الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنس بن النضر ميدانًا لمعركة أخرى انتصر فيها الوفاء .. وخرج منها أنس مزينًا بالطعنات والشهادة .. فلئن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدًا .. فليلحق به أنس بن النضر .. أما بعض الصحابة فقد أذهلهم الخبر وأسقط في أيديهم وانهارت معنوياتهم فولّوا عن أرض المعركة لا يلوون على شيء بعد أن رأوا هذه الكارثة .. وسمعوا بمقتله صلى الله عليه وسلم وكان أحد هؤلاء (عثمان بن عفان وسعد بن عثمان -رجل من الأنصار- حتى بلغوا الجلعب -جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص)(1)، وكأنهم يقولون لأنفسهم: وماذا نحن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أمّا البقية ففضلوا الموت على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أحدهم هذا الفارس المجهول الذي يقول عنه سهل بن سعد: (ما رأينا مثل ما أتى فلان، لقد فرّ الناس وما فرّ، وما ترك للمشركين سادة ولا قادة إلا أتبعها يضربها بسيفه)(2) .. وما زال يضربهم حتى الآن .. في الوقت الذي استشهد فيه صاحب التمرات فقد (قاتل حتى قتل)(3)، كما سقط على أرض المعركة رجل فقير لكنه كان بحجم الدنيا .. لقد
استشهد مصعب
مصعب بن عمير .. الذي خرج من ثروته وزينته ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .. مصعب الذي خرج من مكة وحيدًا ليثقف جيلًا من أجيال المدينة .. مصعب الذي خرج من المدينة نحو أُحُد .. لا يملك من الدنيا إلَّا سيفه ورداءه .. وقرآنًا يملأ صدره ويغنيه عمّا يراه من حطام الدنيا .. سقط
(1) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الأموي (ابن كثير- 3/ 55) حدثني يحيى بن عباد، عن أبيه عن جده .. وقد مر معنا هذا الإسناد، وهو صحيح. يحيى ثقة، وعباد تابعي ثقة.
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (4202) وأبو يعلى - زوائد (1/ 428) واللفظ له.
(3)
حديث صحيح رواه البخاري وقد مر معنا.
مصعب على أرض أُحُد .. تبكيه المدينة ومكّة .. ويبكيه أحد الصحابة بعد مدة .. والطعام بين يديه .. فيقول عندما شاهد الطعام وكان صائمًا: (قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في برده، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا -أعطينا من الدنيا ما أعطينا- وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام)(1) .. وتذكره أيضًا رفيق دربه وعذابه خباب بن الأرتّ فقال: (هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مضى بسبيله ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير .. قتل يوم أحد، ولم يترك إلَّا نمرة، كنّا إذا غطّينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه بدا رأسه)(2) رضي الله عن مصعب ما أعظمه .. سافر والدموع من حوله .. بعد أن ملأ الصدور والنفوس علمًا وحبًا .. نالت منه سيوف الشرك وهو يدافع عن دينه وعن نبيه صلى الله عليه وسلم .. ونالت السيوف من ذلك الشاب العروس .. الذي ترك فتاته ليموت دون دينه ونبيّه صلى الله عليه وسلم .. ليكمل احتفالاته في الجنّة .. وكان قبيل سقوطه في صراع مع رجل شجاع من صفوف المشركين هو أبو سفيان .. وهو ليس أبو سفيان زعيم قريش .. لا .. ولكنه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .. ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما يزال حتى الآن مشركًا .. وقد تغلب عليه حنظلة وعلاه بسيفه وكاد أن يطيح برأسه ولكن ماذا حدث؟
(1) حديث صحيح رواه البخاري (1/ 1275).
(2)
حديث صحيح رواه البخاري (1276) وقد حذفت كلمات بين عمير
…
وقتل. وهو قوله رضي الله عنه: ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها.