الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
بَابُ جَامِعِ الْأَيمَانِ
وَيُرْجَعُ في الأَيمَانِ إلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، رُجِعَ إلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا،
ــ
بابُ جامِعَ الأيمانِ
4717 - مسألة: (ويُرْجَعُ في الأيمانِ إلى النِّيَّةِ، فإن لم تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، رُجِعَ إلى سَبَبِ اليَمِينِ وما هَيَّجَها)
الأيمانُ مَبْنِيَّةٌ على نِيَّةِ الحالِفِ، فإذا نَوَى بيَمِينِه ما يَحْتَمِلُه، انْصَرَفَت يَمِينُه (1) إليه، سَواءٌ كان ما نَواه مُوافِقًا لظاهِرِ اللَّفْظِ، أو مُخالِفًا له، فالمُوافِق للظَّاهِرِ أن يَنْويَ باللَّفْظِ مَوْضُوعَه الأصْلِيَّ، مثل (2) أنْ يَنْويَ باللَّفْظِ العامِّ العُمُومَ، وبالمُطْلَقِ الإِطْلاقَ، وبسائِرِ الألْفاظِ ما يَتَبادَرُ إلى الأفْهامِ منها.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «ثم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمخالِفُ (1) يَتَنَوَّعُ أنْواعًا؛ أحَدُها، أن يَنْويَ بالعامِّ الخاصَّ، مثلَ مَن (2) يَحْلِفُ لا يَأكلُ لحْمًا ولا فاكهةً. يُرِيدُ لَحْمًا بعَينه، وفاكِهَةً بعَينها. ومنها، أن يَحْلِفَ على فِعْلِ شيءٍ أو تَرْكِه مُطْلَقًا، ويَنْويَ فِعْلَه أو تَرْكَه في وَقْتٍ بعَينِه، مثلَ مَن يَحْلِفُ، أن لا يتَغَدَّى. ويُرِيدُ اليومَ. أو: لا أكَلْتُ. يعني الساعةَ. ومنها، أن يَنْويَ بيَمِينِه غيرَ ما يَفْهَمُه السَّامِع منه، كما ذكَرْنا في المَعارِيضِ (3) في مسألةِ إذا تَأَوَّلَ في يَمِينِه فله تَأْويلُه. ومنها، أن يُرِيدَ بالخاصِّ العامَّ، مثلَ أن يَحْلِفَ: لا شَرِبْتُ لفُلانٍ الماءَ من العَطَشِ. ينوي (4) قَطْعَ كُلِّ ما له فيه مِنَّةٌ. أو: لا يَأْوي مع امْرأتِه في دارٍ. يريدُ جَفاءَها بتَرْكِ اجْتماعِه بها في جميعِ الدُّورِ. أو حَلَف: لا يَلْبَسُ ثَوْبًا من غَزْلِها. يُرِيدُ قَطْعَ مِنَّتِها به، فتَتَعَلَّقُ يَمِينُه بالانْتِفاعِ به، أو بثَمَنِه (5)، ممَّا لها فيه مِنَّةٌ عليه. وبهذا قال مالكٌ. وقال أبو حنيفةَ،
(1) في م: «والحالف» .
(2)
في م: «أن» .
(3)
في الأصل: «المعارض» .
(4)
في م: «يعني» .
(5)
بعده في م: «منها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشافِعِيُّ: لا عِبْرَةَ بالنِّيَّةِ والسَّبَبِ فيما يُخالِفُ لَفْظَه؛ لأنَّ الحِنْثَ مُخَالفَةُ ما وَقَعَتْ عليه اليَمِينُ، واليَمِينُ لَفْظُه، فلو أحْنَثْناه على ما سِوَاه، لأحْنَثْناه على ما نَوَى، لا على ما حَلَف، ولأنَّ النِّيَّةَ بمُجرَّدِها لا تَنْعَقِدُ بها اليَمِينُ، فكذلك لا يَحْنَثُ بمُخالفَتِها. ولَنا، أنَّه نَوَى بكَلامِه ما يَحْتَمِلُه، ويَسُوغُ في اللُّغَةِ التَّعْبيرُ به (1) عنه، فتَنْصَرِفُ يَمِينُه إليه، كالمَعارِيضِ، وبَيانُ احْتمالِ اللَّفْظِ له، أنَّه يَسُوغُ في كَلامِ العَرَبِ التَّعْبيرُ بالخاصِّ عن العامِّ، قال اللهُ تعالى:{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (2). {وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (3). {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} (4). والقِطْمِيرُ: لُفافَةُ النَّواةِ. والفَتِيلُ: ما في شَقِّها. والنَّقِيرُ: النَّقْرَةُ التي في ظَهْرِها. ولم يُرِدْ ذلك بعَينه، بل نَفَى كلَّ شيءٍ. وقال الحُطَيئَةُ (5) يَهْجُو (6) بني العَجْلانِ:
* ولَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ *
(1) سقط من: م.
(2)
سورة فاطر 13.
(3)
سورة النساء 49.
(4)
سورة النساء 53.
(5)
كذا نسبه إلى الحطيئة. وهو للنجاشي. وتقدم في 22/ 254.
(6)
في م: «يهيج» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يُرِدِ الحَبَّةَ بعَينِها، إنَّما أرادَ لا يَظْلِمُونَهم شيئًا. وقد يُذْكَرُ العامُّ ويُرادُ به الخَاصُّ، كقوْلِه تعالى:{الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ} (1). أرادَ رجلًا واحِدًا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (1). يعْني أبا سفيانَ. وقال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (2). ولم تُدَمِّرِ السَّماءَ والأرْضَ ولا مَساكِنَهم. وإذا احْتَمَلَه اللَّفْظُ، وَجَب صَرْفُ اليَمِينِ إليه إذا نَوَاه؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«وإنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» (3). ولأنَّ كلامَ الشَّارِعِ يُحْمَلُ على مُرادِه به، إذا ثَبَت ذلك بالدَّليلِ، فكذلك كلامُ غيرِه. قولُهم: إنَّ الحِنْثَ مُخالفَةُ ما عُقِدَ اليَمِينُ عليه. قُلْنا: وهذا كذلك، فإنَّ اليَمِينَ إنَّما انْعَقَدَتْ على ما نَوَاه، ولَفظُه مَصْروفٌ إليه، وليست هذه نِيَّةً مُجَرَّدَةً، بل لَفْظٌ مَنْويٌّ به ما يَحْتَمِلُه.
(1) سورة آل عمران 173.
(2)
سورة الأحقاف 25.
(3)
تقدم تخريجه في 1/ 308.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومن شَرْطِ (1) انْصِرافِ اللَّفْظِ إلى ما نَوَاه، احْتِمالُ اللَّفْظِ له، فإن نَوَى ما لا يَحْتَمِلُه اللَّفْظُ، مثلَ أن يَحْلِفَ لا يَأْكُلُ
(1) في م: «شرائط» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خُبْزًا، يَعْنِي به لا يَدْخُلُ بَيتًا، فإنَّ يَمِينَه لا تَنْصَرِفُ إلى المَنْويِّ؛ لأنَّها نِيَّةٌ مُجَرَّدَةٌ لا يَحْتَمِلُها اللَّفْظُ، فأشْبَهَ ما لو نَوَى ذلك بغيرِ يَمِينٍ.