الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِر عَلَى مُسْلِم.
ــ
أخِيه. ولو خَلَّف ابْنَين [وأوْصَى](1) بثُلُثِه لاثْنَين، فباعَ أحَدُ (2) الوَصِيِّين، أو أحَدُ الابنَين، فالشُّفْعَةُ بينَ شُرَكائِه كلِّهم. ولمُخَالِفِينا في هذه المسائِل اخْتِلافٌ يَطُولُ ذِكْرُه.
2430 - مسألة: (ولا شُفْعَةَ لكافِر على مُسْلِم)
رُوِيَ ذلك عن الحَسَنِ، والشَّعْبِيِّ. وقال الثَّوْرِيُّ، ومالكٌ، والشّافعيّ، وأصحابُ الرَّأي، وجَماعَة مِن أهلِ العِلْمِ: تَجبُ له الشُّفْعَةُ؛ لعمُومِ قولِه عليه السلام: «لَا يَحِل لَهُ أن يبيعَ حَتَّى يَسْتَأذِنَ شَرِيكَه، وَإنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ، فَهُوَ أحقُّ بِهِ» (3). ولأنَّه خِيَارٌ ثَابِت لدَفْعِ الضَّرَرِ بالشِّراءِ، فاسْتَوَى فيه المُسْلِمُ والكافِرُ، كالرَّدِّ بالعَيبِ. ولَنا، ما روَى الدَّارقُطنيُّ، في كِتابِ «العِلَلِ» ، بإسْنادِه عن أنس، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا شُفْعَةَ
(1) في م: «أو وصى» .
(2)
بعده في م: «الشريكين» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 357.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِنَصْرَانِيٍّ» (1). وهذا يَخُصُّ عُمُومَ ما احْتَجُّوا به. ولأنَّه مَعْنًى يَخْتَصُّ العَقارَ، فأشْبَهَ الاسْتِعلاءَ في البُنْيانِ، يُحَقِّقُه أن الشُّفْعَةَ إنَّما تثْبُتُ للمُسْلِمِ دَفْعًا للضرَرِ عن مِلْكِه، وقُدِّمَ دَفْعُ ضَرَرِه على دَفْعِ ضَرَرِ المُشْتَرِي، ولا يَلْزَمُ مِن تَقْدِيمِ دَفْعِ ضَرَرِ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ تَقْدِيمُ دَفْعِ ضَرَرِ الذِّمِّيِّ، فإنَّ حَقَّ المُسْلِمِ أرْجَحُ، ورِعايَتَه أوْلَى، ولأن ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ في مَحَلِّ الإجْماعِ على خِلافِ الأصْلِ، رِعايَة لحَقِّ الشَّرِيكِ المسلمِ، وليس الذِّمِّي في مَعْنَى المسلمِ، فيَبْقَى فيه على مُقْتَضَى الأصْلِ. وتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ للمسلمِ على الذِّمِّيِّ؛ لعُمُومِ الأدِلَّةِ، ولأنَّها إذا ثَبَتَتْ للمسلمِ على المسلمِ مع عِظَمِ حُرْمَتِه، فلأنْ تَثْبُتَ على الذِّمِّيِّ مع دَنَاءته أوْلَى.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/ 108، 109. وصوب أنَّه من قول الحسن البصري. وكذلك الدارقطني. وانظر إرواء الغليل 5/ 374.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وتَثْبُتُ للذِّمِّيِّ على الذِّمِّيِّ؛ لعُمُومِ الأخْبارِ، ولأنَّهما تَساوَيَا في الدِّينِ، فتَثْبُتُ لأحَدِهما على الآخرِ، كالمُسْلِمَينِ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. فإن تَبايَعُوا بخَمْر أو خِنْزِير، وأخَذَ الشَّفِيعُ بذلك، لم يُنْقَضْ ما فعلُوه. وإن جَرَى التَّقابُضُ بينَ المُتَبايِعَين دُونَ الشَّفِيعِ، وتَرافَعُوا إلينا، لم نَحْكُمْ له بالشُّفْعَةِ. وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو الخَطَّابِ: إن تَبايَعُوا بخَمْرٍ، وقُلْنا: هي مالٌ لهم. حَكَمْنا