الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيهِ ممَّا اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْقِيَاسَ وَحُدُودَهُ وَشُرُوطَهُ وَكَيفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ، وَالْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمَا يُوَالِيهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيهِ وَرُزِقَ فَهْمَهُ، صَلُحَ لِلْقَضَاءِ، وَالْفُتْيَا، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
ــ
كونِه في الجِهَةِ الشَّمالِيَّةِ، وكذلك إذا عَرَف الشمسَ، احْتاجَ إلى معرفةِ الجِهَةِ التي تكونُ فيها في حالِ طُلوعِها، وحالِ غُرُوبِها وتَوَسُّطِها، وهذا كذلك. والمُسْنَدُ مِن السُّنَّةِ والمُتَّصِلُ واحدٌ، والمُرْسَلُ الذي يكونُ (1) بينَ الرَّاوي وبينَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلٌ غيرُ مَذْكُورٍ، والمُنْقَطِعُ الذي يكونُ بينَهما أكثرُ مِن واحدٍ. وقيلَ: هو الذي يَرْويه مَن لم يُدْرِكِ الصحابةَ عنهم (2).
4839 - مسألة: (ويَعْرِفُ ما أُجْمِع عليه ممَّا اخْتُلِف فيه، والقِياسَ وحُدُودَه وشُرُوطَه وكَيفِيَّةَ اسْتِنْباطِه)
الأحْكامَ [منه (والعربيةَ المُتداوَلَةَ بالحِجازِ والشَّامِ والعِراقِ وما يُوالِيهم) ليَتَعَرَّفَ به اسْتِنْباطَ الأحْكامِ](3) مِن أصْنافِ عُلُومِ الكِتابِ والسُّنَّةِ. وقد نَصَّ أحمدُ على
(1) سقط من: الأصل.
(2)
زيادة من: ق، م.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اشْتِراطِ ذلك لِلفُتْيا، والحُكْمُ في مَعْناه. وإنَّما اشْترطَ معرفةَ ما أُجْمِع عليه؛ لأنَّ الاجْتِهادَ إنَّما يُشْرَعُ فيما اخْتُلِف فيه، وأمَّا المُجْمَعُ عليه، فيَجِبُ الرُّجُوعُ إلى ما أُجْمِع عليه دُونَ غيرِه، فيَجِبُ معرفةُ [ذلك؛ ليَرْجِعَ في المُجْمَعِ عليه إلى الإجْماعِ، وفي غيرِه إلى الاجْتِهادِ. وأمَّا معرفةُ اسْتِنْباطِ](1) القياسِ -وهو أحدُ أدِلَّةِ الأحْكامِ- فإنَّه لا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُها إلَّا
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بذلك، فكان معرفةُ ذلك مِن ضَرُورَةِ معرفةِ الأحْكامِ. فأمَّا معرفةُ اللُّغَةِ والعرَبِيَّةِ، فإنَّ أدِلَّةَ الأحْكامِ كتابُ اللةِ تعالى وسُنَّةُ رسولِه، والكتابُ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (1)، نَزَل به الرُّوحُ الأمِينُ، بلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، والسُّنَّةُ قولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يَقُومُ مَقامَه، وقد قال اللهُ تعالى:(وَمَا أرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)(2). فيُعْتَبَرُ معرفةُ اللُّغَةِ التي هي لِسانُ الكتابِ والسُّنَّةِ؛ ليَعْرِفَ مُقْتَضاهما (3). فإن قيلَ: فهذه الشُّروطُ لا تَجْتَمِعُ في أحدٍ، فكيفَ يجوزُ اشْتراطُها؟ قُلْنا: ليس مِن شَرْطِه أنَّ يكونَ مُحِيطًا بهذه العُلُومِ إحاطَةً تَجْمَعُ أقْصاها، وإنَّما يَحْتاجُ أنْ يَعْرِفَ مِن ذلك
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة إبراهيم 4.
