الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأخذهم .. لقد كرهوا ذلك خوفًا على دولتهم الفتية .. على رسولهم أن تناله أيدي المشركين ورماحهم ..
لقد وصف الله سبحانه تلك المشاعر فقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)} (1).
يقول كعب بن مالك رضي الله عنه: (تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحدًا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد)(2).
لقد رأى صلى الله عليه وسلم في وجوه الصحابة العزم والشجاعة .. ورأى في وجوه البعض الشجاعة والكراهية معًا .. وذلك لعدم الاستعداد وقلة العدد والعدة .. رأى خوفهم عليه وعلى دينهم ودولتهم .. فتوقف صلى الله عليه وسلم لـ:
المشورة الثانية
(خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه [حتى بلغ واديًا يقال له "ذفران" فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل،] وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضوان الله عليه فقال وأحسن .. ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن .. ثم قام المقداد بن عمرو، فقال:
يا رسول الله .. امض إلى حيث أمرك الله فنحن معك والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا
(1) سورة الأنفال: الآيتان 5، 6.
(2)
حديث صحيح طويل. رواه البخاري (4418).
قَاعِدُونَ} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .. [فوالذي بعثك بالحق لئن سرت بنا إلى برك الغماد (1) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه]) (2) .. (لا نقول كما قال قوم موسى لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} ولكن نقاتل عن يمينك .. وعن شمالك وبن يديك
…
وخلفك ..
قال ابن مسعود: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره) (3).
لقد تأثر ابن مسعود بما قاله المقداد وتمنى في تلك اللحظات لو كان هو صاحب تلك الكلمات .. ولم يستطع ابن مسعود أن يكتم ذلك في نفسه، لقد صرح به فيما بعد فقال:
(شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إليّ مما عُدل به)(4) أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعد أن رأى تلك العواطف الجياشة تمتد أمامه .. وعن يمينه وعن شماله وتحميه من خلفه .. بعد أن رأى الفداء يظلله كالحب كالغمام .. صاح مرة أخرى بالفئة المؤمنة.
(1) قال الراوي: مدينة الحبشة.
(2)
حسن. رواه ابن إسحاق وقد مر معنا .. وقد صرح بالسماع من شيوخه الثقات: الزهري، وعاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان .. وهؤلاء الثقات أخذوه عن شيخهم الإمام عروة بن الزبير ورواه شيوخ غيرهم عن ابن عباس لكن هؤلاء الشيوخ غير معروفين والحديث يشهد له ما قبله من الأحاديث وما بعده عدا ما بين المعقوفين فلم أجد له شاهدًا. والحديث جزء من حديث بدر الطويل وهو ضعيف إلا ما كان له شواهد.
(3)
حديث صحيح. رواه البخاري عن ابن مسعود (3952).
(4)
حديث صحيح. رواه البخاري عن ابن مسعود (3952).
فتنبه أحد الأنصار لهذا النداء المتكرر .. وفهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لقد تحدث أبو بكر وعمر وتحدث المقداد .. ومع ذلك كله ينتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيًا آخر له في نفسه وزن لا يقل عن تلك الآراء السابقة ..
كان صلى الله عليه وسلم (يريد الأنصار .. وذلك أنهم كانوا عدد الناس .. وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة قالوا:
يا رسول الله .. إنا براء من ذمامك (1) حتى تصل إلى ديارنا .. فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا .. نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا .. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممّن دهمه (2) بالمدينة من عدوه .. وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم.
فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ:
لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: أجل .. قال:
فقد آمنا بك وصدقناك .. وشهدنا أن ما جئت به هو الحق .. وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة .. فامض يا رسول الله لما أردت .. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك .. ما تخلف منا رجل واحد .. وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا .. إنا لصُبُر عند الحرب .. صُدُق عند اللقاء .. لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك .. فسر بنا على بركة الله
…
فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد .. ونشطه ذلك) (3).
(1) الذمام: الحرمة.
(2)
هاجم المدينة.
(3)
هو بقية حديث ابن إسحاق الطويل وله شاهد عند ابن مردوديه من طريق محمَّد بن عمرو =