الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ إلا أنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا، فَتَكُونَ لِوَارِثِهِ.
ــ
2418 - مسألة: (وَإنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ إلا أنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا، فَتَكُونَ لِوَارِثِهِ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الشَّفِيعَ إذا ماتَ قبلَ الأخْذِ بالشُّفْعَةِ، فإن كان قبلَ الطَّلَبِ بها، سَقَطَتْ، ولا يَنْتَقِلُ إلى الوَرَثَةِ. قال أحمدُ: الموتُ يَبْطُلُ به ثلاثةُ أشْياءَ؛ الشُّفْعَةُ، والحَدُّ إذا ماتَ المَقْذُوفُ، والخِيارُ إذا ماتَ الَّذي اشْتَرَطَ الخِيَارَ، لم يَكُنْ للوَرَثَةِ هذه الثلاثةُ أشياء (1)، إنَّما هي بالطَّلَبِ، فإذا لم يَطْلُبْ، فليس تَجِبُ، إلَّا أن يُشْهِدَ أنِّي على حَقِّي مِن كذا وكذا، وأنِّي قد طَلَبْتُه. فإن ماتَ بعدَه، كان لوارِثِه الطَّلَبُ به. رُوِيَ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ بالمَوْتِ عن الحَسَنِ، وابنِ
(1) في م: «أيضًا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سِيرِينَ، والشَّعْبِيِّ، والنَّخَعِيِّ. وبه قال الثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ، وأصحابُ الرَّأْي. وقال مالكٌ، والشافعيُّ، والعَنْبَرِيُّ: يُورَثُ. قال أبو الخَطَّابِ: ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك؛ لأنَّه خِيَارٌ ثابِتٌ لدَفْعِ الضَّرَرِ عن المالِ، فيُورَثُ، كخِيارِ الرَّدِّ بالعَيبِ. ولَنا، أنَّه حَقُّ فَسْخٍ ثَبَت لا لفواتِ جُزْءٍ، فلم يُورَثْ، كالرُّجُوعِ في الهِبَةِ، ولأنّه نوْعُ خِيَارٍ جُعِل للتَّمْلِيكِ، أشْبَهَ خِيارَ القَبُولِ، فأمّا خِيارُ الردِّ بالعَيبِ، فإنَّه لاسْتِدْراكِ جُزْءٍ فاتَ مِن المَبِيعِ.
فصل: فإن ماتَ بعدَ طَلَب الشُّفْعَةِ، انْتَقَلَ حَقُّ المُطالبَةِ بالشُّفْعَةِ إلى الوَرَثةِ، قَوْلًا واحِدًا. ذَكَرَه أبو الخَطَّابِ. وقد ذَكَرْنا نَصَّ أحمدَ عليه؛ لأنَّ الحَقَّ يَتَقَررُ بالطَّلَبِ، ولذلك لا يَسْقُطُ بتَأْخِيرِ الأَخذِ (1) بعدَه، وقبلَه يَسْقُطُ. وقال القاضي: يَصِيرُ الشِّقْصُ مِلْكًا للشَّفِيعِ بنَفْسِ المُطالبَةِ. والأوَّلُ أصَحُّ، فإنَّه لو صارَ مِلْكًا للشَّفِيعِ، لم يَصِحَّ العَفْوُ عن الشُّفْعَةِ بعدَ طَلَبِها، كما لا يَصِحُّ العَفْوُ عنها بعدَ الأخذِ بها. فإذا ثَبَت هذا، فإنَّ الحَقَّ يَنْتَقِلُ إلى جَمِيعِ الوَرَثَةِ على قَدْرِ إرْثهم؛ لأنَّه حَقٌّ مالِيٌّ مَوْرُوثٌ،
(1) في م: «الحق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَنْتَقِلُ إلى الجَمِيعِ، كسائِرِ الحقُوقِ الماليةِ، وسَواءٌ قُلْنا: الشُّفْعَةُ على قَدْرِ الأمْلاكِ. أو: على عَدَدِ الرُّءُوسِ. لأنَّ هذا يَنْتَقِلُ إليهم مِن مَوْرُوثِهم. فإن تَرَك بعضُ الوَرَثَةِ حَقَّه، تَوَفَّرَ الحَقُّ على باقِي الوَرَثَةِ، ولم يَكُنْ لهم إلَّا أن يَأْخُذُوا الكُلَّ، أو يَتْرُكُوا كالشُّفَعاءِ إذا عَفَا بعضُهم عن شُفْعَتِه، لأنَّا لو جَوَّزْنا أخْذَ بعضِ الشِّقْصِ، لتَشَقَّصَ المَبِيعُ وتَبَعَّضَت الصَّفْقَةُ على المُشْتَرِي، وهذا ضَرَرٌ في حَقِّه.