(3)
في م: «مقتضاها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما يَتَعَلَّقُ بالأحْكامِ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ ولسانِ العربِ، ولا أنَّ يُحِيطَ بجميعِ الأخْبارِ الواردةِ في هذا، فقد كان أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ وعمرُ بنُ الخَطَّابِ، رضي الله عنهما، خَلِيفَتا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ووَزِيراه، وخيرُ الناسِ بعدَه، في حالِ إمامَتِهما يُسْألانِ عن (1) الحُكْمِ، فلا يَعْرِفانِ ما فيه مِن السُّنَّةِ حتى يَسْألا الناسَ فيُخْبَرَا، فسُئِلَ أبو بكرٍ عن ميراثِ الجَدَّةِ، فقال: مالكِ في كتابِ اللهِ شيءٌ، ولا أعْلَمُ لكِ في سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا، ولكنِ ارْجعِي حتى أسْألَ الناسَ. ثم قامَ فقال: أنشُدُ اللهَ مَن يَعْلَمُ قضاءَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الجَدَّةِ؟ فقامَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، فقال: أشْهَدُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعْطاها السُّدْسَ (2). وسأل عمرُ عن إمْلاصِ المرأةِ،
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 8/ 561.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأخْبَرَه المُغِيرَةُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فيه بغُرَّةٍ (1). ولا تُشْتَرَطُ معرِفةُ المسائلِ التي فَرَّعَها (2) المجتَهِدون في كُتُبِهم، فإنَّ هذه فُرُوعٌ فَرَّعَها الفُقَهاءُ بعدَ حِيازَةِ مَنْصِبِ الاجْتِهادِ، فلا تكونُ شَرْطًا له وهو سابقٌ عليها (3). وليس مِن شَرْطِ الاجْتِهادِ في مسألةٍ أنَّ يكونَ مُجْتَهِدًا في كلِّ المسائلِ، بل مَن عَرَف أدِلَّةَ مسألةٍ، وما يَتَعَلَّقُ بها، فهو مُجْتَهِدٌ فيها وإن
(1) تقدم تخريجه في 25/ 411.
(2)
في م: «عرفها» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَهِل غيرَها، كمَن يَعْرِفُ الفَرائِضَ وأُصُولَها، ليس مِن شَرْطِ اجْتِهادِه فيها معرفتُه بالبَيعِ، ولذلك ما مِن إمامٍ إلَّا وقد تَوَقَّفَ في مسائلَ. وقيل: مَن يُجِيبُ في كلِّ مسألةٍ فهو مجنون، وإذا تَرَك العالِمُ: لا أدْرِي. أُصِيبَتْ مَقاتِلُه. وحُكِي [عن مالِكٍ أنَّه](1) سُئِل عن أرْبَعِين مسألةً، فقال في ستٍّ وثلاثين: لا أدْرِي. ولم يُخْرِجْه ذلك عن كونِه مُجْتَهِدًا. وإنَّما المُعْتَبَرُ أُصُولُ هذه الأُمُورِ، وهو مَجْمُوع مُدَوَّن في فُرُوعِ الفِقْهِ وأُصُولِه، فمَن عَرَف ذلك، ورُزِق فَهْمَه، كان مُجْتَهِدًا، وصَلَح للفُتْيا والقضاءِ. وباللهِ التَّوْفِيقُ.
(1) في الأصل: «أنَّ مالكا» .
فَصْل: وَإنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُل يَصْلُحُ للقَضَاءِ، فَحَكَّمَاهُ بَينَهُمَا، فَحَكَمَ، نَفَذَ حُكمُهُ في الْمَالِ.
ــ
فصل: قال الشّيخُ، رحمه الله:(وإذا تحاكَمَ رَجُلانِ إلى رجل يَصْلُحُ للقَضاءِ، وحَكَّماه بينَهما) جازَ ذلك، و (نَفَذ حُكْمُه) عليهما. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وللشافعيِّ قَوْلان؛ أحَدُهما، لا يَلْزَمُهما (1) حُكْمُه إلَّا بتَراضِيهما؛ لأنَّ حُكْمَه إنَّما يَلْزَمُ بالرِّضا به، ولا يكونُ الرِّضا إلَّا بعدَ المعرفةِ بحُكْمِه. ولَنا، ما رَوَى أبو شُرَيح، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال له:«إنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَمِ؟» . قال: إنَّ قَوْمِي إذا اخْتَلَفوا في شيءٍ أتَوْني، فحَكَمْتُ بينَهم، فرَضِيَ عليَّ الفَرِيقان. قال: «مَا أحْسَنَ
