الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذراعي حبيبته إلى ذراعي المعركة .. وأخذ سيفه وانطلق خلف حبيبه صلى الله عليه وسلم في معركة أحب أن أسميها):
معركة جليبيب
معركة انتصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. وحاز فيها جليبيب على أشياء ثمينة .. غبطه كل من حوله وهو يحملها في سفره ذلك .. غَبطه كل من حوله وهو بين ذراعي النبي صلى الله عليه وسلم .. ليت شعري ما الذي أوصل جليبيبًا إلى هذا الحب النبوي الجارف .. دعونا نتمشى بقلوبنا بين غنائم جليبيب في تلك المعركة .. يرينا إياها أبو برزة ويصفها فيقول:
("ثم فزع أهل المدينة فركب جليبيب" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له، فلما أفاء الله عليه، قال لأصحابه:
هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانًا .. ونفقد فلانًا.
قال صلى الله عليه وسلم: انظروا هل تفقدون من أحد؟ قالوا: لا. قال صلى الله عليه وسلم: لكني أفقد جليبيبًا؟ فاطلبوه في القتلى. فطلبوه، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه. فقالوا: يا رسول الله .. ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه، فقال: قتل سبعة وقتلوه!
هذا مني وأنا منه.
هذا مني وأنا منه (1).
ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفر له .. ما له سرير إلَّا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعه في قبره) (2)، أمام أعين الصحابة
(1) قال الراوى: مرتين أو ثلاثًا.
(2)
سنده صحيح رواه أحمد (4/ 421 - 422 - 425): حدثنا عفان، حدثنا حماد بن =
ودموعهم .. السواعد نعش لجليبيب .. والكلمات أكفان كالغمام: هذا مني وأنا منه .. لكني أفقد جليبيبًا ..
ما أسما هذا النبي وأعظمه .. ما أرقّ مشاعره .. يخطب باسم هذا الفقير الذي يموت في المعركة بعد أن فتك بسبعة .. ومع ذلك لا يأبه له أحد .. لا يذكر إذا ذكر الشهداء .. ولا يفقد إذا فقد الأبطال .. لكن أحضان النبي صلى الله عليه وسلم وتجاويف قلبه تفتقده .. لأنه مسلم .. مهما كان نسبه .. مهما كان لونه .. حتى لو ارتحل عن هذه الدنيا دون أن يترك جاهًا أو مالًا ..
هل يضر جليبيبًا ذلك .. هل يضرّه أن لا يفتقده أحد إذا افتقده محمَّد صلى الله عليه وسلم .. وحمله محمَّد صلى الله عليه وسلم .. وجعل ساعديه له نعشًا وسريرًا .. وتوجع بكنز تمنّاه كل من حوله عندما قال: هذا مني وأنا منه .. هذا مني وأنا منه .. أما فتاته التي أحبّته لأن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يحبّانه .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاره لها .. فقد بلغها الخبر والحزن .. وبلغ المدينة كلّها ما حدث لجليبيب فأصابها الحزن .. وافتقد بعض البيوت تلك الملاحة والظرف والضحكات التي يثيرها رحمه الله بدعاباته ..
ذهب رضي الله عنه وترك لزوجته مجدًا لا يبارى .. وجعلها ملء السمع والبصر في المدينة .. حتى قال أنس بن مالك رضي الله عنه بعد أن انتهت فترة حدادها على زوجها:
= سلمة، عن ثابت عن كنانة بن نعيم عن أبي برزة وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلم .. وعفان وثابت من رجال الشيخين. وكنانة تابعي ثقة من رجال مسلم (التقريب- 2/ 137): وحماد إمام معروف وثقة مشهور. من رجال مسلم.
(فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت في المدينة)(1)، أي أن خطابها كثروا بعد جليبيب حتى صار بيت أهلها من أوائل البيوت التي يتهافت إليه الخطاب .. هذا ما جرى لجليبيب رضي الله عنه ..
لكن ماذا عن زيد بن محمَّد .. فلنعد إلى زيد الذي تزوّج بذات النسب الرفيع زينب بنت جحش رضي الله عنها .. ها هو بيت زيد وزينب .. دخلناه فوجدنا الوجوم يخيّم عليه بعد فترة من الزمن .. القلوب في هذا المنزل الكريم على غير ما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لم يكن هناك توافق بين زيد وزينب .. وسبحان مقلّب القلوب والأبصار .. ولا أدري أيّهما الذي كان مباعدًا للآخر بشعوره .. هل هو زيد أم زينب .. أم هما جميعًا .. لم يتحمل زيد ما يحدث في صدره وصدر زوجته .. فحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم و (جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
اتق الله وأمسك عليك زوجك) (2)، قال النبي صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات والألم يسافر به .. والحرج يحاصره .. قال صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات بعد أن نزل عليه الوحي بشيء يخص زيدًا وزينب ويخصّه هو بالدرجة الأولى .. فقد أخبره الوحي أن زينب زوجة ابنه زيد سوف تصبح زوجته وإحدى أمّهات المؤمنين .. فأخفى صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر على زيد خشية أن يتأثر ابنه .. خشية أن يلوك المنافقون وضعاف النفوس ذلك الحدث ثم يلفظونه قيحًا في طرقات المدينة وفتنةً في بيوتها .. أخفى صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه سيحدث لا محالة .. وانصرف زيد إلى زوجته وبيته .. لكن القلوب تسافر دون أن تستأذن أصحابها .. بقي الزوجان على غير وفاق حتى تفاقم الصدع
(1) هو جزء من الحديث الصحيح السابق.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (7420).