الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى بَيتِ اللهِ الحَرَامِ، أو مَوْضِع مِنَ الْحَرَمِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلا أن يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ لِعَجْزٍ أو غَيرِهِ، فَعَلَيهِ كَفَّارَةُ يَمِين. وَعَنْهُ، عَلَيهِ دَمٌ.
ــ
ولا أيَّامُ العيدِ والتَّشْريقِ. فإن أفْطَرَ لعُذْرٍ أو غيرِه، لم يَقْضِه؛ لأنَّ الزَّمَنَ مُسْتَغْرقٌ بالصَّومِ المَنْذُورِ، لكنْ تَلْزَمُه كفَّارَةٌ لتَرْكِه. وإن لَزِمَه قَضاء [من رمضانَ](1)، أو كَفَّارَة، قَدَّمَه على النَّذْرِ؛ لأنَّه واجِبٌ بأصْلِ الشَّرْعِ، فيُقَدَّمُ على ما أوْجَبَه على نَفْسِه، كتَقْدِيمِ (2) حَجَّةِ الإِسْلامِ على المَنْذُورَةِ. وإذا لَزِمَتْه كَفَّارَة لتَرْكِه صومَ يوم أو أكثرَ، وكانت كَفَّارَتُه الصِّيامَ، احْتَمَلَ أن لا (3) يَجِبَ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ إلَّا بتَرْكِ الصومِ المَنْذُورِ، وتَرْكُه يُوجِبُ كفَّارَةً، فيُفْضِي ذلك (3) إلى التَّسَلْسُلِ، وتَرْكِ المَنْذُورِ بالكُلِّيَّةِ. ويَحْتَمِلُ أن تَجِبَ الكَفَّارَةُ، ولا يَجِبُ بفِعْلِها كفَّارَةٌ؛ لأنَّ تَرْكَ النَّذْرِ لعُذْرٍ لا يُوجِبُ كَفَّارَةً، فلا يُفْضِي إلى التَّسَلْسُلِ. واللهُ أعلمُ.
4815 - مسألة: (وإن نَذَر المَشْيَ إلى بَيتِ اللهِ الحَرامِ، أو مَوْضِع مِن الحَرَمِ، لم يُجْزِئْه إلَّا أن يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أو عُمْرَةٍ، فَإن تَرَك المَشْيَ لعَجْزٍ أو غيرِه، فعليه كَفَّارَةُ يَمِين. وعنه، عليه دَمٌ)
وجملةُ
(1) في م: «لرمضان» .
(2)
في م: «لتقديم» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، أنَّ مَن نَذَر المَشْيَ إلى بيتِ اللهِ عز وجل، لَزِمَه الوَفاءُ بنَذْرِه. وبهذا قال مالكٌ، والأوْزَاعِيّ، والشَّافعيّ، وأبو عُبَيدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. ولا نعلمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ نَذَرَ أن يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ» (1). وقال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ المَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَسْجِدِي هذَا، والمَسْجِدِ الأقْصَى» (2). ولا يُجْزِئُه المَشْيُ إلَّا في حَج أو عُمْرَةٍ. وبه يقولُ الشافِعِيُّ. ولا نعلمُ فيه خِلافًا؛ وذلك لأنَّ المشيَ إليه في الشَّرْعِ هو المشيُ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ، فإذا أطْلَقَ النَّاذِرُ، حُمِلَ على المَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، ويَلْزَمُه المشيُ لنَذْرِه إيَّاه، فإن عَجَز عن المشي، رَكِب، وعليه كَفَّارَةُ يَمِين. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أخْرَى، أنَّه يَلْزَمُه دَم.
(1) تقدم تخريجه في 7/ 563.
(2)
تقدم تخريجه في 5/ 34.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قولُ الشَّافِعِيِّ. [وأفْتَى به](1) عَطاءٌ؛ لِما روَى ابنُ عباس، أنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بنِ عامِر نَذَرَتِ المَشْيَ إلى بيتِ اللهِ الحَرامِ، فأمَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن تَرْكَبَ، وتُهْدِيَ هَدْيًا. رَواه أبو داودَ (2)، وفيه ضعفٌ. [ولأنَّه](3) أخَلَّ بواجبٍ في الإِحْرام، فلَزِمَه هَدْيٌ، كتاركِ الإِحْرام مِن المِيقاتِ. وعن ابنِ عمرَ، وابن الزُّبَيرِ، قالا: يَحُجُّ مِن قابل، ويَرْكَبُ ما مَشَى ويَمْشِي ما رَكِب (4). ونحوَه قال ابنُ عباسٍ (4)، وزادَ: ويُهْدِي. وعن الحسنِ مثلُ الأقْوالِ الثَّلاثَةِ. وعن النَّخَعِيِّ رِوايتان؛ إحداهما، كقولِ ابنِ عمرَ. والثَّانيةُ، كقولِ ابنِ عباس. وهذا قولُ مالكٍ. وقال أبو حنيفةَ: عليه (5) هَدْيٌ، سَواءٌ عَجَز عن المشْي أو قَدَر عليه، وأقل الهَدْي شاةٌ. وقال الشَّافعيُّ: لا تَلْزَمُه مع العَجْزِ كفَّارَة بحالٍ،
(1) في م: «وبه قال» .
