الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْنُبَ أَحَدُهُمَا مَعَ فَرَسِهِ فَرَسًا يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْو، وَلَا يَصِيحَ بِهِ وَقْتَ سِبَاقِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ» .
ــ
شَكَكْتُما، فاجْعَلُوا سَبَقَهما نِصْفَين. وهذا الأدَبُ الذي ذَكَرَه في هذا الحديثِ، في ابْتداءِ الإِرْسالِ وانْتِهاءِ الغايَةِ، من أحْسَنِ ما قِيلَ في هذا، مع كَوْنِه مَرْويًّا عن أمِيرِ المُؤْمِنِين عليٍّ، رضي الله عنه، في قَضِيَّةٍ أمَرَه بها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفَوَّضَها إليه، فيَنْبَغِي أن تُتَّبَعَ، ويُعْمَلَ بها.
2241 - مسألة: (ولا يَجُوزُ أن يَجْنُبَ أحَدُهما مع فَرَسِه فَرَسًا، يُحَرِّضُه على العَدْو، ولا يَصِيحَ به في وَقْتِ سِبَاقِه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ»)
رَواه أبو داودَ (1). مَعْنَى الجَنَبِ، أن يَجْنُبَ
(1) في: باب أين تصدق الأموال، من كتاب الزكاة، وفي: باب في الجلب على الخيل في السباق، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 1/ 369، 2/ 29.كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار، من أبواب النكاح. عارضة الأحوذي 5/ 51، 52. والنسائي، في: باب الشغار، من كتاب النكاح، وفي: باب الجلب، وباب الجنب، من كتاب الخيل. المجتبى 6/ 91، 89، 190. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 180، 215، 216، 3/ 162، 197، 4/ 429، 439، 443.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسابِقُ إلى فَرَسِه فَرَسًا لا راكِبَ عليه، يُحرِّضُ الذي تحتَه على العَدْو، ويَحُثُّه عليه. وقال القاضي: مَعْناه أن يَجْنُبَ فرَسًا يَتَحَوَّلُ عندَ الغايَةِ عليها، لكَوْنِها أقَلَّ كَلالًا وإعْياءً. قال ابنُ المُنْذِرِ: كذا قِيلَ، ولا أحْسَبُ هذا يَصِحُّ؛ لأن الفَرَسَ التي يُسابقُ بها لابُدَّ مِن تَعْيِينِها، فإن كانتِ التي يتَحَوَّلُ عنها، فما حَصَل السَّبْقُ بها، وإن كانتِ التي يَتَحَوَّلُ إليها، فما حَصَلَتِ المُسابَقَةُ بها في جَمِيعِ الحَلْبَةِ، ومِن شَرْطِ السِّباقِ ذلك، ولأن هذا متى احْتاجَ إلى التَّحَوُّلِ والاشْتِغالِ به، فرُبَّما سُبِق باشْتِغالِه، لا بسُرْعَةِ غيرِه، ولأنَّ المَقْصُودَ مَعْرِفَةُ عَدْو الفَرَسِ في الحَلْبَةِ كلِّها، فمتى كان إنَّما يَرْكَبُه في آخِرِ الحَلْبَةِ، فما حَصَل المَقْصُودُ. وأمّا الجَلَبُ، فهو أن يَتْبَعَ الرجلُ فَرَسَه، يَرْكُضُ خلفَه، ويَجْلِبُ عليه، ويَصِيحُ وراءَه، يَسْتَحِثُّه بذلك على العَدْو. وهكذا فَسَّرَه مالِكٌ (1). وقال قَتادَةُ: الجَلَبُ والجَنَبُ في الرِّهانِ (1). وعن أبي عُبَيدٍ كقولِ مالِكٍ. وحُكِيَ عنه، أنَّ الجَلَبَ أن يَحْشُرَ السَّاعِي أهلَ الماشِيَةِ ليَصْدُقَهم، قال: فلا يَفْعَلْ، لِيَأْتِهم على مِياهِهم فيَصْدُقَهم (2). والتَّفسيرُ الأوَّلُ أصَحُّ؛ لِما روَى عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ في الرِّهَانِ» . رَواه أبو داودَ (3). ويُرْوَى عن ابنَ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم،
(1) أخرجهما البيهقي، في: باب لا جلب ولا جنب في الرهان، من كتاب الرمي. السنن الكبرى 10/ 21، 22.
