الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا والزَّرْعُ قَائِمٌ، خُيِّرَ بَينَ تَرْكِهِ إِلَي الْحَصَادِ
ــ
للغاصِبِ. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّه نَماءُ مالِه، وعليه أجْرُ المِثْلِ إلى وَقتِ التَّسْلِيمِ، وضَمانُ النَّقْصِ. ولو لم يَزْرَعْها، فنَقَصَت لتَرْكِ الزِّراعَةِ، كأرَاضِي البَصْرَةِ، أو نَقَصَتْ لغيرِ ذلك، ضَمِن نَقْصَها؛ لِما نَذْكُرُه فيما إذا غَرَسَها أو بَنَى فيها، إن شاءَ الله تعالى.
2299 - مسألة: (وإن أَدرَكَها رَبُّها والزَّرْعُ قائِمٌ، خُيِّرَ بينَ تَرْكِه
بِأُجْرَتِهِ، وَبَينَ أخْذِهِ بِعِوَضِهِ. وَهَلْ ذَلِكَ قيمَتُهُ أوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَين.
ــ
إلى الحَصادِ بأْجْرَةِ مِثْلِه، وبينَ أَخْذِه بعِوَضِه. وهل ذلك قِيمَتُه أو نَفَقَتُه؛ على رِوايَتَين) قولُه: أَدرَكَها والزَّرْعُ قائِمٌ. يَعْنِي اسْتَرْجَعَها مِن الغاصِبِ وقَدَرَ على أخذِها منه. متى أدرَكَها رَبُّها والزَّرْعُ قائمٌ، لم يَمْلِكْ إجْبارَ الغاصِبِ على قَلْعِ الزَّرْع، وخُيِّرَ المالِكُ بينَ أنَّ يُقِرَّ الزَّرْعَ في الأَرضِ إلى الحَصادِ ويَأْخُذ مِن الغاصِبِ أُجْرَةَ الأرْضِ وأرْشَ نَقْصِها، وَبينَ أنَّ يَدْفَعَ إليه نَفَقَتَه ويكونَ له الزَّرْعُ. وهذا قولُ أبي عُبَيدٍ. وقال أكْثَرُ الفُقَهاءِ: يَمْلِكُ إجْبارَ الغاصِبِ على قَلْعِه؛ لقَوْلِه عليه الصلاة والسلام: «لَيسَ لِعِرْقٍ ظالمٍ حَقٌّ» (1). و (2) لأنَّه زَرَعَ في أرْضِ غيرِه ظُلْمًا، أشْبَهَ الغَرْسَ. ولَنا، ما روَى رافِعُ بنُ خَدِيجٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن زَرَعَ
(1) تقدم تخريجه في 13/ 299.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فِي أرْضِ قَوْم بِغيرِ إذْنِهِم، فَلَيسَ لَهُ منَ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَعَلَيهِ نَفَقَتُهُ». رَواه أبو داودَ والتِّرْمِذِيُّ (1). وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ (2). فيه دَلِيلٌ على أنَّ الغاصِبَ لا يُجْبَرُ على القَلْعِ؛ لأنَّه مِلْكٌ للمَغْصُوبِ منه، ولأنَّه أمْكَنَ رَدُّ المَغْصُوبِ إلى مالِكِه مِن غيرِ إتْلافِ مالِ الغاصِبِ على قُرْبٍ مِن الزَّمانِ، فلم يَجُزْ إتْلافُه، كما لو غَصَب سَفِينَةً في حَمَلَ فيها ماله وأدْخَلَها البَحْرَ، أو غَصَبَ لَوْحًا فَرَقَّعَ به سَفِينةً، فإنَّه لا يُحْبَرُ على رَدِّ المَغْصُوبِ في اللُّجَّةِ، ويُنْتَظَرُ حتى تُرْسَى؛ صِيانَةً للمالِ عن التَّلَف، كذا هذا. وفارَقَ الشَّجَرَ؛ لأنَّ مُدَّتَه تَتَطاوَلُ، ولا يُعْلَمُ متى يَنْقَلِعُ مِن الأرْضِ، فانْتِظارُه يُؤدِّي إلى تَرْكِ رَدِّ الأصْلِ بالكُلِّيَّةِ. وحَدِيثُهم وَرَد في الغَرْسِ، وحَدِيثُنا في الزَّرْعِ، فيُجْمَعُ بينَ الحَدِيثَينِ، ويُعْمَلُ بكلِّ واحِدٍ منهما في مَوْضِعِه، وهو أَوْلَى مِن إبْطالِ أحَدِهما. إذا ثَبَت هذا، فمتى رَضِيَ المالِكُ بتَرْكِ الزَّرْعِ للغاصِبِ ويَأْخُذُ منه أَجْرَ الأرْضِ، فله ذلك؛ لأنَّه شَغَل المَغْصُوبَ بمالِه، فمَلَكَ صاحِبُه أَخْذَ أَجْرِه، كما لو تَرَك في الدارِ طَعامًا يَحْتاجُ في نَقْلِه إلى مُدَّةٍ. وإن أحَبَّ أَخْذَ الزَّرْعِ، فله ذلك، كما يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ أخْذَ شَجَرِ المُشْتَرِي بقِيمتِه. وفيما يُرَدُّ على الغاصِبِ رِوَايتانِ؛ إحداهما، قِيمَةُ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 234. والترمذي، في: باب ما جاء في من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 125.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 824. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 465.
