الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيسَ لَهُ الحُكْمُ بِعِلْمِهِ، مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ. نَصَّ عَلَيهِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الأَصْحَابِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيرِهِ.
ــ
معه أحَدٌ، كان حُكْمًا بعِلْمِه.
4877 - مسألة: (وليس له الحُكْمُ بعِلْمِه فيما رَآه أو سَمِعَه)
في غيرِ مَجْلِسِه (نَصَّ عليه. وهو اخْتِيارُ الأصْحابِ. وعَنْهُ مَا يَدُلُّ على جوازِ ذلك، سواءٌ كان في حَدٍّ أوْ غَيرِه) ظاهِرُ المذهبِ أَنَّ الحاكمَ لا يَحْكُمُ بعِلْمِه في حَدٍّ ولا غيرِه، وسواءٌ في ذلك ما عَلِمَه قبلَ الولايَةِ أو بعدَها. هذا قولُ شُرَيحٍ، والشَّعْبِيِّ، ومالكٍ، [وإسْحاقَ](1)، وأبي عُبَيدٍ، ومحمدِ بنِ الحسنِ. وهو أحدُ قَوْلَي الشافعيِّ. وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخْرَى، يجوزُ له ذلك. وهو قولُ أبي يُوسُفَ، وأبي ثَوْرٍ، والقولُ الثاني للشافعيِّ، واخْتِيارُ المُزَنِيِّ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمّا قالتْ له هندٌ: إنَّ أبا سُفْيانَ رجلٌ شَحِيحٌ، لا يُعْطِينِي مِن النَّفَقةِ ما يَكْفِيني ووَلَدِي. قال:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» (2). فحَكَم لها مِن غيرِ بينةٍ ولا إقْرارٍ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في 24/ 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لعلمِه بصِدْقِها. ورَوَى ابنُ عبدِ البَرِّ (1)، في «كتابِه» أنَّ عُرْوَةَ ومُجاهِدًا رَوَيا، أنَّ رجلًا مِن بني مَخْزُومٍ اسْتَعْدَى عمرَ بنَ الخَطَّابِ على أبي سُفْيانَ بنِ حَرْبٍ، أنَّه ظَلَمَه حَدًّا في موضِعِ كذا وكذا. فقال عمرُ: إنِّي لأعْلَمُ الناسِ بذلك، ورُبَّما لَعِبْتُ أنا (2) وأنتَ فيه، ونحنُ غِلمانٌ، فائْتِنِي بأبي سُفْيانَ. فأتاه به، فقال عمرُ: يا أبا سُفْيانَ، انْهَضْ بنا إلى موضعِ كذا وكذا. فنَهَضُوا، ونَظَر عُمَرُ، فقال: يا أبا سُفْيانَ، خُذْ هذا الحَجَرَ مِن ههُنا فَضَعْه ههُنا. فقال: واللهِ لا أفْعَلُ. فقال: واللهِ لتَفْعَلَنَّ. فقال: واللهِ لا أفْعَلُ. فَعَلاه بالدِّرَّةِ، وقال: خُذْه لا أُمَّ لك، فضَعْه ههُنا، فإنَّك ما عَلِمْتُ قَدِيمُ الظُّلْمِ. فأخَذَ أبو سُفْيانَ الحَجَرَ، ووَضَعَه حيثُ قال عمرُ، ثم إنَّ عُمَرَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فقال: اللهمَّ لك الحَمْدُ حيثُ لم تُمِتْنِي حتى غَلَبْتُ أبا سفيانَ على رَأْيه، وأذْلَلْتَه لي بالإِسْلامِ. قال (3): فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ أبو سُفْيانَ، وقال: اللَّهُم لك الحمدُ، إذ (4) لم تُمِتْنِي حتى جَعَلْتَ
