الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا، أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ، وَتَسْويَةِ الأرْضَ وَأَرْشَ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا.
ــ
2300 - مسألة: (وإن غَرَس أو بَنَى، أُخِذَ بقَلْعِ غَرْسِه وبِنائِه، وتَسْويَةِ الأرْضِ وأَرْشِ نَقْصِها وأُجْرَتِها)
متى غَرَس في أرضِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، أو بَنَى فيها، وطَلَب صاحِبُ الأرضِ قَلْعَ غِراسِه وبنائِه، لَزِم الغاصِبَ ذلك. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لما روَى سعيدُ بنُ زَيدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيلٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَيسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» . رَواه التِّرْمِذِيُّ (1) وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وروَى أبو داودَ، وأبو عُبَيدٍ في الحَدِيثِ أنَّه قال: فلقد أخْبَرنِي الذي حَدَّثَنِي هذا الحَدِيثَ أنَّ رجلًا غَرَس في أرْضِ. رجل مِن الأنْصارِ، مِن بَنِي بَيَاضةَ، فاخْتَصَما إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَضَى للرَّجُلِ بأَرْضه، وقَضَى للآخَرِ أن يَنْزِعَ نَخْلَه. قال: فلقد رَأَيتُها يُضْرَبُ في أصُولِها بالفئوس، وإنَّها لَنَخْلٌ عُمٌّ (2). ولأنَّه شَغَل مِلْكَ غيرِه
(1) تقدم تخريجه في 13/ 299.
(2)
أخرجه أبو داود في التخريج السابق. وأبو عبيد، في: غريب الحديث 1/ 296.
وعُمٌّ: أي طوال. اللسان (ع م م).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمِلْكِه الذي لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه بغيرِ إذْنِه، فلَزِمَه تَفرْيِغُه، كما لو جَعَل فيه قُمَاشًا. وإذا قَلَعَها، لَزِمَهُ تَسْويَة الحَفْرِ، وَرَدُّ الأرْضِ إلى ما كانت عليه؛ لأنَّه ضَرَرٌ حَصَل في مِلْكِ غيرِه بفِعْلِه، فلَزِمَتْه إزالتُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أرادَ صاحِبُ الأرْضِ أخْذَ الشَّجَرِ والبِناءِ بغيرِ عِوَضٍ، لم يَكُنْ له ذلك؛ لأنَّه عَينُ مالِ الغاصِبِ، فلم يَمْلِكْ صاحِبُ الأرضِ أخْذَه، كما لو وَضَع فيها أَثَاثًا أو حَيَوانًا. وإن طَلَب أخْذَه بقِيمَتِه، وأبَى مالِكُه إلَّا (1) القَلْعَ، فله ذلك؛ لأنَّه مِلْكُه، فمَلَكَ نَقْلَه، ولا يُجْبَرُ على أخْذِ القِيمَةِ؛ لأنَّها (2) مُعاوَضَةٌ، فلم يُجْبَرْ عليها. وإنِ اتَّفقَا على تَعْويضِه عنه، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، فجازَ ما اتَّفَقا عليه. وإن وَهَب الغاصِبُ الغِرَاسَ والبناءَ لمالِكِ الأرْضِ؛ ليَتَخَلَّصَ مِن قَلْعِه (3)، فقَبِلَه المالِكُ، جازَ. وإن أبَى قَبُولَه، وكان في قَلْعِه غَرَضٌ صَحِيحٌ، لم يُجْبَرْ على قَبُولِه، وإن لم يَكُنْ فيه غَرَضٌ صَحِيحٌ، احْتَمَلَ أنَّ يُجْبَرَ عَلَى قَبُولِه؛ لأَنَّ فِيهِ رَفْعَ الخُصُومَةِ مِن غَيرِ غَرَض يَفُوتُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْبَرَ؛ لأنَّ فِيه إجْبارًا على عَقْدٍ يُعْتَبَرُ الرِّضا فيه. وإن غَصَب أرضًا وغِراسًا مِن رجلٍ واحدٍ فغَرَسَه فيها، فالكُلُّ لمالِكِ الأرْضِ. فإن طالبَه المالِكُ بقَلْعِه، وله في قَلْعِه غَرَضٌ، أُجْبِرَ على قَلْعِه؛ لأَنه فَوَّتَ عليه غَرَضًا مَقْصُودًا بالأرْضِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «لأنَّه» .