فصل: وإن أشْهَدَ الشَّفِيعُ على مُطالبَتِه بها للعُذْرِ، ثم ماتَ، لم تَبْطُلْ، وللوَرَثَةِ المُطالبَةُ بها. نَصَّ عليه أحمدُ، لأنَّ الإِشْهادَ على الطَّلَبِ عندَ العَجْزِ عنه يَقُومُ مَقامَه، فلم تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ بالمَوْتِ بعدَه، كنَفْسِ الطَّلَبِ.
فصل: وإذا بِيعَ شِقْصٌ له شَفِيعان، فعَفَا عنها أحَدُهما وطالبَ بها الآخَرُ، ثم ماتَ الطالِبُ، فوَرِثَه العافِي، فله أخْذُ الشِّقْصِ بها؛ لأنَّه وارِثٌ لشَفِيعٍ مُطالِبٍ بالشُّفْعَةِ، فمَلَكَ الأخْذَ بها، كالأجْنَبِيِّ. وكذلك لو قَذَفَ رجلٌ أُمَّهُما وهي مَيِّتَةٌ، فعَفا أحَدُهما وطَلَب الآخَرُ، ثم ماتَ الطالِبُ، فوَرِثَه العافِي، ثَبَت له اسْتِيفاؤُه بالنِّيابَةِ عن أخِيه المَيِّتِ، إذا قُلْنا بوُجُوبِ الحَدِّ بقَذفِها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو ماتَ مُفْلِسٌ وله شِقْصٌ، فباعَ شَرِيكُه، كان لوَرَثَتِه الشُّفْعَةُ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: لا شُفْعَةَ لهم؛ لأنَّ الحَقَّ انْتَقَلَ إلى الغُرَماءِ. ولَنا، أنَّه بَيعٌ في شَرِكَةِ ما خَلَّفَه مَوْرُوثُهُم مِن (1) شِقْصٍ، فكان لهم المُطالبَةُ بشُفْعَتِه، كغيرِ المُفْلِسِ. ولا نُسَلِّمُ أنَّ التَّرِكَةَ انْتَقَلَتْ إلى الغُرماءِ، بل هي للوَرَثَةِ، بدَلِيلِ أنَّها لو نَمَتْ أو زادَ ثَمَنُها، لحُسِبَ على الغُرَماءِ في قَضَاءِ دُيُونِهم، وإنَّما تَعَلَّقَ حَقُّهُم به، فلم يَمْنَع ذلك مِن الشُّفْعَةِ، كما لو كان لرجل شِقْصٌ مَرْهُونٌ، فباعَ شَرِيكُه، فإنَّه يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ به. ولو كانت للمَيِّتِ دارٌ، فبِيعَ بعضُها في قَضاءِ دَينِه، لم يَكُنْ للوَرَثَةِ شُفْعَةٌ؛ لأنَّ البَيعَ يَقَعُ لهم، فلا يَسْتَحِقُّونَ الشُّفْعَةَ على أنْفُسِهم. ولو كان الوارِثُ شَرِيكًا للمَوْرُوثِ فباعَ نَصِيبَ المَوْرُوثِ في دَينِه، فلا شُفْعَةَ أيضًا؛ لأنَّ نَصِيبَ المَوْرُوثِ انْتَقَلَ بمَوْتِه إلى الوارِثِ، فإذا بِيعَ، فقد بِيعَ مِلْكُه، فلا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ على نَفْسِه.