(2)
انظر: غريب الحديث 3/ 127، 128.
(3)
في: باب في الجلب على الخيل في السباق، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 29.
فَصْلٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ: وَتُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطٌ أرْبَعَةٌ؛ أَحَدُهَا، أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ، فَإنْ كَانَ فِي أَحدِ الْحِزْبَينِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأُخْرِجَ مِنَ الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلُهُ، وَلَهُمُ
ــ
أنَّه قال: «مَنْ أجْلَبَ عَلَى الْخَيلِ يَوْمَ الرِّهَانِ فَلَيسَ مِنَّا» (1).
قال الشيخُ، رحمه الله:
(فصلٌ في المُناضلَةِ) وهي المُسابَقَةُ في الرَّمْي بالسِّهامِ، والمُناضَلَةُ: مَصْدَرُ ناضَلْتُه نِضالًا ومُناضَلَةً، وسُمِّيَ الرَّمْيُ نِضالًا؛ لأنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا، فالرَّمْيُ به عَمَل بالنَّضْلِ، فسُمِّيَ نِضالًا ومُناضَلَةً، مثلِ جادَلْتُه جِدالًا ومُجادَلَةً (ويُشْتَرَطُ لها شُرُوط أرْبَعَةٌ؛ أحَدُها، أن تكون على مَن يُحْسِنُ الرَّمْيَ، فإن كان في أحَدِ الحِزْبَين مَن لا يُحْسِنُه، بَطَل العَقْدُ فيه)[إذا كان كلُّ حِزْبٍ جَماعَةً](2)(وأُخْرِجَ مِن الحِزْبِ الآخَرِ) مَن جُعِل بإزائِه؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِن الزَّعِيمَين يَخْتارُ واحِدًا، ويَخْتارُ الآخرُ في مُقابَلَتِه آخَرَ، كما لو بَطَل العَقْدُ في بَعْضِ المَبِيعِ، بَطَل في ثَمَنِه. وهل
(1) لم نجده.
(2)
سقط من: م.
الْفَسْخُ إِنْ أحَبُّوا. الثَّانِي مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرِّشْقِ، وَعَدَدِ الْإِصَابَةِ.
ــ
يَبْطُلُ في الباقِين؟ على وَجْهَين، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فإن قُلْنا: لا يَبْطُلُ. فلكلِّ حِزْبٍ الخيارُ لتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ في حَقِّهم، فإن كان يُحْسِن الرَّمْيَ، لكنَّه قَلِيلُ الإِصابَةِ، فقال حِزْبُه: ظَنَنّاه كَثِيرَ الإِصابَةِ. أو: لم نَعْلَمْ حاله. وإن بان كَثِيرَ الإِصابَةِ، فقال الحِزْبُ الآخَرُ: ظَنَنّاه قَلِيلَ الإِصابَةِ. لم يُسْمَعْ ذلك منهم؛ لأنَّ شَرْطَ دُخُولِه في العَقْدِ أن يكونَ مِن أهلِ الصَّنْعَةِ دُونَ الحِذْقِ، كما لو اشْتَرَى عَبْدًا على أنَّه كاتِبٌ، فبان حاذِقًا أو ناقِصًا فيها (1)، لم يُؤثِّرْ (الثانِي، مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرِّشْقِ، وعَدَدِ الإِصابَةِ) الرِّشْقُ، بكَسْرِ الرّاءِ: عَدَدُ الرَّمْي. وأهلُ العَرَبِيَّةِ يَقُولُون: هو عِبارَةٌ عمّا بينَ العِشْرِين والثَّلاثين. والرَّشقُ، بفَتْحِ الرّاءِ: الرَّمْيُ، مَصْدَرُ رَشَقْتُ. رَشْقًا. وإنَّما اشْتُرِطَ عِلْمُه؛ لأنَّه لو كان مَجْهُولًا أفْضَى إلى الاخْتِلافِ، لأنَّ أحَدَهما قد يُرِيدُ القَطْعَ، والآخَرُ الزِّيادَةَ. ولا بُدَّ مِن مَعْرِفَةِ عَدَدِ الإِصابَةِ، فيَقُولان: الرِّشْقُ عِشْرُون، والإصابَةُ خَمْسَةٌ -أو- سِتَّةٌ. أَو ما يَتَّفقان عليه، إلَّا أنَّه لا يَصِحُّ اشْتِراطُ إصابَةٍ تَنْدُرُ، كإصابَةِ جَمِيعِ الرِّشْقِ، أو تِسْعَةٍ مِن عَشَرَةٍ، ونحو هذا؛ لأنَّ الظّاهِرَ أنَّه لا يُوجَدُ، فيَفُوتُ الغَرَضُ. وإنَّما اشْتُرِطَ العِلْمُ بعَدَدِ الإِصابَةِ؛ ليَتَبَيَّنَ حِذْقُهما.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُشْتَرَطُ اسْتِواؤُهما في عَدَدِ الرِّشْقِ والإِصابَةِ وصِفَتِها، وسائِرِ أحْوالِ الرَّمْي. فإن جَعَلا رِشْقَ أحَدِهما عَشَرَةً، والآخرِ عِشْرِين، أو شَرَطا أن يُصِيبَ أحَدُهما خَمْسَةً، والآخَرُ ثَلاثَةً، أو شَرَطا إصابَةَ أحَدِهما خَواسِقَ والآخَرِ خَواصِلَ، أو شَرَطا أن يَحُطَّ أحَدُهما مِن إصابَتِه سَهْمَين، أو يَحُطَّ سَهْمَين من إصابَتِه بسَهْمٍ مِن إصابَةِ صاحِبه، أو شَرَطا (1) أنْ يَرْمِيَ أحَدُهما مِن بُعْدٍ والآخَرُ مِن قُرْبٍ، أو أن يَرْمِيَ أحدُهما وبينَ أصابِعِه سَهْمٌ، والآخَرُ بينَ أصابِعِه سَهْمان، أو أن يَرْمِيَ أحَدُهما وعلى رَأْسِه شيءٌ والآخرُ خالٍ عن شاغِلٍ، أو أن يَحُطَّ عن أحَدِهما واحِدًا مِن خَطَئِه لا له ولا عليه، وأشْباهُ هذا ممّا تَفُوتُ به المُساواةُ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ مَوْضُوعَها على المساواةِ، والغرضُ معرفةُ الحِذْقِ وزيادةِ أحَدُهما على الآخَرِ فيه، ومع التَّفاضُلِ لا يَحْصُلُ، فإنَّه رُبَّما أصاب أحَدُهما لكَثْرَةِ رَمْيِه لا لحِذْقِه، فاعْتُبِرَتِ المُساواةُ، كالمُسابَقَةِ بالحَيَوانِ.
(1) في م: «شرط» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويُشْتَرَطُ أن تكونَ المُسابَقَةُ على الإِصابَةِ لا على البُعْدِ، فلو قال: السَّبَقُ لأبْعَدِنا رَمْيًا. لم يَجُزْ؛ لأنَّ الغَرَضَ مِن الرَّمْي الإِصابَةُ لا بُعْدُ المَسافَةِ، فإنَّ المَقْصُودَ مِن الرَّمْي إمّا قَتْلُ العَدُوِّ أو جَرْحُه، أو الصّيدُ، ونحوُ ذلك، وكلُّ هذا إنَّما يَحْصُلُ مِن الإِصابَةِ، لا مِن الإِبْعادِ.