(3)
في الأصل، ر:«فعله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأُخِذَ بإعادَتِها إلى ما كانت، وعليه تَسْويَةُ الأرْضِ، ونَقْصُها ونَقْصُ الغِرَاسِ؛ لأنَّه نَقْصٌ حَصَل في يَدِ الغاصِبِ، أشْبَهَ ما لو غَصَب طَعامًا فتَلِفَ بعضُه، وإن لم يَكُنْ في قَلْعِه غَرَضٌ صَحِيحٌ، لم يُجْبَرْ على قَلْعِه؛ لأنَّه سَفَهٌ، فلا يُجْبَرُ عليه. وقيلَ: يُجْبَرُ؛ لأنَّ المالِكَ مُحَكَّمٌ في مِلْكِه، والغاصِبَ غيرُ مُحَكَّم. فإن أرادَ الغاصِبُ قَلْعَه، ومَنَعَه المالِكُ، لم يَمْلِكْ قَلْعَه؛ لأنّ الجَمِيعَ مِلْكٌ للمَغْصُوبِ منه، فلم يَمْلِكْ غيرُه التَّصَرُّفَ فيه بغيرِ إذْنِه.
فصل: والحُكْمُ فيما إذا بَنَى في الأرِضِ، كالحُكْمِ فيما إذا غَرَس فيها في هذا التَّفْصِيلِ جَميعِه، إلَّا أنَّه يتَخرَّجُ أنَّه إذا بَذَل مالِكُ. الأرْضِ القِيمَةَ لصاحِبِ البِنَاءِ، أُجْبِرَ على قَبُولِها إذا لم يَكُنْ في النَّقْضِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لأنَّ النَّقْضَ سَفَهٌ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لِما روَى الخَلَّالُ، بإسْنادِه عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، عن عائشةَ، قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَنَى في رِبَاعِ قَوْمٍ بإِذْنِهِم فَلَهُ الْقِيمَةُ، وَمَنْ بَنَى بِغَيرِ إذْنِهِمْ فَلَهُ النَّقْضُ» (1). ولأنَّ ذلك مُعاوَضَةٌ، فلا يُجْبَرُ عليها، وإذا كانتِ الآلة مِن تُرابِ الأرْضِ وأحْجارِها، فليس للغاصِبِ النَّقْضُ، على ما ذَكَرْنا في الغَرْسِ.
(1) أخرجه البيهقي، في: باب من بنى أو غرس في أرض غيره، من كتاب الغصب. السنن الكبرى 6/ 91. وضعف إسناده.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن غَصَب أَرْضًا، فكَشَطَ تُرابَها، لَزِمَه رَدُّه وفَرْشُه على ما كان، إن طالبَه المالِكُ وكان فيه غَرَضٌ، وإن لم يَكُن فيه غَرَضٌ، فهل يُجْبَرُ على فَرْشِه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. وإن مَنَعَه المالِكُ فرْشَه أو رَدَّه، وطَلَب الغاصِبُ ذلك، وكان في رَدِّه غَرَضٌ مِن إزَالةِ ضَرَرٍ أو ضَمانٍ، فله فَرْشُه ورَدُّه، وعليه أَجْرُ مِثْلِها مُدَّةَ شَغْلِها وأَجْرُ نَقْصِها. وإن أخَذَ تُرابَ أَرْض، فضَرَبَه لَبِنًا، رَدَّه ولا شيءَ له، إلَّا أنَّ يَجْعَلَ فيه تِبْنًا له، فله أنَّ يَحُله ويَأْخُذَ تِبْنَه. فإن كان لا يَحْصُلُ منه شيء، ففيه وَجْهان، بِنَاءً