني ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس .. وقد صرح ابن إسحاق بالسماع من شيخه
…
وشيخه ثقة من رجال الشيخين. التقريب (120، 1) وعكرمة تابعى وإمام معروف.
اليهود ومن كان معهم من المشركين، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا فقتل، فذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في أشعاره وينهاهم به، ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه وبينهم وبن المسلمين عامة صحيفة كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت العذق الذي كان في دار ابنة الحارث) (1).
وتحول بذلك العهد والميثاق الشفهى إلى وثيقة مكتوبة تحد من خيانة هؤلاء اليهود ومن يتعاون معهم من المشركين أمثال عبد الله بن أُبي بن سلول وغيره من عباد الأوثان .. لقد أفحم رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم كعب بن الأشرف وأتباعه من يهود بني النضير وأذنابهم من المشركين حينما هرولوا يحتجون على اغتيال ذلك الخائن .. لقد أسمعهم صلى الله عليه وسلم قصائده التي تنخر في عظام المدينة كلها .. وكانت تلك القصائد تحرض على انفجار حرب أهلية تلون جدران المدينة بالموت والدماء .. تلك القصائد كانت تحرض قريشًا على التحالف مع اليهود ضد هذه الدولة الفتية .. ولا أعرف سببًا واحدًا يجعل كعبًا وغيره يقدمون على إثارة الفتن والدماء .. لقد عاملهم صلى الله عليه وسلم بكل لطف واحترام .. وجاء من أجل إنقاذهم من الكفر والشرك .. كان صلى الله عليه وسلم حليمًا حكيمًا في التصرف معهم رغم إساءاتم المتكررة له ولدينه ولأصحابه .. لقد سكت اليهود، عندما سمعوا تلك القصائد وكان في سكوتهم إدانة لهم .. لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشملهم بالعقاب إنما دعاهم إلى كتابة وثيقة عهد وصلح بينهم يأمن بعضهم شر بعض على أساسها .. ويُلزم كل طرف بعدم التعاون مع أطراف خارجية ضد أحد أطراف تلك الوثيقة ولو بالشعر فالشعر آنذاك هو الإعلام .. وافق بنو النضير على
(1) حديث صحيح مر معنا وقد رواه أبو داود والبيهقيُّ (3/ 198).