الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا رَأَى خَطَّهُ فِى كِتَابٍ بِشَهَادَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا، فَهَلْ لَهُ أنْ يَشْهَدَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
4926 - مسألة: (وكذلك الشّاهِدُ إذا وَجَد خَطَّه بشَهادَةٍ في كِتابٍ، ولم يَذْكُرْها، فهل له أن يَشْهَدَ بها؟ على رِوايَتَيْن)
إحْداهما، له أن يَشْهَدَ بها؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّها خَطُّه. والثانيةُ، لا يَشْهَدُ بها إلَّا أن يَذْكُرَها؛ لأنَّها قد تُزَوَّرُ على خَطِّه، وقد وُجِدَ ذلك.
فَصْلٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ لَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ.
نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا.
ــ
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله: (ومَن كان له على إنْسانٍ حَقٌّ، ولم يُمْكِنْه أخْذُه بالحاكمِ، وقَدَر له على مالٍ، لم يَجُزْ أن يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّه.
نَصَّ عليه. واخْتارَه عامَّةُ شُيوخِنا) وجملةُ ذلك، أنَّه إذا كان لرجلٍ على غيرِه حَقٌّ، وهو مُقِرٌّ به، باذِلٌ له، لم يكنْ له أنْ يَأْخُذَ مِن مالِه إلَّا ما يُعْطِيه. بلا خِلافٍ بينَ أهلِ العلمِ. فإن أخَذَ مِن مالِه شيئًا بغيرِ إذْنِه، لَزِمَه رَدُّه إليه وإن كان قَدْرَ حَقِّه؛ لأنَّه لا يجوزُ أنْ يَمْلِكَ عليه (1) عينًا مِن أعْيانِ مالِه، بغيرِ اخْتِيارِه، لغيرِ ضَرُورَةٍ، وإن كانت مِن جِنْسِ حَقِّه؛ لأنَّه قد يكونُ للإِنْسانِ غَرَضٌ في العَيْنِ. فإن أتْلَفها، أو تَلِفَتْ فصارت دَيْنًا في ذِمَّتِه، وكان الثابِتُ في ذِمَّتِه مِن جِنْسِ حَقِّه، تَقاصّا، في قياسِ المذهبِ، والمَشْهُورِ مِن مَذهبِ الشافعىِّ. وإن كان مانِعًا له لأمْرٍ يُبِيحُ المَنْعَ، كالتَّأْجِيلِ والإِعْسارِ، لم يَجُزْ أخْذُ شئٍ مِن مالِه، بغيرِ خِلافٍ.
(1) سقط من: الأصل.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ المُحْدَثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ، أَخَذَ قَدْرَ حَقِّهِ، وَإلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، مُتَحَرِّيًا
ــ
وإن أخَذَ شيئًا، لَزِمَه رَدُّه ما كان باقِيًا، أو عِوَضُه إن كان تالِفًا، ولا يحْصُلُ التَّقاصُّ ههُنا؛ لأنَّ الدَّيْنَ الذى له لا يَسْتَحِقُّ أخْذَه في الحالِ، بخِلافِ التى قبلَها. وإنْ كان [مانعًا له](1) بغيرِ حَقٌّ، وقَدَر على اسْتِخْلاصِه بالحاكمِ أو (2) السُّلْطانِ، لم يَجُزْ له الأخْذُ أيضًا (3)، بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّه قَدَر على اسْتِيفاءِ حَقِّه بمَن (4) يقومُ مَقامَه، فأشْبَهَ ما لو قَدَر على اسْتِيفائِه مِن وكيلِه. وإن لم يَقْدِرْ على ذلك لكونِه جاحِدًا له، ولا بَيِّنَةَ به، أو (5) لكونِه لا يُجِيبُه إلى المُحاكَمَةِ، ولا يُمْكِنُه إجْبارُه على ذلك، أو نحو هذا، فالمشْهورُ في المذهبِ، أنَّه ليس له أخْذُ قَدْرِ حَقِّه. وهو إحْدَى الرِّوايَتَيْن عن مالكٍ. قال ابنُ عَقِيلٍ: وقد جَعَل أصْحابُنا المُحْدَثون
(1) في م: «ماله» .
