الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أقرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيعِ، وَأنكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجهَينَ.
ــ
وقولُهم: يَمْلِكُ بالمُطالبَةِ (1) بمُجَرَّدِها. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لو مَلَك بها لما سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ بالعَفْو بعدَ المُطالبَةِ، ولَوَجَبَ إذا كان له شَفِيعان فطَلَبَا الشُّفْعَةَ ثم تَرَك أحَدُهما، أن يكونَ للآخَرِ أخْذُ قَدْرِ نَصِيبه، ولا يَمْلِكُ أخْذَ نَصِيبِ صاحِبِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه إذا قال: قد أخذْتُ الشِّقْصَ بالثَّمَنِ الذي تَم عليه العَقْدُ. وهو عالِمٌ بقَدْرِه وبالمَبِيعِ، صَحَّ الأخْذُ، ومَلَك الشِّقْصَ، ولا خِيارَ له، ولا للمُشْتَرِي؛ لأنَّ الشِّقْصَ يُؤْخذُ قَهْرًا، والمَقْهُورُ لا خِيارَ له، والآخِذُ قَهْرًا لا خِيارَ له أيضًا، كمُسْتَرْجِعِ المَبِيعِ لعَيبٍ في ثَمَنِه، أو الثَّمَنِ لعَيبٍ في المَبِيعِ. وإن كان الثَّمَنُ مَجْهُولًا أو الشِّقْصُ، لم يَمْلِكْه بذلك، لأنَّه بَيعٌ في الحَقِيقَةِ، فيُعْتَبَرُ العِلْمُ بالعِوَضِ، كسائِرِ البُيُوعِ، وله المُطالبَةُ بالشُّفْعَةِ، ثم يَتَعَرَّفُ مِقْدارَ الثَّمَن مِن المُشْتَرِي أو مِن غيرِه، والمَبِيعَ، فيَأخُذُه بثَمَنِه. ويَحْتَمِلُ أنَّ له الأخْذَ مع جَهالةِ الشِّقْصِ، بِناءً على بَيعِ الغائِبِ.
2426 - مسألة: (وإن أقَرَّ البائِعُ بالبَيعِ، وأنْكَرَ المُشْتَرِي، فهل تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ على وَجْهَين)
أحَدُهما، تَجِبُ الشُّفْعَةُ. وهو قولُ أبي
(1) في م: «المطالبة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حنيفةَ، والمُزَنِيِّ. والثاني، لا تَجِبُ. ونَصَرَه الشَّرِيفُ أبو جَعْفَر في «مَسائِلِه» . وهو قولُ مالكٍ، وابنِ شُرَيح؛ لأنَّ الشُّفْعَةَ فَرْعٌ للبَيعِ، ولم يَثْبُتْ، فلا يَثْبُتُ فَرْعُه، ولأنَّ الشَّفِيعَ إنَّما يَأخُذُ الشِّقْصَ مِن المُشْتري، وإذا أنْكَرَ البَيعَ لم يُمْكِنِ الأخْذُ منه. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّ البائِعَ أقَرَّ بحَقَّين، حَقٍّ للشَّفِيعِ وحَقِّ للمُشْتَرِي، فإذا سَقَطَ حَقُّ المُشْتَرِي بإنْكاره، ثَبَت حَقُّ الشَّفِيعِ، كما لو أقَرَّ بدارٍ لرَجُلَين فأذْكَرَ أحَدُهما، ولأنَّه أقَرَّ للشَّفِيعِ أنَّه مُسْتَحِقٌّ لأخْذِ هذه الدّارِ، والشَّفِيعُ يَدَّعِي ذلك، فوَجَبَ قَبُولُه، كما لو أقَرَّ أنَّها مِلْكُهُ. فعلى هذا، يَقْبِضُ الشَّفِيعُ مِن البائِعِ، ويُسَلِّمُ إليه الثَّمَنَ، ويكونُ دَرَكُ الشَّفِيعِ على البائِعِ؛ لأنَّ القَبْضَ منه، ولم يَثْبُتِ الشِّراءُ في حَقِّ المُشْتَرِي. وليس للشَّفِيعِ ولا للبائِع مُحاكَمَةُ المُشْتَرِي ليَثْبُتَ البَيعُ في حَقِّه، وتكونَ العُهْدَةُ عليه؛ لأنَّ مَقْصُودَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البائِعِ الثَّمَنُ، وقد حَصَل مِن الشَّفِيعِ، ومَقْصُودَ الشَّفِيعِ أخْذُ الشِّقْصِ وضَمانُ العُهْدَةِ، وقد حَصَل مِن البائِع، فلا فائِدَةَ في المُحاكَمَةِ. فإن قِيلَ: أليس لو ادَّعَى علي رجُل دَينًا، فقال آخَرُ: أنا أدْفَعُ إليك الدَّينَ الذي تَدَّعِيه، ولا تُخاصِمْه. لا يَلزَمُه قَبُولُه، فهَلَّا قُلْتُم ههُنا كذلك؟ قُلْنا: في الدَّينِ عليه مِنَّةٌ في قَبُولِه مِن غيرِ غَرِيمِه، وههُنا بخِلافِه، ولأنَّ البائِعَ يَدَّعِي أنَّ الثَّمَنَ الذي يَدْفَعُه الشَّفِيعُ حَق للمُشْتَرِي عِوَضًا عن هذا المَبِيعِ (1)، فصار كالنّائِبِ عن المُشْتَرِي في دَفْعِ الثَّمَنِ، والبائِعُ كالنّائِبِ عنه في دَفْعِ الشِّقْصِ، بخِلافِ الدَّينِ، فإن كان البائِعُ مُقِرًّا بقَبْضِ الثَّمَنِ مِن المُشْتَرِي، بَقِيَ الثَّمَنُ الذي على الشَّفِيعِ لا يَدَّعِيه أحَدٌ؛ لأنَّ البائِعَ يقولُ: هو للمُشْتَرِي. والمُشْتَرِي يقولُ: لا أسْتَحِقه. ففيه
(1) في م: «البيع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحَدُها، أن يُقال للمُشْتَرِي: إمّا أن تَقْبِضَه، وإمّا أن تُبْرِئ منه. والثاني، يَأخُذُه الحاكِمُ عندَه. والثالثُ، يَبْقَى في ذِمَّةِ الشَّفِيعِ. وفي جَمِيعِ ذلك مَتَى ادَّعاه البائِعُ أو المُشْتَرِي، دُفِعَ إليه؛ لأَنه لأحَدِهما. وإن تَداعَياه جَمِيعًا، فأقَرَّ المُشْتَرِي بالبَيعِ، وأنْكَرَ البائِعُ أنَّه ما قَبَض منه شيئًا، فهو للمُشْتَرِي؛ لأنَّ البائِعَ قد أقَرَّ له به، ولأنَّ البائِعَ إذا أنْكَرَ القَبْضَ، لم يَكُنْ مُدَّعِيًا لهذا الثَّمَنِ؛ لأنَّ البائِعَ لا يَسْتَحِقُّ على الشَّفِيعِ ثَمَنًا، إنَّما يَسْتَحِقُّه على المُشْتَرِي، وقد أقَرَّ بالقَبْضِ منه، وأمّا المُشْتَرِي فإنَّه يَدَّعِيه، وقد أقَرَّ له باسْتِحْقاقِه، فوَجَبَ دَفْعُه إليه.