الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً أَوْ حَدِيدًا فضَرَبَهُ، أَوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، رَدَّ ذَلِكَ بِزِيَادَتِهِ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ.
ــ
2305 - مسألة: (وإن غَصَب ثَوْبًا فقَصَرَه، أو غَزْلًا فنَسَجَه، أو فِضَّةً أو حَدِيدًا فضَرَبَه، أو خَشَبًا فنَجَرَه، أو شاةً فذَبَحَها وشَوَاها، رَدَّ ذلك بزِيادَتِه وأَرْشَ نَقْصِه، ولا شيءَ له) [
إذا غَصَب حِنْطَةً فَطَحَنَها، أو شاةً فذَبَحَها وشَوَاها، أو حَدِيدًا فعَمِلَه إبَرًا أو أوَانِيَ، أو خَشَبَةً فَنَجَرَها بابًا، أو ثَوْبًا فقَطَعَه وخاطَه، لم يَزُلْ مِلْكُ صاحِبِه عنه، ويَأْخُذُه وأَرْشَ نَقْصِه، ولا شيءَ للغاصِبِ في زِيادَتِه] (1). هذا ظاهِرُ المَذْهَبِ. وهو قولُ الشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ في هذه المسائِلِ: يَنْقَطِعُ حَقُّ صاحِبِها عنها، إلَّا أنَّ الغاصِبَ لا يَجُوزُ له التَّصَرُّفُ فيها إلَّا بالصَّدَقةِ، إلَّأ أن يَدْفَعَ قِيمَتَها فيَمْلِكَهَا ويَتَصَرَّفَ فيها كيف شاءَ. وروَى
(1) سقط من: تش، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محمدُ بنُ الحَكَمِ عن أحمدَ، ما يَدُلُّ على أنَّ الغاصِبَ يَمْلِكُها بالقِيمَةِ، إلَّا أنَّه قولٌ قَدِيمٌ رَجَع عنه، فإنَّ محمدًا ماتَ قبلَ أبي عبدِ اللهِ بنحو مِن عِشْرِينَ سَنةً. واحْتَجُّوُا بما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم زَارَ قَوْمًا مِن الأنْصارِ في دارِهِم، فقَدَّمُوا إليه شاةً مَشْويَّةً، فتَناوَلَ منها لُقْمَةً، فجَعَلَ يَلُوكُها ولا يَسِيغُها، فقال:«إنَّ هذِهِ الشَّاةَ لتُخْبِرُنِي أنَّها أُخِذَتْ بِغَيرِ حَقٍّ» . فقالوا: نعم يا رسولَ اللهِ، طَلَبْنا في السُّوقِ فلم نَجِدْ، فأخَذْنا شاةً لبعضِ جِيرَانِنا، ونحن نُرْضِيهِم مِن ثَمَنِها. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَطْعِمُوهَا الأَسْرَى» . رَواه أبو داودَ (1) بنَحْو مِن هذا. وهذا يَدُلُّ على أنَّ حَقَّ أَصْحابِها انْقَطَعَ عنها، ولولا ذلك لأَمَرَ بِرَدِّها عليهم. ولَنا، أنَّ عَينَ (2) مال المَغْصُوبِ منه قائِمةٌ، فلَزِمَ رَدُّها إليه، كما لو ذَبَحَ الشّاةَ ولم يَشوهَا، ولأَنَّه لو فَعَلَه بمِلْكِه لم يَزُلْ عنه، فكذلك إذا فَعَلَه بمِلْكِ غيرِه، كذَبْحِ
(1) في: باب في اجتناب الشبهات، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 219.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 293.
(2)
سقط من: الأصل.
وَعَنْهُ، يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ.