(1) زيادة من: المغني 7/ 512.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا، ووَصَّى به، ثم ماتَ، فللشَّفِيعٍ أخْذُه بالشُّفْعَةِ؛ لأنَّ حَقَّه أسْبَقُ مِن حَقِّ المُوصَى له، فإذا أخَذَه، دَفع الثَّمَنَ إلى الوَرَثَةِ، وبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّ المُوصَى به ذَهَب، فبَطَلَتِ الوَصِيَّةُ به، كما لو تَلِفَ، ولا يَسْتَحِقُّ المُوصَى له بَدَلَه؛ لأنَّه لم يُوصَ له إلَّا بالشِّقْصِ، وقد فاتَ بأَخْذِه. ولو وَصَّى رجلٌ لإِنسانٍ بشِقصٍ، ثم ماتَ، فبِيعَ في شَرِكَتِه شَقْصٌ قبلَ قَبُولِ المُوصَى له، فالشُّفْعَةُ للوَرَثَةِ في الصَّحِيح؛ لأنَّ المُوصَى به لا يَصيرُ للمُوصَى له إلَّا بعدَ القَبُولِ، ولمِ يُوجَدْ، فيكونُ باقِيًا على مِلْكِ الوَرَثَةِ ويَحْتَمِلُ أن يكون للمُوصَى له (1)، إذا قُلْنا: إنَّ المِلْكَ يَنْتَقِل إليه بمُجَرَّدِ المَوْتِ. فإذا قَبِلَ الوَصِيَّةَ اسْتَحَقَّ المُطالبَةَ؛ لأنَّا تَبَيَّنَا أنَّ المِلْكَ كان له، فكان المَبِيعُ في شَرِكَتِه. ولا يَسْتَحِقُّ المُطالبَةَ قبلَ القَبُولِ، لأنَّا لا نَعْلَمُ أنَّ المِلْكَ له قبلَ القَبُولِ، وإنَّما يَتَبَيَّنُ ذلك بقَبُولِه، فإن قَبِل تَبَيَّنَا أنَّه كان له، وإن رَدَّ تَبَيَّنَا أنَّه كان للوَرَثَةِ، ولا يَسْتَحِقُّ الوَرَثَةُ المُطالبَةَ أيضًا؛ لذلك. ويَحْتَمِلُ أنَّ لهم المُطالبَةَ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ القَبُولِ وبَقاءُ الحَقِّ لهم. ويُفارِقُ المُوصَى له مِن وَجْهَين؛ أحَدُهما، أنَّ الأصْلَ عَدَمُ القَبُولِ منه. والثاني، أنَّه يُمْكِنُه
(1) زيادة من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أن يَقْبَلَ ثم يُطالِبَ، بخِلافِ الوارِثِ؛ فإنَّه لا سَبِيلَ له إلى فِعْلِ ما يَعْلَمُ به ثُبُوتَ المِلْكِ له أو لغيرِه. فإذَا طالبوا ثم قَبلَ الوَصِيُّ الوَصِيَّةَ، كانتِ الشُّفْعَةُ له، ويَفْتَقِرُ إلى الطَّلَبِ منه؛ لأنَّ الطَّلَبَ الأوَّلَ تَبَيَّنَ أنَّه مِن غيرِ، المُسْتَحِقِّ. وإن قُلْنا بالرِّوايَةِ الأُولَى، فطالبَ الوَرَثَةُ بالشُّفْعَةِ، فلهم الأَخْذُ بها، وإذا قَبِلَ (1) الوَصِيُّ أخْذَ الشِّقْصِ المُوصَى به دُونَ الشِّقْصِ المَشْفُوعِ؛ لأنَّ الشِّقْصَ المُوصَى به إنَّما انْتَقَلَ إليه بعدَ الأخْذِ بشُفْعَتِه، فأشْبَهَ ما لو أخَذَ بها المُوصِي في حَياتِه. وإن لم يُطالِبُوا بالشُّفْعَةِ حتَّى قَبِلَ المُوصَى له، فلا شُفْعَةَ له؛ لأنَّ البَيعَ وَقَع قبلَ ثُبُوتِ المِلْكِ له وحُصُولِ شَرِكَتِه. وفي ثُبُوتِها للوَرَثَةِ وَجْهانِ، بِنَاءً على ما لو باعَ الشَّفِيعُ نَصِيبَه قبلَ عِلْمِه بِبَيعِ شَرِيكِه.
فصل: ولو اشْترَى رجلٌ شِقْصًا ثم ارْتَدَّ، فقُتِلَ أَوْ ماتَ، فللشَّفِيعِ أخْذُه بالشُّفْعَةِ؛ لأنَّها وَجَبَتْ بالشِّراءِ، وانْتِقالُه إلى المُسْلِمِين بقَتْلِه أو مَوْتِه لا يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ، كما لو ماتَ على الإسْلامِ فوَرِثَه وَرَثَتُه، أو صار مالُه لبَيتِ المَالِ لعَدَمِ وَرَثَتِه، والمُطالِبُ بالشُّفْعَةِ وَكِيلُ بَيتِ المالِ.