(2)
في م: «حسن صحيح» .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيهِ الأجْرَةُ.
ــ
الزَّرْعِ؛ لأنَّه بَدَلٌ عن الزَّرْعِ، فيُقدَّرُ بقِيمَتِه، كما لو أَتْلَفَه، ولأنَّ الزَّرْعَ للغاصِبِ إلى حينِ (1) انْتِزاعِه منه، بدَلِيلِ أنَّه لو أَخَذَه قبلَ انْتِزاعِ المالِكِ، كان مِلْكًا له يَأْخُذُه، فيكونُ أَخْذُ المالِكِ له تَمَلُّكًا له، إلَّا أنَّ يُعَوِّضَه، فيَجِبُ أنَّ يكونَ بقِيمَتِه، كما لو أخَذَ الشِّقْصَ المَشْفُوعَ. فعلى هذا، يَجِبُ على الغاصِبِ أَجْرُ الأرْضِ إلى حينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ؛ لأنَّ الزَّرْعَ كان مَحْكُومًا له به، وقد شَغَل به أَرْضَ غيرِه. والروايةُ الثانيةُ، يَرُدُّ على الغاصِبِ ما أنْفَقَ مِن البَذْرِ ومُؤْنَةِ الزَّرْعِ في الحَرْثِ والسَّقْي وغيرِه. وهذا الذي ذكَره القاضِي. وهو ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ، وظاهِرُ الحَدِيثِ؛ لقولِه، عليه الصلاة والسلام:«عَلَيهِ نَفَقَتُهُ» . وقِيمةُ الشيءِ لا تُسَمَّى نَفَقةً له. والحَدِيثُ مَبْنِيٌّ على هذه المسألةِ، فإنَّ أحمدَ إنَّما ذَهَبَ إلى هذا الحُكْمِ اسْتِحْسانًا، على خِلافِ القِياسِ، فإنَّ القِياسَ أنَّ الزَّرْعَ لصاحِبِ البَذْرِ؛ لأنَّه نَماءُ مالِه، فأشْبَهَ ما لو غَصَب دَجَاجَةً فحَضَنَتْ بَيضًا له، كان النَّماءُ له. وقد صَرَّحَ به أحمدُ، فقال: هذا شيءٌ لا يُوافِقُ القِياسَ، أسْتَحْسِنُ أنَّ يَدْفَعَ إليه نَفقَتَه؛ للأثَرِ. ولذلك جَعَلْناه للغاصِبِ إذا أُخِذَتْ منه الأرْضُ بعدَ أخْذِه الزَّرْع، وإذا كان العَمَلُ بالحَدِيثِ، فيَجِبُ أن يُتبَّعَ مَدْلُولُه (ويَحْتَمِلُ أنَّ يكونَ الزَّرْعُ للغاصِبِ، وعليه الأجْرَةُ) كما إذا رَجَع
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسْتَعِيرُ.
فصل: فإن كان الزَّرْعُ (1) مِمّا تَبْقَى أُصُولُه في الأرْضِ، ويُجَزُّ مَرّةً بعدَ أُخْرَى، كالرَّطْبَةِ (2)، احْتَمَلَ أنَّ يكونَ حُكْمُه ما ذَكَرْنا؛ لدُخُولِه في عُمُومِ الزَّرْعِ؛ لأنَّه ليس له فَرْعٌ قَويٌّ، أشْبَهَ الحِنْطَةَ والشَّعِيرَ. واحْتَمَلَ أنَّ حُكْمَه حُكْمُ الغَرْسِ؛ لبقَاءِ أصْلِه، وتَكَرُّرِ أخْذِه، ولأن القِياسَ يَقْتَضِي أنَّ يَثْبُتَ لكلِّ زَرْعٍ مثلُ حُكْمِ الغَرْسِ، وإنَّما ترِكَ فيما تَقِلُّ مُدَّتُه للأثَرِ، ففيما عَداه يَبْقَى على قَضِيَّةِ القِياسِ.