فصل: إذا عَقَدا النِّضال، ولم يَذْكُرا قَوْسًا، صَحَّ في ظاهِرِ كَلامِ القاضي، ويَسْتَويانِ في القَوسِ، إمّا العَرَبِيَّةُ وإمّا الفارِسِيَّةُ. وقال غيرُه: لا يَصِحُّ حتى يَذْكُرَا نَوْعَ القَوْسِ الذي يَرْمِيان عليه في الابْتِداءِ؛ لأنَّ إطْلاقَه رُبَّما أفْضَى إلى الاخْتِلافِ، وقد أمْكَنَ التَّحَرُّزُ عنه بالتَّعْيِينِ للنَّوْعِ، فَيجِبُ ذلك. وإنِ اتَّفَقا على أنَّهما يَرْمِيان بالنُّشّابِ في الابتِداءِ، صَحَّ، ويَنْصَرِفُ إلى القَوْسِ الأعْجَمِيَّةِ؛ لأنَّ سِهامَها هو المُسمَّى بالنُّشّابِ، وسِهامَ العَرَبِيَّةِ يُسَمَّى نَبْلًا. فإن عَيَّنا نَوْعًا، لم يَجُزِ العُدُولُ عنها إلى غيرِها؛ لأنَّ أحَدَهما قد يكونُ أحْذَقَ بالرَّمْي بأحَدِ النَّوْعَين دُونَ الآخَرِ.
الثَّالِثُ، مَعْرِفَةُ الرَّمْي، هَلْ هُوَ مُفَاضَلَةٌ أَوْ مُبَادَرَةٌ؟ فَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَقُولَا: مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً، فَقَدْ سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلَيهَا مَعَ تَسَاويهِمَا فِي الرَّمْي فَهُوَ السَّابِقُ، وَلَا يَلْزَمُ إتْمَامُ الرَّمْيَ.
ــ
(الثالثُ، مَعْرِفَةُ الرَّمْي، هل هو مُفاضَلَةٌ أو مُبادَرَةٌ؟) المُناضَلَةُ على ثَلاثَةِ أَضْرُبٍ؛ أحَدُها، يُسَمَّى (المُبادَرَةَ) وهي (أن يقُولا: مَن سَبَق إلى خَمْسِ إصاباتٍ مِن عِشْرِين رَمْيَةً، فهو السّابِقُ. فأيُّهما سَبَق إليها مع تَساويهما في الرَّمْي) فقد سَبَق. فإذا رَمَيا عَشَرَة عَشَرَةً، فأصاب أحَدُهما خَمْسًا، ولم يُصِبِ الآخَرُ خمسًا، فالمُصِيبُ خَمْسًا هو السّابِقُ؛ لأنَّه قد سَبَق إلى خمْسٍ، وسَواءٌ أصاب الآخَرُ أرْبَعًا، أو ما دُونَها، أو لم يُصِبْ شيئًا (ولا) حاجَةَ إلى (إتْمامِ الرَّمْي) لأنَّ السَّبْقَ قد حَصَل بسَبْقِه إلى ما شَرَطا السَّبْقَ إليه. فإن أصاب كل واحِدٍ منهما مِن العَشْرِ خَمْسًا، فلا سابِقَ فيهما، ولا يُكْمِلان الرِّشْقَ؛ لأن جَمِيعَ الإِصابَةِ المَشْرُوطَةِ قد حَصَلَتْ، واسْتَوَيا فيها. فإن رَمَى أحَدُهما عَشْرًا فأصاب
وَالْمُفَاضَلَةُ أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً، سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا فَضَلَ بِذَلِكَ، فَهُوَ السَّابِقُ.