(1) في م: «يلزمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هَذَا، فَمَنْ أكْبَرُ وَلَدِكَ؟» قال: شُرَيحٌ. قال: «فَأنْتَ أبو شُرَيح» . أخْرَجَه النَّسائِيُّ (1). ورُوي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ حَكَمَ بَينَ اثْنَينِ تَرَاضَيَا بِهِ، فَلَمْ يَعْدِلْ بَينَهُما، فَهُوَ مَلْعُون» (2). ولولا أنَّ حُكْمَه يَلْزَمُهما، لَما لَحِقَه هذا الذَّمُّ. ولأنَّ عُمَرَ وأبَيًّا تَحاكَما إلى زيدٍ (3). وحاكَمَ عُمَرُ أعْرابِيا إلى شُرَيح قبلَ أن يُوَلِّيَه القضاءَ. وتحاكَمَ عُثمانُ وطَلْحَةُ إلى جُبَيرِ بنِ مُطْعِم (4)، ولم يكونوا قُضاةً. [فإن قِيلَ: فعُمَرُ وعُثْمانُ كانا إمامَين، فإذا رَدَّا الحُكْمَ إلى رجل صار قاضِيًا. قُلْنا: لم يُنْقَلْ عنهما إلَّا الرضا بتَحْكِيمِه خاصَّةً، وبهذا لا يُعْتَبَرُ قاضِيًا] (5). وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بما إذا رَضِيَ بتَصَرُّفِ وَكِيله، فإنَّه يَلْزَمُه قبلَ المعرفةِ به. إذا ثَبَت هذا، فإنه لا يجوزُ نقْضُ حُكْمِه فيما لا يُنْقَضُ فيه حُكْمُ مَن له ولاية. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: للحاكِمِ نَقْضُه إذا خالفَ رَايَه؛ لأن هذا عَقْذ في حقِّ الحاكمِ، فمَلَك فَسْخَه، كالعَقْدِ المَوْقُوفِ في حَقِّه. ولَنا، أن هذا حُكْمٌ صحيح لازِم، فلم يَجُزْ فَسْخُه لمُخالفَةِ رَأيِه، كحُكْمِ مَن له ولاية. وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ فإنَّ حُكْمَه لازِم للخَصْمَين، فكيفَ
(1) في: باب إذا حكموا رجلا فقضى بينهم، من كتاب آداب القضاة. المجتبى 8/ 199.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في تغيير الاسم القبيح، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 585.
(2)
عزاه ابن حجر لابن الجوزي في التحقيق. تلخيص الحبير 4/ 185.
(3)
تقدم تخريجه في 27/ 502.
(4)
انظر ما تقدم في 11/ 96.
(5)
سقط من: الأصل.
ويَنْفُذُ في الْقِصَاصِ، والْحَدِّ، وَالنِّكَاحِ، واللِّعَانِ في ظَاهِرِ كَلَامِهِ. ذَكَرَهُ أبو الْخَطَّابِ. وَقَال الْقَاضِي: لا يَنْفُذُ إلا في الاموالِ خَاصَّةً.
ــ
يكونُ مَوْقُوفًا؛ ولو كان كذلك، لملك فَسْخَه وإن لم يُخالِفْ رَايَه، ولا نُسَلِّمُ الوُقُوفَ في العُقُودِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ لكلِّ واحدٍ مِن الخَصْمَين الرُّجُوعَ عن تَحْكِيمِه قبلَ شُرُوعِه [في الحُكْمِ؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ إلَّا برِضاه، فأشْبَهَ ما لو رَجَع عن التَّوْكِيلِ قبلَ التَّصَرُّفِ. وإن رَجَع بعدَ شُرُوعِه](1)، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، له ذلك؛ لأنَّ الحُكْمَ لم يتمَّ، أشْبَهَ قبلَ الشُّرُوعِ. والثاني، ليس له ذلك؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى أنَّ كلَّ واحدٍ منهما إذا رَأى مِن الحُكْمِ ما لا يُوافِقُه، رَجَع، فبَطَل المقْصُودُ به.
واخْتَلَفَ أصْحابُنا فيما يجوزُ فيه التَّحْكِيمُ، فقال أبو الخَطَّابِ: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ تَحْكِيمَه يجوزُ في كلِّ ما يَتحاكَمُ فيه الخَصْمانِ، قِياسًا على قاضي الإمامِ. وقال القاضي: يجوزُ حُكْمُه في الأمْوالِ خاصَّةً، فأمَّا النِّكاحُ، واللِّعانُ، والقَذْفُ، والقِصاصُ، فلا يجوزُ التَّحْكِيمُ فيها؛ لأنَّ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لهذه الأحْكامِ مَزِيَّةً على غيرِها، فاخْتَصَّ حاكمُ الإمامِ بالنَّظَرِ فيها، كالحُدودِ وذكرَ صاحِبُ «المُحَرَّرِ» فيها رِوايَتَين. ولأصحابِ الشافعيِّ وَجْهان كهَذَين. وإذا كَتَب هذا القاضي بما حَكَم به كِتابًا إلى قاض مِن قُضاةِ المسلمين، لَزِمَه قَبُولُه، وتَنْفِيذُ كِتابِه؛ لأنَّه حاكمٌ نافِذُ الأحْكامِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلَزِم قَبولُ كتابِه، كحاكِمِ الإمامِ.