الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَحِلُّ الاحْتِيَال لإسْقَاطِهَا.
ــ
بشيءٍ؛ لمُخالفَتِه الأحادِيثَ الصَّحِيحَةَ والإِجْماعَ المُنْعَقِدَ قبلَه. والجَوابُ عما ذكره مِن وَجْهَين؛ أحدُهما، أَنّا نُشَاهِدُ الشُّرَكاءَ يَبِيعُون، ولا يُعْدَمُ مَن يَشْتَرِي منهم غيرَ شُرَكائِهِم، ولم يَمْنَعْهُم اسْتِحْقاقُ الشُّفْعَةِ مِن الشِّراءِ. الثاني، أنَّه يُمْكِنُه إذا لَحِقَتْه بذلك مَشَقَّةٌ أن يُقاسِمَ، فتَسْقُطَ الشُّفْعَةُ. واشْتِقاقُها مِن الشَّفْعِ، وهو الزَّوْجُ، فإنَّ الشَّفِيعَ كان نَصِيبُه مُنْفَرِدًا في مِلْكِه، فبالشُّفْعَةِ يَضُمُّ المَبِيعَ إلى مِلْكِه فيَشْفَعُه به. وقيلَ: اشْتِقاقُها مِن الزِّيادَةِ؛ لأن الشَّفِيعَ يَزِيدُ المَبِيعَ في مِلْكِه.
2385 - مسألة: (ولا يَحِلُّ الاحْتِيالُ)
على إسْقاطِها. فإن فَعَل، لم يَسْقُطْ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ إسْماعيلَ بنِ سعيدٍ، وقد سَأَلَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن الحِيلَةِ في إبْطالِ الشُّفْعَةِ، فقال: لَا يَجُوزُ شيءٌ مِن الحِيَلِ في ذلك، ولا في إبْطالِ حَقِّ مسلم. وبهذا قال أبو أيُّوبَ، وأبو خَيثَمَةَ، وابنُ أبي شَيبَةَ، وأبو إسْحاقَ الجُوزْجَانِيُّ. وقال عبدُ اللهِ بنُ عمرَ: مَن يَخْدَعِ اللهَ يَخْدَعْه. ومَعْنَى الحِيلَةِ: أنَّ يُظْهِرُوا في البَيعِ شيئًا لا يُوخَذُ بالشُّفْعَةِ معه، ويَتَواطَئُونَ في الباطِنِ على خِلافِه، مثلَ أنَّ يَشْتَرِيَ شَيئًا يُساوي عَشَرَةَ دَنانِيرَ بألْفِ دِرْهَمٍ ثم يَقْضِيَهِ عنها عَشَرَةَ دَنانِيرَ، أو يَشْتَرِيَه بمائةِ دِينارٍ ويَقْضِيَه عنها مائةَ دِرْهمٍ، أو يَشْتَريَ البائِعُ مِن المُشْتَرِي عَبْدًا قِيمَتُه مائة بأَلْفٍ في ذِمَّتِه ثم يَبِيعَه الشِّقصَ بالأَلْفِ، أَوْ يَشتَرِيَ شِقصًا بأَلْفٍ ثم يُبْرِئه البائِعُ مِن تِسْعِمائةٍ، أو يَشْتَرِيَ جُزْءًا مِن الشِّقْصِ بمائةٍ ثم يَهَبَ له البائِعُ باقِيَه، أو يَهَبَ الشِّقْصَ للمُشْتَرِي ويَهَبَ المُشْتَرِي له الثَّمَنَ، أو يُعْقَدَ البَيعُ بثَمَن مَجْهُولِ المِقْدارِ، كحَفْنَةِ قُرَاضَةٍ، أو جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنةٍ، أو سِلْعَةٍ مُعَيَّنةٍ غيرِ مَوْصُوفَةٍ، أو بمائةِ دِرْهَم ولُؤْلُؤَةٍ، وأشباهُ هذا. فإن وَقَع ذلك مِن غيرِ تَحَيُّل، سَقَطَتِ الشفْعَةُ. وإن تَحَيَّلَا به على إسْقاطِ الشُّفْعَةِ لم تَسْقُطْ، ويَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ في الصُّورَةِ الأُولَى بعَشَرَةِ دَنانِيرَ أو قِيمَتِها مِن الدَّراهِمِ. وفي الثانيةِ بمائةِ دِرْهَم أو قِيمَتِها ذَهَبًا. وفي الثالثةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقِيمَةِ العَبْدِ المَبِيعِ. وفي الرَّابِعَةِ بالباقِي بعدَ الإبراءِ. وفي الخامسةِ، يَأْخُذُ الجُزْءَ المَبِيعَ مِن الشِّقْص بقِسْطِه مِن الثَّمَنِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ يَأْخُذَ الشِّقْصَ كلَّه بجَمِيعِ الثَّمنِ؛ لأَنهَ إنَّما وَهَبَه بَقِيَّةَ الشِّقْصِ عِوَضًا عن الثَّمَنِ الذي اشْتَرَى به جُزْءًا مِن الشِّقْصِ. وفي السادسةِ يَأْخُذُ بالثَّمَنِ المَوْهُوبِ. وفي سائِرِ الصُّوَرِ المَجْهُولِ ثَمَنُها يَأْخُذُه بمِثلِ الثَّمنِ، أو قِيمَتِه إن لم يَكُنْ مِثْلِيًّا إذا كان الثَّمَنُ مَوْجُودًا، فإن لم يُوجَدْ، دَفَع إليه قِيمَةَ الشِّقْصِ؛ لأن الأغْلَبَ وُقُوعُ العَقْدِ على الأشْياءِ بقِيمَتِها. وقال أصحابُ الرَّأْي، والشافعيُّ: يَجُوز ذلك كلُّه، وتَسْقُطُ به الشُّفْعَةُ؛ لأنَّه لم يَأْخُذْ بما وَقَع [البَيعُ به](1)، فلم يَجُزْ، كما لو لم (2) يَكُنْ حِيلَةً. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَينَ فَرَسَينِ، وَلَا يَأمَنُ أَنْ يَسْبِقَ، فَلَيسَ بِقِمَارٍ، وَإنْ أمِنَ أنْ يَسْبِقَ، فَهُوَ قِمَارٌ» . رَواه أبو داودَ وغيرُه (3). فجَعَلَ إدْخال