(2)
في م: «و» .
(3)
أى بغير ذلك. انظر المغنى 14/ 340.
(4)
في م: «ممن» .
(5)
في م: «و» .
لِلْعَدْلِ فِى ذَلِكَ؛ لحَدِيثِ هِنْدٍ: «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» .
ــ
لجوازِ (1) الأخْذِ وَجْهًا في المذهبِ، أخْذًا مِن حديثِ هِنْدٍ، حينَ قال لها النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«خذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ» (2). وقال أبو الخَطَّابِ: ويَتَخَرَّجُ لَنا جوازُ الأخْذِ؛ فإن كان المقدُورُ عليه قَدْرَ حَقِّه مِن جِنْسِه، أخَذَه، وإن كان مِن غيرِ جِنْسِه، تَحَرَّى، واجْتَهَدَ في تَقْويمِه؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ هِنْدٍ، ومِن قولِه في الرَّهْنِ: يرْكَبُ ويحْلبُ،
(1) في م: «بجواز» .
(2)
تقدم تخريجه في 24/ 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقَدْرِ ما يُنْفِقُ، والمرْأةُ تَأْخُذُ مُؤْنَتَها، وبائِعُ السِّلْعَةِ يَأْخُذُها مِن مالِ المُفْلِسِ بغيرِ رِضاه. وقال الشافعىُّ: إن لم يَقْدِرْ على اسْتِخْلاصِ حَقِّه ببينةٍ، فله أخْذُ قَدْرِ حَقِّه مِن جِنْسِه أو مِن غيرِ جِنْسِه، وإن كانت له به (1) بينةٌ، وقَدَر على اسْتِخْلاصِه، ففيه وَجْهان. والمشهورُ مِن مذهبِ مالكٍ، أنَّه إن لم يكنْ لغيرِه عليه دَيْنٌ، فله أن يَأْخُذَ بقَدْرِ حَقِّه، وإن كان عليه دَيْنٌ، لم يَجُزْ؛ لأنَّهما يَتحاصَّان في مالِه إذا أفْلَسَ. وقال أبو حنيفةَ: له أن يَأْخُذَ بقَدْرِ حَقِّه إن كان عَيْنًا، أو وَرِقًا، أو مِن جِنْسِ حَقِّه، وإن كان
المالُ عَرْضًا، لم يَجُزْ؛ لأنَّ أخْذَ العَرْضِ عن حَقِّه اعْتِياضٌ، ولا تَجُوزُ المُعاوَضَةُ إلَّا برِضَا (2) المُتعاوِضَيْن، قال اللهُ تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (3). واحْتَجَّ مَن أجاز الأخْذَ بحديثِ هِنْدٍ،
(1) سقط من: ق، م.
(2)
بعده في م: «من» .
(3)
سورة النساء 29.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حينَ جاءَتْ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفْيانَ رجلٌ شحيحٌ (1)، وليس يُعْطِينِى مِن النَّفَقَةِ ما يَكْفِينِى ووَلدِى. فقال:«خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . مُتَّفَقٌ عليه. وإذا جاز لها أن تَأْخُذَ مِن مالِه (2) ما يَكْفِيها بغيرِ إذْنِه، جاز للرجلِ الذى له الحَقُّ على الرجلِ. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (3). رَواه التَّرْمِذِىُّ، وقال: حديثٌ حسنٌ. ومتى أخَذَ منه قَدْرَ حَقِّه مِن مالِه بغيرِ إذْنِه، فقد خانَه (4)، فيَدْخُلُ في عُمومِ الخبرِ، وِقال عليه الصلاة والسلام:«لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئً مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نفْسٍ مِنْهُ» (5). ولأنَّه إن أخَذَ مِن غيرِ جِنْسِه، كان مُعاوَضةً بغيرِ تَراضٍ، وإن أخَذَ مِن جِنْسِ حَقِّه، فليس له تَعْيِينُ الحَقِّ بغيرِ رِضا صاحِبِه، فإنَّ التَّعْيِينَ إليه، ألا تَرَى أنَّه لا يجوزُ له أن يقولَ: لا آخُذُ حَقِّى
(1) في م: «صحيح» .