(1) في ر 1: «قيل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا اشْتَرَى المُرْتَدُّ شِقْصًا، فتَصَرُّفُه مَوْقُوفٌ، فإنْ قُتِلَ على رِدَّتِه أو ماتَ عليها، تَبَيَّنَا أنَّ شِراءَه باطِلٌ، ولا شُفْعَةَ فيه، وإن أسْلَمَ، تَبَيَّنَا صِحَّتَه وثُبُوتَ الشُّفْعَةِ فيه. وقال أبو بكرٍ: تَصَرُّفُه غيرُ صَحِيح في الحالين؛ لأنَّ مِلْكَه يَزُولُ برِدَّتِه، فإذا أسْلَمَ عادَ إليه تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا. وقال الشافعيُّ، وأبو يُوسُفَ: تَصَرُّفُه صَحِيحٌ في الحالينِ، وتَجِبُ الشُّفْعَةُ [فيه. ومَبْنَى الشُّفْعَةِ](1) ههُنا على صِحَّةِ تصَرُّفِ المُرْتَدِّ، ويُذْكَرُ في غيرِ هذا المَوْضِعِ. وإن بِيعَ شِقْصٌ في شَرِكَةِ المُرْتَدِّ، وكان المُشْتَرِي كافِرًا، فأَخذَه بالشُّفْعَةِ، انْبَنَى على ذلك أيضًا؛ لأنَّ أخْذَه بالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ للشِّقْصِ مِن المُشْتَرِي، فأشْبَهَ شِراءَه لغيرِه. وإن ارْتَدَّ الشَّفِيعُ المُسْلِمُ، وقُتِلَ، بالرِّدَّةِ أو ماتَ عليها، انْتَقَلَ مالُه إلى المسْلِمِينَ فإن كان طالبَ بالشُّفْعَةِ، انْتَقَلَتْ أيضًا إلى المسْلِمِين، يَنْظُرُ فيها الإِمامُ أو نَائِبُه. وإن قُتِلِ أو مات قَبْلَ طَلَبِها، بَطَلَتْ شُفْعَتُه، كما لو ماتَ على إسْلامِه. ولو مات، الشَّفِيعُ المُسْلِمُ ولم يُخَلِّفْ وارِثًا سِوَى بَيتِ المالِ، انْتَقَلَ نَصِيبُه إلى المُسْلِمِينَ إن ماتَ بعدَ الطَّلَبِ، وإلَّا فلا.
(1) سقط من: الأصل.
فَصْلٌ: وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أوْ عَنْ بَعْضِهِ، سَقَطَتْ شُفعَتُهُ.
ــ
فصل: قال، رحمه الله:(ويَأْخُذُ الشَّفِيعُ بالثَّمَنِ الَّذي وَقَعَ عليه العَقْدُ، فإن عَجَز عنه أو عن بَعْضِه، سَقَطَتْ شُفْعَتُه) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ مِن المُشْتَرِي بالثَّمَنِ الَّذي اسْتَقَرَّ عليه العَقْدُ؛ لِما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُوِيَ في حَدِيثِ جابِرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«هُوَ أحَقُّ بِهِ بالثَّمَنَ» (1). رَواه الجُوزْجَانِيُّ في «كِتابِه» . ولأنَّ الشَّفِيعَ إنَّما اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بالبَيعِ، فكان مُسْتَحِقًّا له بالثَّمَنِ، كالمُشْتَرِي. فإن قِيلَ: إنَّ الشَّفِيعَ اسْتَحَقَّ أخْذَه بغيرِ رِضا مالِكِه، فيَنْبَغِي أن يَأْخُذَه بقِيمَتِه، كالمُضْطَرِّ يَأْخُذُ طَعامَ غيرِه. قُلْنا: المُضْطَرُّ اسْتَحَقَّ أخْذَه بسَبَبِ حاجَةٍ خاصَّةٍ، فكانَ المَرْجِعُ في بَدَلِه إلى قِيمَتِه، والشَّفِيعُ اسْتَحَقَّه لأجْلِ البَيعِ. ولهذا لو انْتَقَلَ بهِبَةٍ أو مِيراثٍ، لم يَسْتَحِقَّ الشُّفْعَةَ، وإذا اسْتَحَقَّ ذلك بالبَيعِ، وَجَب أن يكونَ بالعِوَضِ الثابِتِ بالبَيعِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّنا نَنْظُرُ في الثَّمَنِ، فإن كان دَرَاهِمَ أو دَنانِيرَ، أعْطاه الشَّفِيعُ مِثْلَه.