ــ
خَمْسًا، ورَمَى الآخَرُ تِسْعًا فأصاب أرْبعًا، لم يُحْكَمْ بالسَّبْقِ ولا بعَدَمِه، حتى يَرْمِيَ العاشِرَ، فإن أصاب به، فلا سابِقَ فيهما، وإن أخْطَأ به، فقد سَبَق الأوَّلُ. فإن لم يكنْ أصاب مِن التِّسْعَةِ إلَّا ثلاثًا، فقد سُبِق، ولا يَحْتاجُ إلى رَمْي العاشِرِ؛ لأنَّ أكْثَرَ ما يَحْتَمِلُ أن يُصِيبَ به، ولا يُخْرِجُه عن كَوْنِه مَسْبُوقًا.
الثانِي (المُفاضَلَةُ) وهي (أن يَقُولا: أيُّنا فَضَل صاحِبَه) بإصابَةٍ أو إصابَتَين أو ثَلاثٍ (مِن عِشْرِين رَمْيَةً) فقد (سَبَق). وتُسَمَّى مُحاطَّةً؛ لأنَّ ما تَساوَيا فيه مِن الإِصابَةِ مَحْطُوطٌ غيرُ مُعْتَدٍّ به. ويَلْزَمُ إكْمالُ الرِّشْقِ إذا كان فيه فائِدَةٌ. فإذا قالا: أيُّنا فَضَل صاحِبَه بثَلاثٍ، فهو سابِقٌ. فرَمَيَا اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا، فأصاب بها أحَدُهما، وأخْطَأها (1) الآخرُ كلَّها، لم
(1) في م: «أخطأ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَلْزَمْ إتْمامُ الرِّشْقِ؛ لأنَّ أكْثَرَ ما يُمْكِنُ أن يُصِيبَ الآخَرُ الثّمانِيَةَ الباقِيَةَ، ويُخْطِئَها (1) الأوَّلُ، ولا يَخْرُجُ الأوَّلُ بهذا عن كَوْنِه سابِقًا. وإن كان الأوَّلُ إنَّما أصاب مِن الاثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَشْرًا، لَزِمَهما أن يَرْمِيا الثالثةَ عَشْرَةَ، فإن أصابا بها أو أخْطآ، أو أصابَها الأوَّلُ وَحْدَه، فقد سَبَق، ولا يَحْتاجُ إلى إتْمام الرِّشْقِ. وإن أصابَها الآخَرُ [دُون الأوَّلِ](2)، فعليهما أن يَرْمِيا الرّابِعَةَ عَشرَةَ، والحُكْمُ فيها وفيما بعدَها، كالحُكْم في الثالثةَ عَشْرَةَ، [في أنَّه](3) متى ما أصاباها، أو أخْطآ، أو أصابَها الأوَّلُ، فقد سَبَق، ولا يَرْمِيان ما بعدَها. وإن أصابَها الآخَرُ وَحْدَه، رَمَيا ما (4) بعدَها. وكذا كلُّ مَوْضِعٍ يكونُ في إتْمامِ الرِّشْقِ فائِدَةٌ لأحَدِهما، يَلْزَمُ إتْمامُه، وإن يَئس مِن الفائِدَةِ، لم يَلْزَمْ إتْمامُه. فإذا بَقِيَ مِن العَدَدِ ما يُمْكِنُ أن يَسْبِقَ أحَدُهما به صاحِبَه، أو يُسْقِطَ به سَبْقَ صاحِبِه، لَزِم الإِتْمامُ، وإلَّا فلا. فإذا كان السَّبْقُ يَحْصُلُ بثَلاثِ إصاباتٍ مِن عِشْرِين، فرَمَيا ثَمانِيَ عَشْرَةَ، فأخْطآها، أو أصاباها، أو تَساوَيا في الإِصابَةِ فيها، لم يَلْزَمِ الإِتْمامُ؛ لأنَّ أكْثَرَ ما يَحْتَمِلُ أن يُصِيبَ أحَدُهما هاتَين الرَّمْيَتَين، ويُخْطِئَهما الآخَرُ، ولا يَحْصُلُ السَّبْقُ بذلك. وكذلك إن فَضَل أحَدُهما الآخَرَ بخَمْسِ إصاباتٍ فما زاد، لم يَلْزَمِ الإِتْمامُ؛ لأنَّ إصابَةَ الآخَرِ السَّهْمَين
(1) في الأصل، ر، ق:«يحطها» .