له (1) بالشُّفْعَةِ. وقال أبو حنيفةَ: تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ إذا كان الثَّمَنُ خَمْرًا؛ لأنَّها مالٌ لهم، فأشْبَهَ ما لو تَبايَعُوا بدَرَاهِمَ، لكنْ إن كان الشَّفِيعُ ذِمِّيًّا، أخَذَه بمِثْلِه، وإن كان مُسْلِمًا، أخَذَه بقِيمَةِ الخَمْرِ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ بخَمْر، فلم تَثْبُتْ فيه الشُّفْعَةُ، كما لو كان بينَ مُسْلِمَين ولأنَّه عَقْدٌ بثَمَن مُحَرَّم، أشْبَهَ البَيعَ بالخِنْزِيرِ والمَيتَةِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الخَمْرَ مالٌ لهم (2)؛ فإن اللهَ تَعالى حَرَّمَه كما حَرَّمَ الخِنْزِيرَ، واعْتِقادُهُم حِلَّه لا يَجْعَلُه مالًا، كالخِنْزِيرِ، وإنَّما لم يُنْقَضْ عَقْدُهُم إذا تَقابَضُوا؛ لأنَّنا لا نَتَعَرَّضُ لما فَعَلُوه مِمَّا يَعْتَقِدُونه في دِينهم ما لم يَتَحاكَمُوا إلينا قبلَ تَمامِه، ولو تحاكَمُوا إلينا قبلَ التَّقابُضِ لَفَسَخْناه. فأمَّا أهْلُ البِدَعِ فتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لمَن حَكَمْنا بإسْلامِه منهم، كالفاسِقِ بالأفْعالِ؛ لعُمُوم الأدِلَّةِ التي ذَكَرْناها. وروَى حَرْبٌ عن أحمدَ، أنَّه سُئِلَ عن أصحابِ البِدَعِ، هل لهم شُفعَةٌ؟ وذُكِرَ له عن ابنِ إدْرِيسَ أنَّه قال:
(1) في م: «لهم» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس للرّافِضَةِ شُفْعَة؟ فضَحِكَ، وقال: أراد أن يُخْرِجَهُم مِن الإسْلامِ. فظاهِرُ هذا أنَّه أثْبَتَ لهم الشُّفْعَةَ، وهذا مَحْمُولٌ على غيرِ الغُلاةِ منهم، فأمَّا الغُلاةُ، كالمُعْتَقِدِ أنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ في الرِّسَالةِ فجاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنَّما أرْسِلَ إلى عليٍّ، ونحوه، ومَن حُكِمَ بكُفْرِه مِن الدُّعاةِ إلى القَوْلِ بخَلْقِ القرآنِ، فلا شُفْعَةَ له؛ لأنَّ الشُّفْعَةَ إذا لم تثْبُتْ للذِّمِّيِّ الذي يُقَرُّ على كُفْرِه، فغيرُه أوْلَى.
فصل: وتَثْبُتُ الشُّفعَةُ للبَدَويِّ على القَرَويِّ، وللقَرَويِّ على البَدَويِّ، في قولِ أكثرَ أهْلِ العِلْمِ. وقال الشَّعْبِيُّ، والبَتِّيُّ: لا شُفْعَةَ لمَن لم يَسْكُن المِصْرَ. وعُمُومُ الأدِلةِ واشْتِرِاكُها في المَعْنَى المُقْتَضِي لوُجُوبِ الشًّفْعَةِ يَدُلُّ على ثبوتِها لهم.
فصل: قال أحمدُ، في رِوايَةِ حَنْبَل: لا نَرَى في أرْضِ السَّوادِ شُفْعَةً؛ لأنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، وَقَفَها على المُسْلِمِينَ، فلا يَجُوزُ بَيعُها، والشُّفْعَةُ إنَّما تكونُ في البَيعِ. وكذلك الحُكْمُ في سائِرِ الأرْضِ التي وَقَفَها عمرُ، وهي التي فُتِحَتْ عَنْوَةً في زَمَنِه ولم يَقْسِمْها، كأرْضِ الشّامِ ومِصْرَ. وكذلك كلُّ أرْض فُتِحَتْ عَنْوَةً ولم تُقْسَمْ بينَ الغانِمِينَ، إلَّا أن يَحْكُمَ بِبَيعِها حاكِمٌ، أو يَفْعَلَه الإمامُ أو نائِبُه، فإن فَعَل ذلك ثَبَتَت فيه الشُّفْعَةُ؛ لأنَّه فَصْل مُخْتَلَفٌ فيه، ومتى حَكَم الحاكِمُ في المُخْتَلَفِ فيه بشيءٍ، نَفَذ حُكْمُه.