(1) هذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 310، 382. وضعفه الألباني. انظر: إرواء الغليل 5/ 374.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَأْخُذُ بالشُّفْعَةِ مَن لا يَقْدِرُ على الثَّمَنِ؛ لأنَّ في أَخْذِه بدُونِ دَفْعِ الثَّمَنِ إضْرارًا بالمُشْتَرِي، ولا يُزالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، فإن أحْضَرَ رَهْنًا أو ضَمِينًا، لم يَلْزَمِ المُشْتَرِيَ قَبُولُه؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا في تَأْخِيرِ الثَّمَنِ، فلم يَلْزَمِ المُشْتَرِيَ ذلك، كما لو أرادَ تَأْخِيرِ ثَمَنٍ حالٍّ. وإنْ بَذَل عِوَضًا عن الثَّمَنِ، لم يَلْزَمْه قَبُولُه؛ لأنَّها مُعاوَضَةٌ، فلم يُجْبَرْ عليها. وإذا أخَذَ بالشُّفْعَةِ، لم يَلْزَمِ المُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ حتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فإن كان مَوْجُودًا سَلَّمَه، وإن تَعَذَّرَ في الحالِ، فقال أحمدُ، في رِوايَةِ حَرْبٍ: يُنْظَرُ الشَّفِيعُ يَوْمًا أو يَوْمَين، بقَدْرِ ما يَرَى الحاكِمُ، فإذا كان أكَثَر، فلا. وهذا قولُ مالكٍ. وقال، ابن شُبْرُمَةَ، وأصحابُ الشافعيِّ: يُنْظَرُ ثَلاثًا؛ لأنَّها آخِرُ حَدِّ القِلَّةِ، فإن أحْضَرَ الثَّمَنَ، وإلَّا فَسَخ عليه. وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه: لا يَأْخُذُ بالشُّفْعَةِ، ولا يَقْضي القاضِي بها حتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بغيرِ اخْتِيارِ المُشْتَرِي، فلا يَسْتَحِقُّ. ذلك إلَّا بإحْضارِ عِوَضِه، كتَسْلِيمِ المَبِيعِ. ولَنا، أنَّه تَمَلّكٌ للمَبِيعِ بعِوَضٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا يَقِفُ على إحْضارِ العِوَضِ، كالبَيعِ، وأمّا التَّسْلِيمُ في البَيعِ، فالتَّسْلِيمُ في الشُّفْعَةِ مثلُه، وكَوْنُ الأخْذِ بغيرِ اخْتِيارِ المُشْتَرِي يَدُلُّ على قُوَّتِه، فلا يَمْنَعُ مِن اعْتِبارِه في الصِّحَّةِ، ومتى أجَّلْناه مُدَّةً فأحْضَرَ الثَّمَنَ فيها، وإلَّا فَسَخ الحاكِمُ الأخْذَ ورَدَّه إلى المُشْتَرِي. وكذا لو هَرَب الشَّفِيعُ بعدَ الأخْذِ. قال شيخُنا (1): والأُوْلَى أنَّ للمُشْتَرِي الفَسْخَ مِن غيرِ حاكِمٍ؛ لأنَّه فاتَ شَرْطُ الأَخْذِ، ولأنَّه تَعَذَّرَ على البائِعِ الوُصُولُ إلى الثَّمَنِ، فمَلَكَ الفَسْخَ، كغيرِ مَن أُخِذَتِ الشُّفْعَةُ منه، وكما لو أفْلَسَ الشَّفِيعُ، والشُّفْعَةُ لا تَقِفُ على حُكْمِ الحاكِمِ، فلا يَقِفُ فَسْخُ الأخْذِ بها على الحاكِمِ، كفَسْخِ غيرِها مِن البُيُوعِ، وكالرَّدِّ بالعَيبِ، ولأنَّ وَقْفَ ذلك على الحاكِمِ يُفْضِي إلى الضَّرَرِ بالمُشْتَرِي؛ لأنَّه قد يَتَعَذَّرُ عليه إثْباتُ ما يَدَّعِيه، وقد يَصْعُبُ عليه حُضُورُ مَجْلِسِ الحاكِمِ لبُعْدِه أو غيرِ ذلك، فلا يُشْرَعُ فيها ما يُفضِي إلى الضَّرَرِ، ولأنَّه لو وَقَفَ الأمْرُ على الحاكِمِ، لم يَمْلِكِ الأخْذَ إلَّا بعد إحْضارِ الثَّمَنِ، لئلَّا يُفْضِيَ إلى هذا الضَّرَرِ. وإن أفْلَسَ الشَّفِيعُ، خُيِّرَ المُشْتَرِي بينَ الفَسْخِ وبينَ أن يَضْرِبَ مع الغُرَماءِ بالثَّمَنِ، كالبائِعِ إذا أفْلَسَ المُشْتَرِي.
(1) في: المغني 7/ 484، 485.