(2)
في تش، ر 1، م:«وحده» .
(3)
في م: «فإنه» .
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الباقِيَين، لا يُخْرِجُ الآخَرَ عن كَوْنِه فاضِلًا بثلاثِ إصاباتٍ، وإن لم يَفْضُلْه إلَّا بأرْبَعٍ، رَمَيا السَّهْمَ الآخِرَ، فإن أصابَه المَفْضُولُ وَحْدَه، فعليهما رَمْيُ الآخِرِ، فإن أصابَه المَفْضُولُ أيضًا، سَقَط سَبْقُ الأوَّلِ، وإن أخْطآ في أحَدِ السَّهْمَين، أو أصاب الأوَّلُ في أحَدِهما، فهو سابِقٌ.
الثالثُ (أن يَقُولا: أيُّنا أصاب خَمْسًا مِن عِشْرِينِ، فهو سابِقٌ) فمتى أصاب أحَدُهما خَمْسًا مِن العِشْرِين، ولم يُصِبْها الآخرُ، فالأوَّلُ سابِقٌ، وإن أصاب كل واحِدٍ منهما خَمْسًا، أو لم يُصِبْ واحِدٌ منهما خَمْسًا، فلا سابِقَ فيهما. وهذه في مَعْنَى المُحاطَّةِ، في أنَّه يَلْزَمُ إتْمامُ الرَّمْي ما كان فيه فائِدَةٌ، ولا يَلْزَمُ إذا خلا [عن الفائِدَةِ](1). ومتى أصاب كلُّ واحِدٍ منهما خَمْسًا، لم يَلْزَمْ إتْمامُه، ولم يكنْ فيهما سابِقٌ. وإن رَمَيا سِتَّ عَشْرَةَ رَمْيَةً، فلم يُصِبْ واحِدٌ منهما شيئًا، لم يَلْزَمْ إتْمامُه، ولا سابِقَ فيهما؛ لأنَّ أكْثَرَ ما يَحْتَمِلُ أن يُصِيبَها أحَدُهما وَحْدَه (2)، ولا يَحْصُلُ السَّبْقُ بذلك. واخْتَلَفَ أصْحابُنا، فقال أبو الخَطّاب: لا بدَّ مِن معْرِفَةِ الرَّمْي، هل هو مُبادَرَةٌ أو مُحاطَّةٌ أو مُفاضَلَةٌ؟ لأنَّ غَرَضَ الرُّماةِ يَخْتَلِفُ؛ فمنهم مَن تَكْثُرُ إصابَتُه في الابْتِداءِ دُونَ الانْتِهاءِ، ومنهم بالعَكْسِ، فوَجَبَ بَيانُ ذلك؛ ليَعْلَمَ ما دَخَل فيه. وهذا الذي ذَكَرَه شيخُنا في الكِتابِ المَشْرُوحِ. وظاهِرُ كَلامِ القاضِي، أنَّه لا يُحْتاجُ إلى اشْتِراطِ ذلك؛ لأنَّ مُقْتَضَى
(1) في م: «عنها» .
(2)
في الأصل، تش:«واحدة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النِّضالِ المُبادَرَةُ، وأنَّ مَن بادَرَ إلى الإِصابَةِ فهو السّابِقُ؛ فإنَّه إذا شُرِط السَّبْقُ لمَن أصاب خَمْسَةً مِن عِشْرِين، فسَبَقَ إليها واحِدٌ، فقد وُجِد الشَّرْطُ. ولأصْحابِ الشافعيّ وَجْهان كهَذَين.