(1) في: التمهيد 22/ 218.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «حيث» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في قلبِي مِن الإِسْلامِ ما أذِلُّ بِه لعُمَرَ. قال: فحَكَمَ بعلمِه. ولأنَّ الحاكمَ يَحْكُمُ بالشّاهِدَين؛ لأنَّهما يَغْلِبان على الظَّنِّ، فما تَحَقَّقَه وقَطَع به كان أَوْلَى، ولأنَّه يَحْكُمُ بعِلْمِه (1) في تَعْديلِ الشُّهودِ وجَرْحِهم، فكذلك في ثُبُوتِ الحَقِّ، قياسًا عليه. وقال أبو حنيفةَ: ما كان مِن حُقوقِ اللهِ تعالى، لا يَحْكُمُ فيه بعِلْمِه؛ لأنَّ حُقوقَ اللهِ تعالى مَبْنِيَّةٌ على المُساهَلَةِ والمُسامَحَةِ، وأمَّا حُقوقُ الآدَمِيِّين فما عَلِمَه قبلَ ولايَتِه، [لم يَحْكُمْ به، وما عَلِمه في ولايتِه، حَكَم به؛ لأنَّ ما عَلِمَه قَبْلَ ولايتِه بمنْزِلَةِ ما سَمِعه مِن الشُّهودِ قَبْلَ ولايتِه](2)، وما عَلِمَه في ولايتِه بمنزلةِ ما سَمِعَه مِن الشُّهودِ في ولايتِه. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا أنَا بَشَرٌ، وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِه مِن بعضٍ، فَأقْضِيَ لَهُ عَلَى (3) نَحْو مَا أسْمَعُ مِنْهُ» (4). فدَلَّ على أنَّه إنَّما يَقْضِي بما يَسْمَعُ، لا بما يَعْلَمُ. وقال
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
بعده في الأصل: «أخيه» .
(4)
أخرجه البخاري، في: باب من أقام البينة بعد اليمين، من كتاب الشهادات، وفي: باب حدثنا محمد بن كثير، من كتاب الحيل، وفي: باب موعظة الإمام للخصوم، من كتاب الأحكام. صحيح البخاري 3/ 235، 9/ 32، 86. ومسلم، في: باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم 3/ 1337. وأبو داود، في: باب في قضاء القاضي إذا أخطأ، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 270، 271. والترمذي، في: باب ما جاء في التشديد. . .، من كتاب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 83، 84. والنسائي، في: باب الحكم بالظاهر، وباب ما يقطع القضاء، من كتاب القضاء، المجتبى 8/ 205، 217. وابن ماجه، في: باب قضية الحاكم لا تحل حراما ولا تحرم حلالًا، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 777. والإمام مالك، في: باب الترغيب في القضاء بالحق، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 719. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 203، 290، 291، 308، 320.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبيُّ صلى الله عليه وسلم، في قَضِيَّةِ (1) الحَضْرَمِيِّ والكِنْدِيِّ:«شَاهِدَاك أوْ يَمينُهُ، لَيسَ لَكَ مِنْه إلَّا ذاك» (2). ورُوِيَ عن عمرَ، رضي الله عنه، أنَّه تَداعَى عندَه رجُلانِ، فقال له أحَدُهما: أنتَ شاهِدِي. فقال: إنْ شِئْتما شَهِدْتُ ولم أحْكُمْ، أو أحْكُمُ ولا أشْهَدُ (3). وذَكَر ابنُ عبدِ البَرِّ (4)، عن عائشةَ، رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَث أبا جَهْمٍ على الصَّدَقَةِ، فَلَاحَاه رجلٌ في فَرِيضةٍ، فوَقَعَ بينَهما شِجَاجٌ، فأتَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأعْطاهم الأَرْشَ، ثم قال:«إنِّي خَاطِبٌ النَّاسَ، وَمُخْبِرَهُمْ أنَّكُمْ قَدْ رَضِيتُم، أرَضِيتُم؟» قالوا: نعم. فصَعِدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وذَكَر القِصَّةَ، وقال:«أرَضِيتُم؟» قالوا: لا. وهَمَّ بهم المُهاجِرُون، فنَزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأعْطاهم، ثم صَعِد، فخَطَبَ الناسَ، فقال:«أرَضِيتُم؟» قالوا: نعم. وهذا (5) يُبَيِّنُ أنَّه لم يَأْخُذْ بعِلْمِه. ورُوِيَ عن أبي بكرٍ،
(1) في الأصل: «قصة» .