(2)
في: باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، من كتاب الإيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 210. كما أخرجه الدارمي، في باب في كفارة المنذر، من كتاب النذور والأيمان. سنن الدارمي 2/ 183، 184. وقال الحافظ: إسناده صحيح. تلخيص الحبير 4/ 178.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 239، 253، 311. وعنده:«ولتهد بدنة» . وانظر: الإرواء 8/ 219 - 221.
(3)
في م: «لأنَّه» .
(4)
أخرجه عن ابن عمرو بن عباس، عبد الرزاق، في: باب من نذر مشيًا ثم عجز، من كتاب الأيمان والنذور. المصنف 8/ 449. والبيهقي في: باب من أمر فيه بالإعادة والمشي فيما ركب. . . .، من كتاب النذور. السنن الكبرى 10/ 81.
(5)
في م: «يلزمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا أن يكونَ النَّذْرُ إلى بيتِ اللهِ، فهل يَلْزَمُه هَدْيٌ؟ فيه قَوْلانِ، وأمَّا غيرُه، فلا يَلْزَمُ مع العَجْزِ شيءٌ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأخْتِ عُقْبةَ بنِ عامِر، لَمَّا نذَرَتِ المشْيَ إلى بيتِ اللهِ:«لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتُكَفِّرْ يَمِينَهَا» (1). وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ اليَمِينِ» (2). ولأنَّ المَشْيَ ممَّا لا يُوجِبُه الإِحْرامُ، فلم يَجِبِ الدَّمُ ببرْكِه، كما لو نَذَرَت صلاةَ رَكعتين، فتَرَكَتْهما، وحدِيثُ الهَدْي ضَعِيف، وهذا حُجَّة على الشَّافعيِّ، حيثُ أوْجَب الكفَّارَةَ عليها [مِن غيرِ ذكرِ] (3) العَجْزِ. فإن قيلَ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أوْجَبَ عليها (4) الكفَّارَةَ مِن غيرِ ذِكْرِ العَجْزِ. قُلْنا: يَتَعَيَّنُ حَمْلُه على حالةِ العَجْزِ؛ لأنَّ المشيَ قُرْبَة، لكَوْنِه مَشْيًا إلى عِبادَةٍ، والمشْيُ إلى العِبادَةِ أفضلُ، ولهذا رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَرْكَبْ في عِيدٍ ولا جِنازَةٍ (5). فلو كانت قادِرَةً على المشي، لأمَرَها به، ولم يَأمُرْها
(1) تقدم تخريجه في صفحة 171.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 172.
(3)
في الأصل: «مع» .
(4)
في م: «عليه» .
(5)
تقدم تخريجه في 5/ 326.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[بالرُّكوبِ والتَّكْفيرِ](1)، ولأنَّ المشيَ المَقْدُورَ عليه لا يَخْلُو مِن أن يكونَ واجِبًا أو مُباحًا؛ فإن كان واجِبًا، لَزِم (2) الوَفاءُ به، وإن كان مُباحًا، لم تَجِبِ الكَفَّارَةُ بتَرْكِه عندَ الشَّافعيِّ، وقد أوجَب الكفَّارَةَ ههُنا، وتَرْكُ ذِكْرِه في الحديثِ؛ إمَّا لِعلمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بحالِها وعَجْزِها، وإمَّا لأنَّ الظَّاهِرَ مِن حالِ المرأةِ العَجْزُ عن المَشْي إلى مَكَّةَ. أو (3) يكونُ قد ذُكِر في الخَبَرِ، فتَرَك الرَّاوى ذِكْرَه. وقولُ أصحابِ أبي حنيفةَ: إنَّه أخَلَّ بواجِبٍ في الحَجِّ. قُلْنا المشيُ لم يُوجِبْه الإِحْرامُ، ولا هو مِن مَناسِكِه، فلم يَجِبْ بتَرْكِه هَدْيٌ، كما لو نَذَر صلاةَ ركعتين في الحَجِّ، فلم يُصَلِّهِما. فأمَّا إن تَرَك المَشْيَ مع إمْكانِه، فقد أساءَ، وعليه كَفَّارَة لتَرْكِه صِفَةَ النَّذْرِ. وقياسُ المذهبِ أن يَفزَمَه اسْتِئْناف الحَجِّ ماشِيًا؛ لتَرْكِه صِفَةَ المَنْذُورِ، كما لو نَذَر صَوْمًا مُتَتابِعًا فأتى به مُتَفَرِّقًا. فإن عَجَز عن المشي بعدَ الحَجِّ، كَفَّر، وأجْزَأه. وإن مَشَى بعضَ. الطريقِ ورَكِب بعضًا، فعلى هذا القياسِ، يَحْتَمِلُ أن يكون كقولِ ابنِ عمرَ، وهو أن يَحُجَّ فيَمْشِيَ
(1) في ق، م:«بالتكفير» .
(2)
في الأصل: «لزمه» .
(3)
في الأصل: «و» .