الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لقد رأيتنا ليلة بدر وما منا أحد إلا وهو نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي إلى شجرة ويدعو حتى أصبح)(1) .. عمل ودعاء .. هذا هو منهج نبي الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو توكله على الله .. وبعد الدعاء بدأ العمل من جديد .. فالصحابة قليلون ولا بد من خطة محكمة وتطبيق صارم كالسيف .. فالخطأ يكلف كثيرًا وعدم تنفيذ الأوامر كارثة .. فالمعركة تحتاج إلى كل الجهود .. تحتاج للجميع دون استثناء .. وفي أمسّ الحاجة تلك .. وفي أحرج الظروف وأصعبها يصل صحابي ووالده للمشاركة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يرفض صلى الله عليه وسلم مشاركتهما رغم صدقهما وإخلاصهما وتحملهما المشاق في السير نحوه .. ذلك الصحابي هو حذيفة بن اليمان.
لماذا يرفض صلى الله عليه وسلم مشاركة حذيفة ووالده
سؤال بحجم المعركة .. والاجابة بحجم محمَّد صلى الله عليه وسلم .. ليس هناك أزمة ثقة بحذيفة .. بل إن حذيفة فوق الشبهات .. كيف لا وقد سلمه الرسول صلى الله عليه وسلم يومًا قائمة سرية بالأسماء والأحداث التي سيفصح عنها التاريخ .. ؟ سلمها صلى الله عليه وسلم لأمانة حذيفة وأعماقه ..
الأمر هنا لا يتعلق بالثقة .. الأمر يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقادة الإسلاميين والدعاة من بعده ..
= إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي
…
: وهذا السند حسن
…
شيخ أبي يعلى ثقة (التقريب 1/ 51) وشيخه حسن الحديث إذا لم يخالف وهو من رجال الشيخين (التهذيب 2/ 245) ويوسف هو حفيد أبي إسحاق وهو ثقة من رجال الشيخين (التقريب 2/ 379) وبقية السند صحيح وقد مر معنا. وللحديث شاهد وهو ما بعده.
(1)
حديث صحيح مر معنا.
حذيفة مر من هناك .. هناك حيث صادفه المشركون هو ووالده حسيل .. سألنا حذيفة عن أمر يستطيع إخبارنا به .. إنه ليس سرًا .. ما الذي منعك يا حذيفة من المشاركة في غزوة بدر .. فيجيب حذيفة رضي الله عنه قائلًا:
(ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أنني خرجت أنا وأبي حسيل، فأخذنا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرف إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر، فقال:
انصرفا .. نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم) (1) إنها إجابة بحجم محمَّد صلى الله عليه وسلم .. والتزام أعيى من يهتبلون ثمارًا ناضجة وغير ناضجة .. أعيى زعماء ودعاة ذوي نظرة آنية لا يرون إلا ما في رؤوسهم .. (نفي لهم بعهدهم)(2) وهم المشركون الذين يعبدون الأصنام ويحاربون الله ورسوله وقد خرجوا لطمس التوحيد وسفك دماء الموحدين .. خرجوا لذبح نبي الإِسلام وتدمير دولته ومع ذلك (نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم)(3) .. وإذا كان هذا هو حجم الاحترام للعلاقة - العهد مع الأعداء .. فكم هو حجمه بين المسلم وأخيه .. سؤال عرف الإجابة عليه حذيفة ووالده فانصرفا ..
(1) إسناده حسن .. رواه ابن أبي شيبة (7/ 363): حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن جميع، حدثنا أبو الطفيل، حدثنا حذيفة بن اليمان
…
وهذا الإسناد حسن من أجل الوليد بن جميع وهو تابعي حسن الحديث ومن رجال مسلم (التقريب 2/ 333) وتلميذه هنا هو الثقة المثبت شيخ ابن أبي شيبة: حماد بن أسامة (التهذيب 3/ 2) وعامر بن واثلة صحابيّ صغير رضي الله عنه وهو آخر من مات من الصحابة.
(2)
حديث صحيح وهو الحديث السابق.
(3)
حديث صحيح وهو الحديث السابق.
ودع النبي صلى الله عليه وسلم صاحبيه فانصرفا وهما ثقيلان لا يطيقان ذلك الوداع. تَوَجَّها والحزن إلى المدينة .. وتوجه صلى الله عليه وسلم إلى صحابته بعد هذا الدرس الذي تغلغل في أعماقهم وسرى في دمائهم .. وعاد صلى الله عليه وسلم إلى العمل من جديد .. فجعل صلى الله عليه وسلم لجيشه رايةً ولواءً .. والراية هي علم الجيش .. واللواء أصغر منها و (كانت رايته صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض)(1) .. ورايته (كانت سوداء مربعة من نمرة (2)) (3).
وتحت هذه الراية نظم صلى الله عليه وسلم أصحابه صفوفًا أو صفًا .. لأن الله يحب ذلك {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (4) .. متماسك وقوي ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى خللًا في الصف سارع إلى تقويمه .. يحدثنا أبو أيوب الأنصاري عن ذلك فيقول:
(صففنا يوم بدر فندرت منا نادرة أمام الصف، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: معي .. معي)(5) .. وجعل جزءًا منهم خلف الصفوف وفي أماكن مناسبة تمكنهم من مراقبة تحركات الأعداء .. وتقديم المعلومات
(1) حديثٌ حسنٌ. صحيح ابن ماجة (2/ 133).
(2)
بردة من صوف.
(3)
حديث صحيح. صحيح أبى داود (2/ 491) عدا قوله: مربعة.
(4)
سورة الصف.
(5)
سنده قوى. رواه أحمد (5/ 420) من طريق موسى بن داود وعبد الله بن المبارك حدثنا .. وأخبرنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبى حبيب أن أسلم أبا عمران التجيبي حدثه أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول:
…
وهذا السند قد خلا من علة اختلاط ابن لهيعة لأن أحد تلميذيه هو ابن المبارك .. وشيخه يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة فقيه من رجال الشيخين (التقريب 2/ 363) وقد سمع من التابعي المصري الثقة أسلم بن يزيد التجيبي (التقريب 1/ 64).