فصل: فإن شَرَطَا إصابَةَ مَوْضِعٍ مِن الهَدَفِ، على أن يُسْقِطَ ما قَرُب مِن إصابَةِ أحَدِهما ما بَعُد مِن إصابَةِ الآخَرِ، ففَعَل، ثم فَضَل أحَدُهما الآخَرَ بما شَرَطاه، كان سابقًا. ذَكَرَه القاضي. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه نَوْعٌ مِن المُحاطَّةِ. فإذا أَصاب أحَدُهما مَوْضِعًا بينَه وبينَ الغَرَضِ شِبْرٌ، وأصاب الآخَرُ مَوْضِعًا بينَه وبينَ الغَرَضِ أقَل مِن شِبْرٍ، سَقَط الأوَّلُ، وإن أصاب الأوَّلُ الغَرَضَ، أسْقَطَ الثانِيَ، وإن أصاب الثانِي الدّائِرَةَ التي في الغَرَضِ، لم يُسْقِطِ الأوَّلَ؛ لأنَّ الغَرَضَ كلَّه مَوْضِعُ الإِصابَةِ، فلا يَفْضُلُ أحَدُهما صاحِبَه إذا أصاباه، إلَّا أن يَشْتَرِطَا ذلك. وإن شَرَطا أن يَحْسِبَ (1) كلُّ واحِدٍ منهما خاسِقَه بإصابَتَين، جاز؛ لأنَّ أحَدَهما لم يَفْضُلْ صاحِبَه بشيءٍ، فقد اسْتَوَيا.
فصل: فإنْ عقَدَ النِّضال جماعةٌ ليَتَفاصَلُوا (2) حِزْبَين، فذَكَرَ القاضي أنَّه يَجُوزُ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يجوزَ؛ لأنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ، وقبلَ التَّفاصُلِ لم يَتَعَيَّنْ مَن في كُلِّ واحِدٍ مِن الحِزْبَين. فعلى هذا، إذا تفاصَلُوا، عَقَدُوا النِّضال بعدَه. وعلى قولِ القاضي، يجوزُ العَقْدُ قبلَ
(1) في م: «يحتسب» .
(2)
في م: «ليتناضلوا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّفاصُلِ. ولا يَجُوزُ أن يَقْتَسِمُوا بالقُرعَةِ؛ لأنَّها قد تَقَعُ على الحُذّاقِ في أحَدِ الحِزْبَين، وعلى الكَوادنِ في الآخرِ، فيَبْطُلُ مَقْصُودُ النِّضالِ، بل يكونُ لكلِّ حِزْبٍ زَعِيمٌ (1)، فيَخْتارُ أحَدُهما واحِدًا، ثم يَخْتارُ الآخَرُ واحِدًا كذلك، حتى يَتَفاصَلُوا جَمِيعًا. ولا يَجُوزُ أن يُجْعَلَ الْخِيارُ إلى أحَدِهما في الجَمِيعِ، ولا أن يَخْتارَ جَمِيعَ حِزْبِه أوَّلًا؛ لأنَّه يَخْتارُ الحُذّاقَ في حِزْبِه. ولا يَجُوزُ أن يُجْعَلَ رَئِيسُ الحِزْبَين واحِدًا؛ لأنَّه يَمِيلُ إلى حِزْبِه، فتَلْحَقُه التُّهْمَةُ. ولا يجوزُ أن يَخْتارَ كلُّ واحِدٍ مِن الرَّئِيسين أكْثَرَ مِن واحِدٍ واحِدٍ؛ لأنَّه أبْعَدُ مِن التَّساوي. فإذا اخْتَلَفا في المُبْتَدِئِ بالخِيارِ، أُقْرِعَ بينَهما. ولو قال أحَدُهما: أنا أخْتارُ أوَّلًا وأُخْرِجُ السَّبَقَ، أو يُخْرِجُه أصْحابِي. لم يَجُزْ؛ لأنَّ السَّبَقَ إنَّما يُسْتَحَقُّ بالسَّبْقِ، لا في مُقابَلَةِ تَفَضُّلِ أحَدِهما بشيءٍ.
