الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ.
ــ
الثُّلُثانِ، وللآخَرِ الثُّلُثُ. وإن باعَ صاحِبُ السُّدْسِ، فلصاحِبِ النِّصْفِ ثُلُثٌ ورُبْعٌ. ولصاحِبِ الثُّلُثِ رُبْعٌ وسُدْسٌ.
2400 - مسألة: (فإن تَرَك أحَدُهما شُفْعَتَه، لم يَكُنْ للآخَرِ إلَّا أن يَأْخُذَ الكُلَّ أو يَتْرُكَ)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه إذا كان الشِّقْصُ بينَ شُفَعاءَ، فتَرَكَ بعضُهم، فليس للباقِينَ إلَّا أخْذُ الجَمِيعِ أو تَرْكُ الجَميعِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كل مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ على هذا. وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي؛ لأنَّ في أخْذِ البَعْضِ إضْرارًا بالمُشْتَرِي بتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عليه، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، ولأنَّ الشُّفْعَةَ إنَّما تَثْبُت على خِلافِ الأصْلِ دَفْعًا لضَرَرِ الشَّرِيكِ الدّاخِلِ، خَوْفًا مِن سُوءِ المُشارَكَةِ ومُؤْنَةِ القِسْمَةِ، فإذا أخَذَ بَعْضَ الشِّقْصِ لم يَنْدَفِعْ عنه الضَّرَرُ، فلمَ يَتَحَقَّقِ المَعْنَى المُجَوِّز لمُخالفَةِ الأصْلِ، فلا تَثْبُتُ. وإن وَهَب بعضُ الشرُّكاءِ نَصِيبَه مِن الشُّفْعَةِ لبعضِ الشُّرَكاءِ أو لغيرِه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ ذلك عَفْوٌ وليس بهِبَةٍ، فلم يَصِحَّ لغيرِ مَن هو عليه، كالعَفْو عن القِصَاصِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان الشُّفَعاءُ غائِبِين، لم تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ؛ لمَوْضِعِ العُذْرِ. فإذا قَدِم أحَدُهم، فليس له إلَّا أن يَأْخُذَ الكلَّ أو يَتْرُكَ؛ لأنَّا لا نَعْلَمُ اليومَ مُطالِبًا سِواه، ولأنَّ في أخْذِه البَعْضَ تَبْعِيضًا لصَفْقَةِ المُشْتَرِي، فلم يَجُزْ ذلك، كما لو لم يَكُنْ معه غيرُه، ولا يَجُوزُ تَأْخِيرُ حَقِّه إلى أن يَقْدَمَ شُرَكاؤُه؛ لأنَّ في التَأْخِيرِ ضَرَرًا بالمُشْتَرِي. فإذا أخَذَ الجَمِيعَ ثم حَضَرَ آخَرُ، قاسَمَه إن شَاءَ، أو عَفَا فيَبْقَى للأوَّلِ؛ لأنَّ المُطالبَةَ إنَّما وُجِدَتْ منهما. فإن قاسَمَه، ثم حَضَر الثالِثُ، قاسَمَهُما إن أحَبَّ، أو عَفَا فيَبْقَى للأوَّلَين. فإن نَمَا الشِّقْصُ في يَدِ الأوَّلِ نَماءً مُنْفَصِلًا، لم يُشَارِكْه فيه واحِدٌ منهما؛ لأنَّه انْفَصَلَ في مِلْكِه، أشْبَهَ ما لو انْفَصَلَ في يَدِ المُشْتَرِي قبلَ الأخْذِ بالشُّفْعَةِ. وكذلك إذا أخَذَ الثاني فَنَمَا في يَدِه نَماءً مُنْفَصِلًا، لم يُشارِكْه الثالِثُ فيه. فإن خَرَج الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا، فالعُهْدَةُ على المُشْتَرِي، يَرْجِعُ الثلاثةُ عليه، ولا يَرْجِعُ أحَدُهُم على الآخَرِ؛ فإنَّ الأخْذَ وإن كان مِن الأوَّلِ، فهو بمَنْزِلَةِ النائِبِ عن المُشْتَرِي في الدَّفْعِ إليهما،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنائِبِ عنهما في دَفْعِ الثَّمَنِ إليه؛ لأنَّ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ عليه لهم. هذا ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافعيِّ. وإن امْتَنَعَ الأوَّلُ مِن المُطالبَةِ حتى يَحْضُرَ صاحِبَاه، أو قال: آخُذُ قَدْرَ حَقِّي. ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَبْطُلُ حَقُّه؛ لأنَّه قَدَرَ على أخْذِ الكلِّ وتَرَكَه، فأشْبَهَ المُنْفَرِدَ. والثاني، لا تَبْطُلُ؛ لأنَّه تَرَكَه لعُذْرٍ، وهو خَوْفُ قُدُومِ الغائِبِ فيَنْتَزِعُه منه، والتَّرْكُ لعُذْرٍ لا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، بدَلِيلِ ما لو أظْهَرَ المُشْتَري ثَمَنًا كَثِيرًا، فتَرَكَ لذلك، فبانَ خِلافُه. وإن تَرَك الأوَّلُ شُفْعَتَه، تَوَفَّرَتِ الشُّفْعَةُ على صاحِبَيه، وإذا قَدِم الأوَّلُ منهما، فله أخْذُ الجَمِيعِ، على ما ذَكَرْنا في الأوَّلِ. فإن أخَذَ الأوَّلُ بها، ثم رَدَّ ما أخَذَه بعَيبٍ، فكذلك. وبهذا قال الشافعيُّ. وحُكِيَ عن محمدِ بنِ الحَسَنِ، أنَّها لا تَتَوَفَّرُ عليهما، وليس لهما أخْذُ نَصِيبِ الأوَّلِ؛ لأنَّه لم يَعْفُ، وإنَّما رَدَّ نَصيبَه بالعَيبِ، فأشْبَهَ ما لو رَجَع إلى المُشْتَرِي بِبَيعٍ أو هِبَةٍ. ولَنا، أنَّ الشَّفِيعَ فَسَخ مِلْكَه، ورَجَع إلى المُشْتَرِي بالسَّبَبِ الأوَّلِ، فكان لشَرِيكِه أخْذُه، كما لو عَفَا. ويُفارِقُ عَوْدَه بسَبَبٍ آخَرَ؛ لأنَّه عادَ غيرَ المِلْكِ الأوَّلِ الذي تَعَلَّقَتْ به الشُّفْعَةُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا حَضَر الثاني بعدَ أخْذِ الأوَّلِ، فأخَذَ نِصْفَ الشِّقْصِ منه، واقْتَسَما، ثُم قَدِم الثالِثُ، وطالبَ بالشُّفْعَةِ، وأخَذَ بها، بَطَلَتِ القِسْمَةُ؛ لأنَّ هذا الثالِثَ إذا أخَذَ بالشُّفْعَةِ، فهو كأنَّه مُشارِكٌ حال القِسْمَةِ؛ لثُبُوتِ حَقِّه، ولهذا لو باعَ المُشْتَرِي، ثم قَدِمَ الشَّفِيعُ، كان له إبْطالُ البَيعِ. فإن قِيلَ: وكيف تَصِحُّ القِسْمَةُ وشَرِيكُهما الثالِثُ غائِبٌ؟ قُلْنا: يَحْتَمِلُ أن يكونَ وَكَّلَ في القِسْمَةِ قَبْلَ البَيعِ أو قبْلَ عِلْمِه به، أو يكونَ الشَّرِيكان رَفَعَا ذلك إلى الحاكِمِ وطالبَاه بالقِسْمةِ عن الغائِبِ، فقاسَمَهُما، وبَقِيَ الغائِبُ على شُفْعَتِه. فإن قِيلَ: وكيف تَصِحُّ مُقاسَمَتُهُما للشِّقْصِ وحَقُّ الثالِثِ ثابِتٌ فيه؟ قُلْنا: ثُبُوتُ حَقِّ الشُّفْعَةِ لا يَمْنَعُ التَّصرُّفَ؛ لأنَّه يَصِحُّ (1) بَيعُه وهِبَتُه وغيرُهما، ويَمْلِكُ الشَّفِيعُ إبْطاله، كذا ههُنا. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الثالِثَ إذا قَدِم فوَجَدَ أحَدَ شَرِيكَيه غائِبًا، أخَذَ مِن الحاضِرِ ثُلُثَ ما في يَدِه؛ لأنَّه قَدْرُ ما يَسْتَحِقُّه، ثم إن حَكَم له القاضِي على الغائِب، أخَذَ ثُلُثَ ما في يَدِه أيضًا، وإن لم يَقْضِ، انْتَظرَ الغائبَ حتى يَقْدَمَ؛ لَأنَّه مَوْضِعُ عُذْرٍ.
(1) في م: «لا يصح» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا أخَذَ الأوَّلُ الشِّقْصَ كلَّه بالشُّفْعَةِ، فقَدِمَ الثاني، فقال: لا آخُذُ منك نِصْفَه، بل أقْتَصِرُ على قَدْرِ نَصِيبِي وهو الثُّلُثُ. فله ذلك؛ لأنَّه اقْتَصَرَ على بعضِ حَقِّه، وليس فيه تَبْعِيضُ الصَّفْقَةِ على المُشْتَرِي، فجاز، كتَرْكِ الكلِّ. فإذا قَدِم الثالِثُ، فله أن يَأْخُذَ مِن الثاني ثُلُثَ ما في يَدِه فيُضِيفَه إلى ما في يَدِ الأوَّلِ، ويَقْتَسِمانِه (1) نِصْفَينِ. فتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِن ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا؛ لأنَّ الثالِثَ أخَذَ حَقَّه مِن الثانِي ثُلُثَ الثُّلُثِ، ومَخْرَجُه تِسْعَةٌ فيَضُمُّهُ إلى الثُّلُثَين، وهي سِتَّةٌ، صارَت سَبْعَةً، ثم قَسَمَا السَّبْعَةَ نِصْفَين، لا تَنْقَسِمُ، فاضْرِب اثْنَين في تِسْعَةٍ يَكُنْ ثَمانِيةَ عَشَرَ، للثانِي أرْبَعَةٌ، ولكلِّ واحِدٍ مِن شَرِيكَيه سَبْعةٌ. وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّ الثانِي تَرَك سُدْسًا كان له أخْذُه، وحَقُّه منه ثُلُثاه، وهو السُّبْعُ (2) فيُوَفِّرُ ذلك على شَرِيكَيه في الشُّفْعَةِ، فللأوَّلِ والثالثِ أن يَقُولَا: نحن سَواءٌ في الاسْتِحْقاقِ، ولم يَتْرُكْ واحِدٌ مِنّا شَيئًا مِن حَقِّه، فنَجْمَعُ ما معنا فنَقْسِمُه. فيكونُ على ما ذَكَرْنا. وإن قال الثاني: أنا آخُذُ الرُّبْعَ. فله ذلك؛ لِما ذَكَرْنا في التي قبلَها، فإذا قَدِم الثالِثُ، أخَذَ منه نِصْفَ
(1) في م: «يقسمانه» .
(2)
في الأصل: «التسع» .