الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنَّذْرُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى خَمْسَةِ أقْسَامٍ؛ أحَدُهَا، النَّذْرُ الْمُطْلَقُ؛ وَهُوَ أنْ يَقُولَ: لِلهِ عَلَيَّ نَذْرٌ. فَتَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
ــ
4796 - مسألة: (والنَّذْرُ المُنْعَقِدُ على خَمْسَةِ أَقسام؛ أحَدُها، النَّذْرُ المُطْلَقُ، وهو أن يقولَ: لله عِليَّ نَذْرٌ. فتَجِبُ)
به (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) في قولِ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ مسعودٍ، وابنِ عباس، وجابِر، وعائشةَ، رضي الله عنهم. وبه قال الحسنُ، وطاوسٌ، وسالمٌ، والقاسمُ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وعِكْرِمَةُ، وسعيدُ بنُ جُبَير، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، ومحمدُ بنُ الحسنِ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا إلَّا الشافعيَّ، قال: لا يَنْعَقِدُ نَذْرُه، ولا كَفَّارَةَ فيه. ولَنا (1) ما روَى عُقْبَةُ بنُ عامِر، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمَّ، كَفَّارَةُ يَمِين» . رَواه التِّرْمِذِيُّ (2)، وقال: هذا حديث حسنٌ صَحِيحٌ غَريبٌ. وهذا نَصٌّ، ولأنَّه قولُ مَن سَمَّينَا مِن الصحابَةِ والتابِعِين، ولا نَعْرِفُ لهم في عَصْرِهم مُخالِفًا، فيكونُ إجْماعًا.
(1) في م: «أما» .
(2)
انظر تخريج هذا اللفظ في 27/ 521.
الثَّانِي، نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَهُوَ مَا يَقْصِدُ بِهِ الْمَنْعَ مِنْ شَيْءٍ، أو الْحَمْلَ عَلَيهِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ فَلِلّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ. أوْ: صَوْمُ سَنَةٍ. أوْ: عِتْقُ عَبْدِي. أو: الصَّدَقَةُ بِمَالِي. فَهَذَا يَمِين، يُخَيَّرُ بَينَ فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ.
ــ
(الثاني، نَذْرُ اللَّجَاجِ والغَضَبِ، وهو ما يَقْصِدُ به المَنْعَ مِن شيءٍ، أو الحَمْلَ عليه، كقَوْلِه: إن كَلَّمْتُكَ فَلِله علَيَّ الحَجُّ. أو: صَوْمُ سَنَةٍ. أو: عِتْقُ عَبْدِي. أو: الصَّدَقَةُ بمالِي. فهذا يَمِينٌ، يُخَيَّرُ بينَ فِعْلِه) وبينَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ؛ لِما روَى عِمْرانُ بن حُصَين، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لَا نَذْرَ في غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَواه سعيدٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «سُنَنِه» (1). وعن أحمدَ أنَّ الكَفَّارَةَ تَتَعَيَّنُ عليه، ولا يُجْزِئُه غيرُها؛ للخَبَرِ. والأوَّلُ ظاهِرُ المذهَبِ، لأنَّها يَمِين، فيُخَيَّرُ فيها بينَ الأمْرَين،
(1) وأخرجه النسائي، في: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 26. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 433، 439، 440.
الثَّالِثُ، نَذْرُ الْمُبَاحِ، كَقَوْلِهِ: للهِ عَلَيَّ أنْ ألْبَسَ ثَوْبِي. أوْ: أرْكَبَ دَابَّتِي. فَهَذَا كَالْيَمِينِ، يَتَخَيَّرُ بَينَ فِعْلِهِ وَبَينَ كَفَّارَةِ يمِينٍ.
ــ
كاليَمِينِ باللهِ تعالى، ولأنَّ هذا جمَعَ الصِّفَتين، فَيَخْرُجُ عن العهْدَةِ بكُلِّ واحدَةٍ منهما.
(الثالِثُ، نَذْرُ المُباحِ، كقولِه: لله عِليَّ أنْ ألْبَسَ ثَوْبِي. أو: أرْكَبَ دابَّتِي. فهذا كاليَمِينِ، يَتَخَيَّرُ بينَ فِعْلِه وبينَ كَفَّارَةِ يَمِين) لِما رُوِيَ أنَّ امرأةً أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: إنِّي نَذَرْتُ أن أضْرِبَ على رَأْسِكَ بالدُّفِّ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أوْفِ بِنَذْرِكِ» . رَواه أبو داودَ (1). ولأنَّه لو حَلَف على فِعْلِ مُباح، بَرَّ بفِعْلِه، فكذلك إذا نَذَرَه؛ لأنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ. وإن شاءَ تَرَكَه وعليه كَفَّارةُ يَمِين، كما لو حَلَف ليَفْعَلَنَّه، فلم يَفْعَلْ. ويَتَخَرَّجُ أن لا كَفَّارَةَ فيه، فإنَّ أصحابَنا قالوا: مَن نَذَر أن يَعْتَكِفَ
(1) في: باب ما يؤمر به من الوفاء عن النذر، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 213.