فصل: إذا أخْرَجَ أحَدُ الزَّعِيمَين السَّبَقَ مِنِ عندِه، فسُبِقَ حِزْبُه، لم يكُنْ على حِزْبِه شيءٌ؛ لأنَّه جَعَلَه على نَفْسِه دُونَهم. وإن شَرَطَه عليهم، فهو عليهم بالسَّويَّةِ، ويُقْسَمُ على الحِزْبِ الآخَرِ بالسَّويَّةِ، مَن أصاب ومَن أخْطَأ، في أحَدِ الوَجْهَين، كما أنَّه على الحِزْبِ الآخَرِ بالسَّويَّةِ. وفي الوَجْهِ الآخَرِ، يُقْسَمُ بينَهم على قَدْرِ الإِصابَةِ، ولا شيءَ لمَن لم يُصِبْ؛ لأنَّ اسْتِحْقاقَه بالإِصابَةِ، فكان على قَدْرِها، واخْتَصَّ بمَن وُجِدَت فيه، بخِلافِ المَسْبُوقِين، فإنَّه وَجَب عليهم لالْتِزامِهم به، وقد اسْتَوَوْا في
(1) في الأصل: «غريم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك.
فصل: ومتى كان النِّضالُ بينَ حِزْبَين، اشْتُرِطَ كونُ الرِّشْقِ يُمْكِنُ قَسْمُه بينَهم يغيرِ كَسْرٍ، ويَتَساوَوْنَ فيه، فإن كانوا ثَلاثَةً، وَجَب أن يكونَ له ثُلُثٌ، وكذلك ما زاد؛ لأنَّه إذا لم يَكُنْ كذلك، بَقِيَ سَهْمٌ أو أكْثَرُ بينَهم لا يُمْكِنُ الجَماعَةَ الاشْتِراكُ فيه.
فصل: ولا يَجُوزُ أن يقولُوا: نُقْرِعُ، فمَن خَرَجَتْ قُرْعَتُه فهو السّابِقُ. ولا أنَّ مَن خَرَجَتْ قُرْعَتُه فالسَّبَقُ عليه. ولا أن يَقُولُوا: نَرْمِي، فأيُّنا أصاب فالسَّبَقُ على الآخَرِ. لأنَّه عِوَضٌ في عَقْدٍ، فلا يُسْتَحَقُّ بالقُرْعَةِ، ولا بالإِصابَةِ. وإن شَرَطُوا أن يكونَ فُلانٌ مُقَدَّمَ حِزْبٍ، وفُلانٌ مُقَدَّمَ الآخَرِ، ثم فُلانٌ ثانيًا (1) مِن (2) الحِزْبِ الأوَّلِ، وفلانٌ ثانيًا (1) مِن الحِزْبِ الثانِي، كان فاسِدًا؛ لأنَّ تَقْدِيمَ كلِّ واحِدٍ مِن الحِزْبَين يكونُ إلى زَعِيمِه، وليس للحِزْبِ الآخَرِ مُشارَكَتُه في ذلك، فإذا شَرَطُوه كان فاسِدًا.
فصل: إذا تَناضَلَ اثْنان، وأخْرَجَ أحَدُهما السَّبَقَ، فقال أجْنَبِيٌّ: أنا شَرِيكُك في الغُرْمِ والغُنْمِ، إن نَضَلَك فنِصْفُ السَّبَقِ عَلَيَّ، وإن نَضَلْتَه فنِصْفُه لي. لم يَجُزْ. وكذلك لو كان المُتَناضِلُون ثلاثةً منهما (3) مُحَلِّلٌ،
(1) في الأصل، ق:«نائبا» .
(2)
في تش، م:«في» .
(3)
أي مع الاثنين محلل.