(2)
أخرج هذا اللفظ البخاري، في: باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه. . .، من كتاب الرهن، وفي: باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود، ومعلقا، في: باب يحلف المدعى عليه، من كتاب الشهادات، ومعلقا أيضًا، في: باب القسامة، من كتاب الديات. صحيح البخاري 3/ 187، 188، 233، 234، 9/ 10. ومسلم، في: باب وعيد من اقتطع حق مسلم. . .، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 123. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 211.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 6/ 538.
(4)
في: التمهيد 22/ 217. وأخرجه أبو داود، في: باب العامل يصاب على يديه خطأ، من كتاب الديات. سنن أبي داود 2/ 489. والنسائيُّ، في: باب السلطان يصاب على يديه، من كتاب القسامة، المجتبى 8/ 31. وابن ماجه، في: باب الجارح يفتدى بالقود، من كتاب الديات، سنن ابن ماجه 2/ 881. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 232.
(5)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رضي الله عنه، قال: لو رَأيتُ [حَدًّا على رجلٍ](1)، لم أحُدَّه (2) حتى تقومَ البَيِّنَةُ (3). ولأنَّ تَجْويزَ القضاءِ بعِلْمِه يُفْضِي إلى تُهْمَتِه والحُكْمِ بما اشْتَهَى، ويُحِيلُه على عِلْمِه. فأمَّا حديثُ أبي سُفْيانَ، فلا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّه فُتْيا لا حُكْمٌ، بدليلِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أفْتَى في حَقِّ (3) أبي سُفْيانَ مِن غيرِ حُضورِه، ولو كان حُكْمًا عليه لم يَحْكُمْ عليه في غَيبَتِه. وحديثُ عمرَ الذي رَوَوْه، كان إنْكارًا لمُنْكَرٍ رَآه، لا حُكْم (4)، بدليلِ أنَّه ما وُجِدَتْ منهم دَعْوَى ولا إنْكارٌ بشُرُوطِهما، ودليلُ ذلك ما رَوَيناه عنه، ثم لو كان حُكْمًا، كان مُعارَضًا بما رَوَيناه عنه. ويُفارِقُ الحُكْمَ بالشَّهادةِ؛ فإنَّه لا يُفْضِي إلى تُهْمَةٍ، بخلافِ مسألتِنا. وأمَّا الجَرْحُ والتَّعْديلُ، فإنَّه يَحْكُمُ فيه بعِلْمِه، بغيرِ خلافٍ؛ لأنَّه لو لم يَحْكُمْ فيه (5) بعِلْمِه، لتَسَلْسَلَ، فإنَّ المُزَكِّيَين يَحْتاجُ إلى مَعْرفَةِ عَدالتِهما وجَرْحِهما، فإذا لم يَعْمَلْ بعِلْمِه، احْتاجَ كلُّ واحدٍ منهما إلى مُزَكِّيَين، ثم كلُّ واحدٍ منهما يَحْتاجُ إلى مُزكِّيَين، فيَتَسَلْسَلُ، وما نَحْنُ فيه بخلافِه.
(1) في الأصل: «رحلا على حمل رجل» .
(2)
في م: «آخذه» .
وعزاه الحافظ للإمام أحمد والبيهقي. انظر: تلخيص الحبير 4/ 197.
(3)
في م: «حكم» .
(4)
كذا بالنسخ.
(5)
سقط من: الأصل.