على كَشْطِ التَّزْويقِ إذا لم يَكُنْ له قِيمةٌ، وسنذكُره. وإن طالبَه المالِكُ بِحَلِّه، لَزِمَه ذلك إذا كان فيه غَرَضٌ، فإن لم يَكُنْ فيه غَرَضٌ، فعلى وَجْهَينِ. فإن جَعَلَه آجُرًّا أو فَخَّارًا، لَزِمَه رَدُّه، ولا أجْرَ له لعَمَلِه، وليس له كَسْرُه، ولا للمالِكِ إجْبارُه عليه؛ لأنَّه سفهٌ وإتْلافٌ للمالِ وإضاعَةٌ، وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن إضَاعَةِ المالِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وعليه ضَمانُ نَقْصِ الأرْضِ إن نَقَصَتْ بالغَرْسِ والبِناءِ. وهكذا كلُّ عَين مَغْصُوبَةٍ، على الغاصِبِ ضَمانُ نَقْصِها، إذا كان نَقْصًا مُسْتَقِرُّا، كإناءٍ تكَسَّرَ، وطَعامٍ سَوَّسَ [أو تَلِف بعضُه، وثَوْبٍ تَخَرَّقَ؛ لأنَّه نَقْصٌ حَصَل في يَدِ الغاصِبِ، فوَجَبَ ضَمانُه، كتَلَفِ بعضِ الطَّعامِ وذِراعٍ مِن الثَّوْبِ](1). وبه قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا شَقَّ لرجلٍ ثَوْبًا شَقًّا قَلِيلًا، أخَذَ أَرْشَه، وإن كَثُرَ، فصاحِبُه بالخِيارِ بين تَسْلِيمِه وأَخْذِ قِيمَتِه، وبينَ إمْساكِه مع الأَرْشِ. ورُويَ عن أحمدَ كَلامٌ
(1) سقط من: تش، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَحْتَمِلُ هذا، فإنَّه قال في رِوايَةِ مُوسَى بنِ سعيدٍ: إن شاءَ شَقَّ الثَّوْبَ، وإن شاء مثلَه. يَعْنِي، واللهُ أعلمُ، إِنْ شاء أخَذَ أَرْشَ الشَّقِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الجِنَايَةَ أَتْلَفَتْ مُعْظَمَ نَفْعِهِ، فَكانتْ له المُطالبَةُ بقِيمَتِه، كما لو قَتَل شاةً له. وحَكَى أصْحابُ مالِكٍ عنه، إذا جَنَى على عَينٍ فأتْلَفَ غَرَضَ صاحِبِها فِيها، كان المَجْنِيُّ عليه، بالخِيارِ؛ إن شاء رَجَعَ بما نَقَصَتْ، وإن شاء سَلَّمَها وأخَذَ قِيمَتَها. ولَعَلَّ ما يُحْكَى عنه مِن قَطْعِ ذَنَبِ حِمارِ القاضِي يَنْبَنِي على ذلك؛ لأنَّه أتْلَفَ غَرَضَه به، فإنَّه لا يَرْكَبُه في العادَةِ. وحُجَّتُهم أنَّه أتْلَفَ المَنْفَعَةَ المَقْصُودَةَ مِن السِّلْعَةِ، فلَزِمَتْه قِيمَتُها، كما لو أتْلَفَها. ولَنا، أنَّها جِنَايَةٌ على مالٍ أَرْشُها دُونَ قِيمَتِه، فلم يَمْلِكِ المُطالبَةَ بجَمِيعِ قِيمَتِه، كما لو كان الشَّقُّ يَسِيرًا، ولأنَّها جِنايَة تَنْقُصُ بها القِيمَةُ، أشْبَهَ ما لو لم يَتْلَفْ غَرَضُ صاحِبِها، وفي الشّاةِ أتْلَفَ جَمِيعَها؛ لأنَّ الاعْتِبارَ بالمَجْنِيِّ عليه، لا بغَرَضِ صاحِبِه، لأنَّه إن لم يَصْلُحْ لصاحِبه صَلَح لغَيرِه. وعليه، أَجْرُ الأرضِ منذُ غَصَبَها إلى وَقْتِ تَسْلِيمِها (1). وهكذا كلُّ ما لَه أجْرٌ، فعلى الغاصِبِ أَجْرُ مِثْلِه، سَواءٌ اسْتَوْفَى المَنافِعَ أو تَلِفَتْ تحتَ يَدِه؛ لأنَّها تَلِفَتْ في يَدِه العادِيَةِ، فكان عليه، عِوَضُها، كالأعْيانِ. وفيه اخْتِلافٌ نَذْكُرُه فيما يَأْتِي إن شاءَ الله تعالى. وإن غَصَب أرْضًا فبنَاها دارًا، فإن
(1) في م: «تسليمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانت آلاتُ بِنائِها مِن مالِ الغاصِبِ، فعليه أجْرُ الأرْضِ دُونَ بِنائِها؛ لأنَّه إنَّما غَصَب الأرْضَ، والبِناءُ له، فلم يَلْزَمْه أَجْرُ مالِه، وإن بَناهَا بتُرابٍ منها وآلاتٍ للمَغْصُوبِ منه، فعليه أجْرُها مَبْنِيَّةً؛ لأنَّ الدّارَ كُلَّها مِلْكٌ للمَغْصُوبِ منه، وإنَّما للغاصِب فيها أَثَرُ الفِعْلِ، فلا يكونُ في مُقابَلَتِه أَجْرٌ؛ لأنَّه وَقع عُدْوانًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن غَصَب دارًا فنَقَضَها ولم يَبْنِها، فعليه أَجْرُ دارٍ إلى حينِ نَقْضِها، وأَجْرُها مَهْدُومَةً مِن حينِ نَقْضِها إلى حينِ رَدِّها؛ لأنَّ البِناءَ انْهَدَمَ وتَلِفَ، فلم يَجِبْ أجْرُه مع تَلَفِه. وإن نَقَضَها، ثم بَناهَا بآلةٍ مِن عندِه، فالحُكْمُ كذلك. وإن بنَاها بآلَتِها أو آلةٍ من تُرابِها، أو مِلْكِ المَغْصُوبِ منه، فعليه أجْرُها عَرْصَةً منذُ نَقَضَها إلى أن بَناهَا، وأَجْرُها دارًا فيما قبلَ ذلك وبعدَه؛ لأنَّ البِناءَ للمالِكِ. وحُكْمُها في نَقْضِ بِنائِها الذي بَناه الغاصِبُ حُكْمُ ما لو غَصَبَها عَرْصَةً فبَناهَا. وإن كان الغاصِبُ باعَها فبَنَاها المُشْتَرِي، أو نَقَضَها ثم بَنَاها، لم يَخْتَلِفِ الحُكْمُ، وللمالِكِ مُطالبَةُ مَن شاءَ منهما، والرُّجُوعُ عليه، فإن رَجَع على الغاصِبِ، رَجَع الغاصِبُ على المُشْتَرِي بقِيمَةِ ما تَلِفَ (1) مِن الأعْيانِ؛ لأنَّ المُشْتَرِيَ دَخَل على أنَّه مَضْمُونٌ عليه بالعِوَضِ، فاسْتَقَرَّ الضَّمانُ عليه، وإن رَجَع المالِكُ على المُشْتَرِي، رَجَع المُشْتَرِي على الغاصِبِ بنَقْص (2) التّالِفِ، ولم يَرْجِعْ بقِيمَةِ ما تَلِفَ. وهل يَرْجِعُ كلُّ واحِدٍ منهما على صاحِبِه بالأجْرِ؟ على رِوايَتَينِ. وليس له مُطالبَةُ المُشْتَرِي مِن الأَجْرِ إلَّا بأَجْرِ مُدَّةِ مُقامِها في يَدِه؛ لأنَّ يَدَه إنَّما تَثْبُتُ حِينَئِذٍ.
(1) في تش، م:«أتلف» .
(2)
في تش، م:«في نقص» .