الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا فِيمَا عِوَضُهُ غَيرُ الْمَالِ؛ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَض الْخُلْعَ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ.
ــ
الضَّرَرَ اللَّاحِقَ بالمُتَّهِبِ دُونَ ضَرَرِ المُشْتَرِي؛ لأنَّ إقْدامَ المُشْتَرِي على شِرَاءِ الشِّقْصِ وبَذْلِ مالِه، دَلِيلُ حاجَتِه إليه، فانْتِزاعُه منه أعْظَمُ ضَرَرًا مِن أخْذِه مِمّن لم يُوجَدْ منه دَلِيلُ الحاجَةِ إليه. ولَنا، أنَّه انْتَقَلَ بغيرِ عِوَض، أشْبَهَ المِيراثَ، ولأنَّ محَلَّ الوفَاقِ هو البَيعُ، والخَبَرُ وَرَد فيه، وليس غيرُه في مَعْناه؛ لأنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُه مِن المُشْتَرِي بمِثْلِ السَّبَبِ الذي انْتَقَل إليه به، ولا يُمْكِنُ هذا في غيرِه، ولأنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بثَمَنِه، لا بقِيمَتِه، وفي غيرِه يَأْخُذُه بقِيمَتِه، فافْتَرَقَا.
2387 - مسألة: (ولا)
تَجِبُ (فيما عِوَضُه غيرُ المالِ؛ كالصَّدَاقِ، وعِوَضِ الخُلْعِ، والصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، في أحَدِ الوَجْهَينِ) المُنْتَقِلُ بعِوَض على ضَرْبَينِ؛ أحدُهما، ما عِوضُه المالُ، كالبَيعِ، ففيه الشُّفْعَةُ، بغيرِ خِلافٍ، وكذلك كلُّ ما جَرَى مَجْراه، كالصُّلْحِ بمَعْنَى البَيعِ، والصُّلْحِ عن الجِنايَةِ المُوجِبَةِ للمالِ، والهِبَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَشْرُوطِ فيها ثَوابٌ مَعْلُومٌ؛ لأن ذلك بَيعٌ يَثْبُتُ فيه أحْكامُ البَيعِ، وهذا منها. وبه يقولُ مالكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْي، إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ وأصحابَه قالوا: لا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ في الهِبَةِ المَشْرُوطِ فيها ثَوابٌ حتى يتَقَابَضَا؛ لأنَّ الهِبَةَ لا تَثْبُتُ إلَّا بالقَبْضِ، فأشْبَهَتِ البَيعَ بشَرْطِ الخِيارِ. ولَنا، أنَّه تَمَلَّكَها بعِوَضٍ، هو مالٌ، فلم يَفْتَقِرْ إلى القَبْضِ في اسْتِحْقاقِ الشُّفْعَةِ، كالبَيعِ. ولا يَصِحُّ ما قالوه مِن اعْتِبارِ لَفْظِ الهِبَةِ؛ لأن العِوَضَ صَرَفَ اللَّفْظَ عن مُقْتَضاه، وجَعَلَه عِبارَةً عن البَيعِ خاصَّةً عندَهم، فإنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْعَقِدُ بها النِّكاحُ الذي لا تَصِحُّ الهِبَةُ فيه بالاتِّفاقِ (1). الضربُ الثاني، ما انْتَقَلَ بعِوَض غيرِ المالِ، نَحْوَ أنَّ يَجْعَلَ الشِّقْصَ مَهْرًا أو عِوَضًا في الخُلْعِ، أو في الصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، فلا شُفعَةَ، فيه، في ظاهِرِ كَلامِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه لم يَتَعَرَّضْ في جَمِيعِ مَسائِلِه لغيرِ البَيعِ. اخْتارَه أبو بكرٍ. وبه قال الحَسَنُ، والشَّعْبِي، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأْي. حَكاه عنهم ابنُ المُنْذِرِ واخْتارَه. وقال ابنُ حامِدٍ: تَجِبُ فيه الشُّفْعَةُ. وبه قال ابنُ شُبْرُمَةَ، والحارِثُ العُكْلِيُّ، ومالكٌ، وابنُ أبي لَيلَى، والشافعيُّ؛ لأنَّه عَقارٌ مَمْلُوكٌ بعقدِ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البيعَ. ووجهُ الأوَّلِ، أنَّه مَمْلُوكٌ بغيرِ مالٍ، أشْبَهَ المَوْهُوبَ والمَوْرُوثَ، ولأنَّه يَمْتَنِعُ أخْذُه بمَهْرِ المِثْلِ؛ لأنَّنا لو أوْجَبْنا مَهْرَ المِثْلِ لقَوَّمْنا البُضْعَ على الأجانِبِ، وأضْرَرْنَا بالشَّفِيعِ؛ لأنَّ مَهْرَ المِثْلِ يتَفَاوَتُ مع المُسَمَّى؛ لتَسامُحِ الناسِ فيه في العادَةِ. ويَمْتَنِعُ أخْذُه بالقِيمَةِ؛ لأنَّها ليست عِوَضَ الشِّقْصِ، فلا يَجُوزُ الأخْذُ بها، كالمَوْرُوثِ، فيَتَعَذَّرُ أخْذُه. وفارَقَ البَيعَ، فإنَّه أمْكَنَ الأخْذُ
