الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة تلك السرية:
سرية نخلة
(بعث صلى الله عليه وسلم رهطًا .. فبعث عليهم أبا عبيدة .. فلما أخذ لينطلق .. بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فبعث رجلًا مكانه يقال له: عبد الله ابن جحش)(1) حرارة الشوق أبكت أبا عبيدة .. وحبه لملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفق عليه ويبقيه جواره .. ليبعث بطلًا آخر ..
(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في رجب .. [مقفلة من بدر الأولى] وبعث معه بثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد .. وكتب له كتابًا .. وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره ولا يستكره من أصحابه أحدًا ..
وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين .. من بنى عبد شمس: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة .. ومن بني أمية بن عبد شمس ثم من حلفائهم: عبد الله بن جحش بن رئاب -وهو أمير القوم-[وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة].
(1) سنده قوي .. رواه الطبراني (2/ 174) وابن أبي حاتم (ابن كثير 2/ 370): حدثنا محمَّد بن أبى بكر المقدمى حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، حدثني الحضرمى عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله وأبو السوار العدوي تابعي ثقة من رجال الشيخين واسمه حسان بن حريث (التقريب 2/ 432).
وتلميذه الحضرمي لا بأس به (التقريب 1/ 185) أما معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ووالده فثقتان وهما من رجال الشيخين (التقريب 1/ 326 ، 2/ 263) وشيخ أبى حاتم محمَّد بن أبي بكر المقدمى ثقة من رجال الشيخين (التقريب 2/ 148).
ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان -حليف لهم-.
ومن بني زهرة بن كلاب: سعد بن أبي وقاص.
ومن نبي عدي بن كعب: عامر بن ربيعة -حليف لهم- وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة .. [وخالد ابن البكير - أحد بني سعد بن ليث .. حليف لهم].
ومن بني الحارث بن فهر: سهل بن بيضاء.
فلما سار عبد الله بن جحش يومين .. فتح الكتاب ونظر فيه فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف .. فترصَّد بها قريشًا وتعلَّم لنا من أخبارهم ..
فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب: قال سمعًا وطاعة .. ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة فأرصد بها قريشًا حتى آتيه منهم بخبر .. وقد نهاني أن أستكره أحدًا منكم .. فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع .. فأما أنا فماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. (فرجع رجلان ومضى بقيتهم)(1).
فمضى ومضى معه أصحابه فلم يتخلف عنه منهم أحد .. وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له: بُحران .. أضل سعد ابن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما كانا عليه يعتقبانه .. فتخلفا عليه في طلبه ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة .. فمرت به عير لقريش تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارةً من تجارة قريش فيها منهم:
(1) هذه العبارة ليست في السياق بل هي جزء من الحديث الصحيح السابق. وفي السياق سبب رجوع هذين الصحابيين
…
وهو أنهما فقدا بعيرهما.
عمرو بن الحضرمي .. عثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان. والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة، فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبًا منهم .. فأشرف لهم عكاشة بن محصن -وقد كان حلق رأسه- فلما رأوه أمنوه وقالوا: عُمّار .. فلا بأس علينا منهم .. وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من جمادى .. فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم .. ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام .. فتردد القوم فهابوا الإقدام عليهم .. ثم شجعوا عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم .. فرمى واقد بن عبد الله التميمى عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان .. [وأفلت نوفل بن عبد الله فأعجزهم] ..
وقدم عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ..
[وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله بن جحش قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما غنمتم الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم .. فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير .. وقسم سائرها على أصحابه] .. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
["ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام" .. فوقف العير والأسيرين .. وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا .. فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سُقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا .. وعنفهم المسلمون فيما صنعوا وقالوا لهم:
صنعتم ما لم تؤمروا به .. وقاتلتم في الشهر الحرام ولم تؤمروا بقتال] .. وقالت قريش: قد استحل محمَّد وأصحابه الشهر الحرام فسفكوا
فيه الدم وأخذوا فيه الأموال .. وأسروا فيه الرجال .. فقال من يرد عليهم من المسلمين ممّن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في جمادى .. [وقالت يهود تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله .. عمرو عمرت الحرب .. والحضرمى حضرت الحرب .. واقد بن عبد الله وقدت الحرب .. فجعل الله عليهم ذلك وبهم] فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} .
فلما نزل القرآن بهذا الأمر .. وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين) (1).
وكان عمار بن ياسر رضى الله عنه ضمن تلك السرية يحدثنا عن ذلك ابن مسعود وجماعة من الصحابة رضوان الله عليهم فيقولون في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم: عبد الله بن جحش
(1) حديث صحيح عدا ما بين المعقوفين .. رواه الطبرى تفسير (2/ 360) واللفظ له والبيهقيُّ في الدلائل (3/ 17 - 18) عن عروة مرسلًا وهو صحيح إلى عروة لكن لم يذكر شيخه من الصحابة
…
والحديث له شاهد عند الطبراني (2/ 174) وابن أبي حاتم (سيرة ابن كثير 2/ 370) من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه: حدثنى الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله: عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطًا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح
…
كما رواه الطبري في التفسير (2/ 362) وأبهم الحضرمى فقال: إنه حدثه رجل عن أبي السوار وقال الهيثمى في المجمع (6/ 198) رجاله ثقات
…
وله شواهد كثيرة عند الطبرى (2/ 363) عن ابن عباس
…
وأبي مالك الغفاري .. وعن الزهري وعثمان الجزري ومقسم مولى ابن عباس
…
أما ما بين معقوفين مثل تصرف ابن جحش في الغنائم وقول يهود فهو مرسل
…
والحديث يشهد له ما بعده.
وفيهم: عمار بن ياسر .. وأبو حذيفة بن عتبة .. وسعد بن أبي وقاص .. وعتبة بن غزوان .. وسهل بن بيضاء .. وعامر بن فهيرة .. وواقد بن عبد الله اليربوعى حليف لعمر بن الخطاب ..
وكتب لابن جحش كتابًا وأمره ألا يقرأه حتى ينزل بطن ملل .. فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب فإذا فيه:
أنْ سِرْ حتى تنزل بطن نخلة .. فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موصٍ وماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فسار وتخلف عنه سعد وعتبة أضلا راحلة لهما فأقاما يطلبانها، وسار هو وأصحابه حتى نزل بطن نخلة .. فإذا هو بالحكم بن كيسان والمغيرة بن عثمان وعبد الله بن المغيرة .. فذكر قتل واقد لعمرو بن الحضرمي .. ورجعوا بالغنيمة والأسيرين .. فكانت أول غنيمة غنمها المسلمون ..
وقال المشركون: إن محمدًا يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام وقتل صاحبنا في رجب ..
وقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى) (1).
وسواء قتل ذلك المشرك في جمادى أو في رجب أو في رمضان فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك .. إنما هي حماسة المهاجرين المقهورين المطرودين من ديارهم وأموالهم ولا ذنب لهم سوى أن يقولوا لا إله إلا الله .. لم يتمالكوا أنفسهم -وهم بشر- عندما رأوا أموالهم التي غصبتها
(1) سنده قوي. رواه السدي في تفسيره (ابن كثير 2/ 370) عن أبي صالح عن ابن عباس وهذا ضعيف من أجل أبى صالح وهو (باذام) لكن السدى رواه من طريق أصح عن مرة عن ابن مسعود جماعة من الصحابة، ومُرَّة بن شراحيل الهمداني تابعى كبير ثقة. وهو صحيح بما قبله.
قريش واغتصبتها تسيل أمامهم تجارةً تنمو بين أيدي المشركين وهم الحفاة الذين تشققت أقدامهم من العوز والفقر .. وأضناهم الجوع والتعب .. إنك تبحث بين هؤلاء الرفقة .. تسألهم أين سعد بن أبي وقاص .. أين عتبة بن غزوان ألم ينطلقا معكم من المدينة .. ؟ فتأتيك الإجابة حسرةً ..
لقد إنطلق سعد وعتبة وسارا مع السرية .. لكن على جملٍ واحد جاءا .. يركب أحدهما وينزل الآخر .. ويركب الآخر فترة ليمشي صاحبه .. أما الآن فلا جمل لهما لقد ند وهرب وهما يركضان على أقدامهما المتشققة خلفه .. يذرعان بطون الأودية والشعاب ولا أحد غير الله يعلم ما سيحدث لهما .. ما هو موقف الإنسان .. أي إنسان حافي القدمين يبحث عن جمل ثم يرى جماله المسلوبة منه تتقاطر بالمال بينما تتقاطر قدماه بالدماء .. ما هو موقف من يرى حقه من اللباس والطعام والشراب .. يتجه نحو من؟ نحو خشبةٍ ملقاةٍ على ظهرِ الكعبة .. أو نحو كاهن من سدنة تلك الأصنام .. لا يعرف لله قدرًا ولا للتوحيد منزلةً .. ما هو شعور سعد المشرد الفقير الذي يصف الأجواء التي عاشها في مثل تلك المهمات الصعبة فيقول:
(إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله .. وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشّجر .. حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط)(1).
إن رجلًا لا يجد سوى ورق الشجر لمعذور أن ينهب ما يسد به رمقه ويدفع به الموت عنه .. فكيف إذا كانت تلك الأموال أمواله وأموال أصحابه ..
(1) حديث صحيح. رواه البخاري (3728).