(2)
في م: «مالها» .
(3)
تقدم تخريجه في 16/ 5.
(4)
في الأصل: «جاء به» .
(5)
تقدم تخريجه في 13/ 432.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا مِن هذا الكِيسِ دُونَ هذا. ولأنَّ كلَّ ما لا يجوزُ له تَمَلُّكُه إذا لم يكنْ له دَيْنٌ، لا يجوزُ له أخْذُه إذا كان له دَيْنٌ، كما لو كان باذِلًا له. فأمَّا حديث هِنْدٍ، فإنَّ أحمدَ اعْتَذَرَ عنه بأنَّ حَقَّها واجِبٌ عليه في كلِّ وَقْتٍ. وهذا إشارَةٌ منه إلى الفَرْقِ بالمَشَقَّةِ في المُحاكَمَةِ في كُلِّ وَقتٍ، والمُخاصَمَةِ كلَّ يوم تجبُ فيه النَّفَقَةُ، بخِلافِ الدَّيْنِ. وفَرَّقَ أبو بكرٍ بينَهما بفَرْقٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
آخرَ، وهو أنَّ قِيامَ الزوجيَّةِ كقيامِ البَيِّنَةِ، فكأنَّ الحقَّ صار معلومًا بعلمِ قيامِ مُقْتَضِيه. وبينَهما فرقان آخَرانِ؛ أحدُهما، أنَّ للمَرْأةِ مِن التَّبَسُّطِ في مالِه بحُكْمِ العادَةِ، ما يُؤَثِّرُ في إباحَةِ أخْذِ الحقِّ، وبَذْلِ اليَدِ فيه بالمعروفِ، بخِلافِ الأجْنَبِىِّ. الثانى، أنَّ النَّفَقَةَ تُرادُ لإِحيْاءِ النَّفْسِ، وإبْقاءِ المُهْجَةِ، وهذا ممّا لا يُصْبَرُ عنه، ولا سبيلَ إلى تَرْكِه، فجاز أخْذُ ما تَنْدَفِعُ به هذه الحاجَةُ، بخِلافِ الدَّيْنِ، حتى نقولَ: لو صارَتِ النَّقَقَةُ ماضِيَة، لم يكنْ لها أخْذُها، ولو وَجَب لها عليه دَيْنٌ آخَرُ، لم يكنْ لها أخْذُه. فعلى هذا، إن أخَذَ شيئًا، لَزِمَه رَدُّه إن كان باقِيًا، وإن كان تالِفًا وَجَب مِثْلُه إن كان مِثْلِيًّا، أو قِيمَتُه إن كان مُتَقَوَّمًا، فإن كان مِن جِنْسِ دَيْنِه، تَقاصّا (1)، وتساقَطا، في قياسِ المذهبِ، وإن كان مِن غيرِ جِنْسِه، غَرِمَه، ومَن جَوَّزَ مِن أصْحابِنا الأخْذَ (2)، فإنَّه إن وَجَد جِنْسَ حَقِّه، جاز له الأخْذُ بقَدْرِ حَقِّه، مِن غيرِ زِيادَةٍ، وليس له الأخْذُ
(1) في الأصل: «تقاضيا» .
(2)
بعده في الأصل: «من» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن غيرِ جِنْسِه مع قُدْرَتِه على جِنْسِ حَقِّه. وإنْ لم يَجِدْ إلَّا من غَيرِ جنسِ حَقِّه، فيَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ له تَمَلُّكُه؛ لأنَّه لا يجوزُ له أن يبيعَه مِن نفْسِه، وهذا يبيعُه مِن نفسِه، وتَلْحَقُه فيه تُهْمَة. ويَحْتَمِلُ أن يجوزَ له ذلك، كما قالوا في (1) الرَّهْنِ يُنفَقُ عليه إذا كان مَحْلُوبًا أو مَرْكُوبًا: يُحْلَبُ ويُرْكَبُ بقَدْرِ النَّفَقَةِ. وهى مِن غيرِ الجِنْسِ. واخْتلَفَ أصْحابُ الشافعىِّ في هذا؛
(1) سقط من: ق، م.