(1) في م: «بالإنفاق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعِوَضِه. فإن قُلْنا: يُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ. فطَلَّقَ الزَّوْجُ قبلَ الدُّخُولِ بعدَ (1) عَفْو الشَّفِيعِ، رَجَع بنِصْفِ ما أصْدَقَها؛ لأنَّه مَوْجُود في يَدِها بصِفَتِه، وإن طَلَّقَ بعدَ أخْذِ الشَّفِيع، رَجَع بنِصْف قِيمَتِه؛ لأنَّ مِلْكَها زال عنه، فهو كما لو باعَتْه. وإن طَلقَ قبلَ عِلْمِ الشَّفِيعِ ثم عَلِم، ففيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يُقَدَّمُ حَقُّ الشَّفِيعِ؛ لأنَّه ثَبَت بالنِّكَاحِ السّابِقِ على الطَّلاقِ، فهو أسْبَقُ. والثاني، حَقُّ الزَّوْجِ مُقَدَّمٌ؛ لأنَّه ثَبَت بالنَّصِّ والإجْماعِ، والشُّفْعَةُ ههُنا لا نَصَّ فيها ولا إجْماعَ. فأمّا إن عَفَا الشَّفِيعُ، ثم طَلَّقَ الزَّوْجُ فرَجَعَ في نِصْفِ الشِّقْصِ، لم يَسْتَحِقَّ الشَّفِيعُ الأخْذَ منه؛ لأنَّه عادَ إلى المالِكِ؛ لزَوالِ العَقْدِ، فلم يَسْتَحِقَّ به الشَّفِيعُ، كالرَدِّ بالعَيبِ. وكذلك كلُّ فَسْخٍ يَرْجِعُ به الشِّقْصُ إلى العاقِدِ؛ كرَدِّه بعَيب، أو مُقايَلةٍ، أو اخْتلافِ المُتَبايِعَين، أو رَدِّه لغَبْنٍ. وقد ذَكَرْنا في الإِقَالةِ رِوايَةً أُخْرَى، أنَّها بَيعٌ، فتَثْبُتُ فيها الشُّفْعَةُ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. فعلى هذا، لو لم يَعْلَم الشَّفِيعُ حتى تَقايَلَا، فله أنَّ يَأْخُذَ مِن أيِّهما شاء، وإن عَفَا عن الشُّفْعَة في البَيعِ ثم تَقايَلَا، فله الأخْذُ بها.
فصل: فإذا جَنَى جِنايَتَين عَمدًا وخَطَأً، فصالحَه منهما على شِقْص، فالشفْعَةُ في نِصْفِ الشِّقْصِ دُونَ باقِيه. وبه قال أبو يُوسُف، ومحمدٌ.
(1) في الأصل: «قيل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا على الرِّوايَةِ التي نقولُ فيها: إن مُوجَبَ العَمْدِ القِصَاصُ عَينًا. وإن قُلْنا: مُوجَبُه أحَذ شَيئين. وَجَبَتِ الشُّفْعَة في الجَمِيعِ. وقال أبو حنيفةَ: لا شفْعَةَ في الجَمِيعِ، لأنَّ الأخْذَ بها تَبْعِيضٌ للصَّفْقَةِ على المُشْتَرِي. ولَنا، أنَّ ما قابَلَ الخَطَأ عِوَضٌ عن مالٍ، فوَجَبَتْ فيه الشُّفْعَةُ، كما لو انْفَرَدَ، ولأنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ ما يَجِبُ فيه وما لا يَجِبُ، فوَجَبَتْ فيما يَجِبُ دُونَ الآخَرِ، كما لو اشْتَرَى شِقْصًا وسَيفًا. وبهذا الأصْلِ يَبْطُلُ ما ذَكَرَه. قال شيخُنا (1): وقولُ أبي حنيفةَ أقْيَسُ؛ لأنَّ في الشُّفْعَةِ تَبْعِيضَ الشِّقْصِ على المُشْتَرِي، ورُبَّما لا يَبْقَى منه إلَّا ما لا نَفْعَ فيه، فأشْبَهَ ما لو أرادَ أخْذَ بعضِه مع عَفْو صاحِبِه، بخِلافِ مسألَةِ الشِّقْصِ والسَّيفِ. وأمّا إذا قُلْنا: إنَّ الواجبَ أحَدُ شَيئَين. فباخْتِيارِه الصُّلْحَ سَقَط القِصاصُ وتعيَّنَتِ الدِّيَة، فكان الجَمِيعُ عِوَضًا عن مالٍ.
(1) في: المغني 7/ 446.