(1) زيادة من: ر، ق.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن غَصَب أرْضًا فغَرَسَها فأَثْمَرتْ، فأدْرَكَها رَبُّها بعدَ أخْذِ الغاصِبِ ثَمَرَتَها، فهي له. فإن أدْرَكَها والثَّمرةُ فيها، فكذلك؛ لأنَّها ثَمَرةُ شَجَرِه، فكانت له، كما لو كانت في أَرْضِه، ولأنَّها نَماءُ أصْلٍ مَحْكُومٍ به للغاصِبِ، فكان له، كأَغْصانِها ووَرَقِها، ولَبَنِ الشّاةِ ونَسْلِها. وقال القاضي: هي لمالِكِ الأرضِ إن أدْرَكَها في الغِراسِ؛ لأن أحْمدَ قال في رِوايَةِ عليٍّ بنِ سعيدٍ: إذا غَصَب أرْضًا فغَرَسَها، فالنَّماءُ لمالِكِ الأرْضِ. قال القاضِي: وعليه مِن النَّفَقَةِ ما أَنْفَقَه الغارِسُ مِن مُؤْنَةِ الثَّمَرَةِ؛ لأنَّ الثَّمَرَةَ في مَعْنَى الزَّرْعِ، فكان لصاحِبِ الأرْضِ إذا أدْرَكَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قائِمًا فيها، كالزَّرْعِ. قال شيخُنا (1): والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ أحمدَ قد صَرحَ بأنَّ أَخْذَ رَبِّ الأرْضِ الزَّرْعَ شيءٌ لا يُوافِقُ القِياسَ، وإنَّما صار إليه للأثَرِ، فيَخْتَصُّ الحُكْمُ به، ولا يُعَدَّى (2) إلى غيرِه، ولأنَّ الثَّمَرةَ تُفارِقُ الزَّرْعَ مِن وَجْهين؛ أحَدُهما، أنَّ الزَّرْعَ نَماءُ الأرْضِ، فكان لصاحِبِها، والثَّمرةُ نَماءُ الشَّجَرِ، فكانت لصاحِبِه. الثاني، أنَّه يَرُدُّ عِوَضَ الزَّرْعِ إذا أخَذَه، مثلَ البَذْرِ الذي نَبتَ منه الزَّرْعُ، مع ما أنْفَقَ عليه، ولا يُمْكِنُه مثلُ ذلك في الثَّمَرَةِ.
(1) في: المغني 7/ 379.
(2)
في م: «يتعدى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن غَصَب شَجَرًا فأَثْمَرَ، فالثَّمَرُ لصاحِبِ الشَّجَرِ، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّه نَماءُ مِلْكِه، ولأنَّ الشَّجَرَ عَينُ مِلْكِه نَمَا وزَادَ، فأشْبَهَ ما لو طالتْ أغْصانُه. ويَرُدُّ الثَّمَرَ إن كان باقِيًا، وبَدَلَه إن تَلِفَ، وإن كان رُطَبًا فصار تَمْرًا، أو عِنَبًا فصار زَبِيبًا، فعليه رَدُّه وأرْشُ نَقْصِه إن نقَص، ولا شيءَ له بعَمَلِه فيه، ولا أُجْرَةَ عليه للشَّجَرِ؛ لأنَّ أُجْرَتَها لا تَجُوزُ في العُقُودِ، فكذلك في الغَصْبِ، ولأن نَفْعَ الشَّجَرِ تَربِيَةُ الثَّمَرِ وإخْراجُه، وقد عادتْ هذه المَنافِعُ إلى المالِكِ. ولو كانت ماشِيَةً، فعليه ضَمان وَلَدِها إن وَلَدتْ عندَه، وضَمانُ لَبَنِها بمثلِه؛ لأنَّه مِن ذَواتِ الأَمْثالِ، ويَضْمَنُ أوبارَها وأَشْعارَها بمثلِه، كالقُطْنِ. وفي ضَمانِ زَوائِدِ الغَصْبِ المُنْفَصِلَةِ اخْتِلافٌ نذكُرُه فيما يأتِي إن شَاءَ الله تَعالى.