ــ
الشّاةِ، وضَرْبِ النُّقْرَةِ دَرَاهِمَ. ولأنَّه لا يُزِيلُ المِلْكَ إذا كان بغيرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ، فلم يُزِلْه إذا فَعَلَه آدَمِيٌّ، كالذي ذَكَرْناه. وأمّا الخَبَرُ فليس بمَعْرُوفٍ كما رَوَوْهُ، [وليس] (1) في رِوَايَةِ أبي داودَ: ونَحْنُ نُرْضِيهِم عَنْهَا. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه لا شيءَ للغاصِبِ بعَمَلِه، سَواءٌ زادَتِ العَينُ أو لم تَزِدْ. وهذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. (وعنه، يكونُ شَرِيكًا بالزِّيادَةِ) ذَكَرَها أبو الخَطّابِ؛ لأنَّها حَصَلَتْ بمَنافِعِه، والمَنافِعُ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الأعيانِ، فأشْبَهَ ما لو غَصَب ثَوْبًا فصَبَغَه. والمَذْهَبُ الأوّلُ. ذَكَرَه أبو بكرٍ، والقاضِي؛ لأنَّ الغاصِبَ عَمِل في مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فلم يَسْتَحِقَّ لذلك عِوَضًا، كما لو أَغْلَى زَيتًا فزادَتْ قِيمَتُه، أو بَنَى حائِطًا لغيرِه، أو زَرَع حِنْطَةَ إنْسانٍ في أرْضِه. فأمّا صَبْغُ الثَّوْبِ، فإنَّ الصِّبْغَ عَينُ مالٍ، لا يَزُولُ مِلْكُ صاحِبِه عنه بِجَعْلِه مع مِلْكِ غيرِه، وهذا حُجَّةٌ عليه؛ لأنَّه إذا
(1) سقط من: م. وليس هذا اللفظ في المسند أيضًا.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ، وَعَلَيهِ قِيمَتُهُ.
ــ
لم يَزُلْ مِلْكُه عن صِبْغِه بجَعْلِه في مِلْكِ غيرِه، وجَعْلِه كالصِّفَةِ، فَلأَنْ لا يَزُولَ مِلْكُ غيرِه بعَمَلِه فيه أَوْلَى. فإنِ احْتَجَّ بأنَّ مَن زَرَع في أرْضِ غيرِه تُرَدُّ عليه نَفَقَتُه، قُلْنا: الزَّرْعُ مِلْكٌ للغاصِبِ؛ لأنَّه عَينُ (1) مالِه، ونَفَقَتُه عليه تَزْدادُ به قِيمَتُه، فإذا أخَذَه مالِكُ الأرْضِ، احْتَسَبَ بما أنْفَقَ على مِلْكِه، وفي مسألتِنا عَمَلُه في مِلْكِ المَغْصُوبِ منه بغيرِ إذْنِه، فكان لاغِيًا، على أنَّنا نقولُ: إنَّما تَجِبُ قِيمَةُ الزَّرْعِ على إحدى الرِّوايَتَين (وقال أبو بكرٍ: يَمْلِكُه، وعليه قِيمَتُه) لِما روَى محمدُ بنُ الحَكَمِ. ووَجْهُه [ما ذكرناه في صدر المسألة](2). والصَّحِيحُ الأوَّلُ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «كما ذكرنا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن نَقَصَتِ العَينُ دونَ القِيمَةِ، رَدَّ المَوْجُودَ وقِيمَةَ النَّقْصِ، وإن نَقَصَتِ العَينُ والقِيمَةُ، ضَمِنَهما معًا، كالزَّيتِ إذا أَغْلاه. وهكذا القولُ في كلِّ ما تَصَرَّفَ فيه، كنُقْرَةٍ ضَرَبَها دَرَاهِمَ أو حَلْيًا، أو طِينًا جَعَلَه لَبِنًا، أو غَزْلًا نَسَجَه، أو ثَوْبًا قَصَرَه؛ لأنَّه نَقَص بفِعْلٍ غيرِ مَأْذُونٍ فيه، أشْبَهَ ما لو أَتْلَفَ بعضَه. وإن جَعَل فيه شيئًا مِن عَينِ مالِه، مثلَ أن سَمَّرَ الدُّفُوفَ بمَسامِيرِه، فله قَلْعُها، ويَضْمَنُ ما نَقَصَتِ الدُّفُوفُ، وإن كانت المَسامِيرُ مِن الخَشَبَةِ المَغْصُوبةِ، أو مالِ المَغْصُوبِ منه، فلا شيءَ للغاصِبِ، وليس له قَلْعُها، إلَّا أن يَأْمُرَه المالِكُ بذلك (1) فيَلْزَمَه. وإن كانت المَسَامِيرُ للغاصِبِ فوَهَبَها (2) للمالِكِ، لم يُجْبَرْ على قَبُولِها، في أقْوَى الوَجْهَين. وإنِ اسْتَأْجَرَ الغاصِبُ على عَمَلِ شيءٍ مِن هذا الذي ذكَرْناه، فالأجْرُ عليه. والحُكْمُ في زِيادَتِه ونقْصِه كما لو فَعَل ذلك بنَفْسِه،
(1) سقط من: تش، م.
(2)
في الأصل: «قومها» .