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في 12/ 133، 13/ 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفَرَسِ المُحَلِّلِ قِمَارًا في المَوْضِعِ الذي يَقْصِدُ به إباحَةَ إخْراجِ كلِّ واحِدٍ مِن المُتَسَابقين جُعْلًا، مع عَدَمِ مَعْنَى المُحَلِّلِ فيه، وهو كونُه بحالٍ يَحْتَمِلُ أنَّ يَأْخُذَ سَبَقَهُما. وهذا يَدُلُّ على إبْطالِ كلِّ حِيلَةٍ لم يُقصَدْ بها إلَّا إباحَةُ المُحَرَّمِ، مع عَدَمِ المَعْنَى فيها. واسْتَدَلَّ أصحابُنا بما روَى أبو هُرَيرَةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبتِ اليَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بأدْنَى الْحِيَلِ» (1). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ الله اليَهُودَ، إنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، وَأكَلُوا ثَمَنَهُ» . مُتَّفَق عليه (2). ولأنَّ اللهَ تَعالى ذَمَّ المُخادِعِينَ له بِقَولِه: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون} (3). والحِيَلُ مُخادَعَةٌ، وقد مَسَخَ اللهُ تَعَالى الذينَ اعْتَدَوْا في السَّبْتِ قِرَدَةً بحِيَلهِم، فإنَّه رُوِيَ عنهم أنَّهم كانوا يَنْصِبُونَ شِبَاكَهُم يومَ الجُمُعَةِ، ومنهم مَن يَحْفِرُ جِبَابًا، ويُرْسِلُ الماءَ إليها يومَ الجُمُعَةِ، فإذا
(1) ذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 492، وحسن إسناده. وانظر إرواء الغليل 5/ 375.
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 307 رقم (2) ويضاف إليه: البخاري، في: باب قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا. . . .} ، من تفسير سورة الأنعام، من كتاب التفسر. صحيح البخاري 6/ 72.
(3)
سورة البقرة 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جاءتِ الحِيتانُ يومَ السَّبْتِ وَقَعَتْ في الشِّبَاكِ والجِبَابِ، فَيَدَعُونَها إلى لَيلَةِ الأحَدِ، فيَأْخُذُونَها، ويَقُولُونَ: ما اصْطَدْنَا يومَ السَّبْتِ شيئًا. فمَسَخَهُم الله تَعالى بحِيلَتِهِم. وقال تَعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَينَ يَدَيهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (1). قِيلَ: يَعْنِي به أمَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. أي ليَتَّعِظَ بذلك أمَّةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فيَجْتَنِبُوا مِثلَ فِعْل المُعْتَدِينَ. ولأنَّ الحِيلَةَ خَدِيعَةٌ، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحِلُّ الخَدِيعَةُ لِمُسْلِم» (2). ولأنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لدَفْعِ الضَّرَرِ، فلو سَقَطَتْ بالتَّحَيُّلِ لَلَحِقَ الضَّرَرُ، فلم تَسْقُطْ، كما لو أسْقَطها المُشْتَرِي عنه بالوَقْفِ والبَيعِ. وفارَقَ ما لم يُقْصَدْ به التَّحَيُّلُ؛ لأنَّه لا خِدَاعَ فيه، ولا قصِدَ به إبْطالُ حَقٍّ، والأعْمالُ بالنِّيَّاتِ. فإنِ اخْتَلَفَا هل وَقَعَ شيءٌ مِن هذا حِيلَةً أو لا؟ فالقولُ قولُ المُشْتَرِي مع يَمينه؛ لأنَّه أعْلَمُ بنِيَّته وحالِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الغَرَرَ في الصُّورَتَين الأُولَيَين على المُشْتَرِي؛ لشِرَائِه ما يُسَاوي
(1) سورة البقرة 66.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 347.