كما أخرجه الترمذي، في: باب مناقب عمر، رضي الله عنه، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذي 13/ 147. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 353، 356. والبيهقي، في: باب ما يوفى به من النذر، من كتاب النذور. السنن الكبرى 10/ 77. وابن حبان، في: باب ذكر الخبر الدال على إباحة قضاء النذر. . . .، من كتاب النذور. انظر: الإحسان 6/ 286، 287. وصححه في: الإرواء 8/ 213، 214.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مسجدٍ مُعَيَّن، أو يُصَلِّيَ فيه، كان له أن يُصَلِّيَ ويَعْتَكِفَ في غيرِه، ولا كَفَّارَةَ عليه، ومَن نَذَر أن يَتَصَدَّقَ بمالِه كلِّه، أجْرَأَتْه الصَّدَقَةُ بثُلُثِه بلا كَفَّارَةٍ. وهذا مثلُه. وقال مالكٌ، والشافِعِيُّ: لا يَنْعَقِدُ نَذْرُه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ» (1). وروَى ابنُ عباسٍ، قال: بَينَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسَألَ عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ، نذرَ أن يقومَ في الشمسِ، ولا يَسْتَظِلَّ، ولا يَتَكَلَّمَ، ويصومَ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مُرُوهُ فَلْيَجْلِسْ، وَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيُتمَّ صَوْمَهُ» . رَواه البخاريُّ (2). وعن أنَسٍ، قال: نَذَرَتِ امرأةٌ أن تَمْشِيَ إلى بيتِ اللهِ، فسُئِلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«إنَّ اللهَ لغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِها، مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ» . قال التِّرْمِذِيُّ (3): هذا حديث صَحِيحٌ. ولم يأمُرْ بكَفَّارَةٍ. ورُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى رجلًا يُهادَى بينَ اثْنَين، فسألَ عنه، فقالوا: نَذَرَ أن يَحُجَّ ماشِيًا. فقال: «إنَّ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب الطلاق قبل النكاح، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 507. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 185.
(2)
تقدم تخريجه في 7/ 631.
(3)
في: باب ما جاء في من يحلف بالمشي ولا يستطيع، من أبواب النذور. عارضة الأحوذي 7/ 19، 20.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيب هذَا نَفْسَهُ، مُرُوهُ فَلْيَرْكَبْ». مُتَّفَقٌ عليه (1). ولم يَأْمُرْه بكَفَّارَةٍ. ولأَنَّه نَذْرٌ غيرُ مُوجِبٍ (2) لفِعْلِ ما نَذَرَه، فلم يُوجِبْ كَفَّارَةً، كنَذْرِ المُسْتَحيلِ. ولَنا، ما تقَدَّمَ في قِسْمِ نَذْرِ اللَّجَاجِ (3) والغَضَب، فأمَّا حديثُ التي نَذَرَتِ المَشْيَ، فقد أمَرَ فيه بالكَفَّارَةِ في حديثٍ آَخَرَ، فروَى عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ، أنَّ أُخْتَه نَذَرَتْ أن تَمْشِيَ إلى بيتِ الله الحَرامِ، فسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:«مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا» . أخْرَجَه أبو داودَ (4). وهذه زِيادَةٌ يجبُ الأخْذُ بها، ويجوزُ أن يكونَ الرَّاوي للحديثِ روَى البعضَ وتَرَك البعضَ، أو يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ (5) ذِكْرَ الكَفَّارَةِ في بعضِ الحديثِ، إحالةً على ما عُلِمَ مِن حَدِيثِه في مَوْضِعٍ آخَرَ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب من نذر المشي إلى الكعبة، من أبواب المحصر وجزاء الصيد، وفي: باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخاري 3/ 25، 8/ 177: ومسلم، في: باب من نذر أن يمشي إلي الكعبة، من كتاب النذور. صحيح مسلم 3/ 1264.
كما أخرجه أبو داود، في: باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 219، 220. والترمذي، في: باب ما جاء في من يحلف بالمشي ولا يستطيع، من أبواب الأيمان والنذور، عارضة الأحوذي 7/ 21. والنسائي، في: باب ما الواجب على من أوجب على نفسه نذرا فعجز عنه، من كتاب الأيمان. المجتبى 7/ 28. وابن ماجه، في: باب من نذر أن يحج ماشيا، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 689. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 106، 114، 183، 235، 271.
(2)
في م: «واجب» .
(3)
في الأصل: «الحاج» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 171.
(5)
سقط من: الأصل.