الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبانُ، ولَا حَاقِن، وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ،
ــ
ولَنا، أنَّه مِن أهلِ الاجْتِهادِ، فلم يَجُزْ له تَقْلِيدُ غيرِه، كما لو كان مِثْلَه، كالمُجْتَهدين في القبلةِ. وما ذَكَرُوه لا يَصِحُّ؛ فإنَّ مَن هو أفْقَهُ منه يجوزُ عليه الخَطَأ، فإذا اعْتَقَدَ أنَّ ما قاله خَطَأٌ، لم يَجُزْ له أن يَعْمَلَ به، وإن كان لم يَبِنْ له الحَقُّ، فلا يجوزُ له أن يَحْكمَ بما يجوزُ أن يَبِينَ له خَطَؤُه إذا اجْتَهَدَ.
4851 - مسألة: (ولا يَقْضِي وهو غَضبانُ، ولا حاقِنٌ، ولا في
وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، والنُّعَاسِ، وَالبَردِ المُؤلِمِ، وَالحَرِّ المُزْعِجِ. فَإِنْ خَالفَ، وَحَكَمَ فَوَافَقَ الْحَق، نفَذَ حُكْمُهُ. وَقَال القَاضِي: لَا يَنْفُذُ. وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ، جَازَ، وَإلَّا فَلَا.
ــ
شِدَّةِ الجُوعِ، والعَطَش، والهَمِّ، والوَجَعِ، والنُّعَاسِ، والبَرْدِ المُؤْلِمِ، والحَرِّ المُزْعِجِ. فإن خالفَ، وحَكَم فوافَقَ الحَقَّ، نَفَذ حُكْمُه. وقال القاضي: لا يَنْفُذُ. وقِيلَ: إن عَرَض ذلك بعدَ فَهْم الحُكْمِ، جاز، وإلَّا فلا) لا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ فيما عَلِمْنا، في أنَّ القاضيَ لا يَنْبَغِي له أن يَقْضِيَ وهو غَضْبانُ. كَرِه ذلك شُرَيحٌ، وعُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ؛ لِما رُوِيَ أنَّ أبا بَكْرَةَ كتبَ إلى ابنِه عبدِ اللهِ وهو قاض بسِجسْتَانَ، لا تَحْكُمْ بينَ اثْنَين وأنت غَضْبان، فإنِّي سَمِعْتُ رِسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:«لَا يَحْكُمْ أحَدٌ بَينَ اثْنَينِ وَهُوَ غَضْبَانُ» . مُتَّفق عليه (1). ورُوِيَ عن عمرَ، أنَّه كَتَب إلى أبي موسى: إيَّاك والغَضَبَ، والقَلَقَ، والضَّجَرَ، والتَّأذيَ بالناسِ عندَ الخُصُومةِ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 335.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإذا رَأْيتَ الخَصْمَ يَتَعَمَّدُ الظُّلْمَ (1)، فأوْجِعْ رَأسَه (2). ولأنَّه إذا غَضِب تَغَيَّرَ عَقْلُه، ولم يَسْتَوْفِ رَأيَه ولا (1) فِكْرَه. وفي معنى الغضبِ كل ما يَشْغَلُ فِكْرَه؛ مِن الجُوعِ المُفْرِطِ (3) والعَطَشِ الشَّدِيدِ، والوَجَعِ (4) المُزْعِجِ، ومُدافَعةِ أحدِ الأخْبَثَين، وشِدَّةِ النُّعاسِ، والهمِّ، والغمِّ، والحُزْنِ، والفَرَحِ، فهذه كلها تَمْنَعُ الحُكْمَ؛ لأنَّها تَمنَعُ حُضُورَ القلبِ، واسْتِيفاءَ الفِكْرِ، الذي يُتَوَصَّلُ به إلى إصابَةِ الحقِّ في الغالبِ، فهي في مَعْنَى الغَضَبِ المَنْصُوصِ عليه، فتَجْرِي مَجْراه. فإن خالفَ وحَكَمَ في الغَضَبِ أو ما شاكلَه، فوافَقَ الحقَّ، نَفَذَ قَضاؤه. ذَكَرَه القاضي في «المُجَرَّدِ» . وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ. وحُكِيَ عن القاضي أنَّه لا يَنْفُذُ؛ لأنَّه مَنْهِي عنه، والنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسادَ المَنْهِيِّ عنه. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اخْتَصَمَ إليه الزُّبَيرُ ورجل مِن الأنْصارِ، في شِرَاجِ الحَرَّةِ (4)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزُّبَيرِ (1):
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 11/ 328، 329.
(3)
في م: «الجوع» .
(4)
شراج الحرة: مسيل الماء منها إلى السهل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«اسْقِ [يَا زُبَيرُ] (1)، ثُمَّ أرْسِلْ إلَى جَارِكَ» . فقال الأنْصارِي: أن كان ابنَ عَمَّتِك. فغضِبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقال للزُّبَيرِ:«اسْقِ، ثُم احْبِس الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُع الجَدْرَ» . مُتَّفَق عليه (2). فحَكَمَ في حالِ غضبِه. وقال بعضُ أهل العلمِ: إنَّما يَمْنَعُ الغَضَبُ الحُكْمَ إذا كان قبلَ أن يَتَّضِحَ حُكْمُ المسألةِ للحاكمِ؛ لأنَّه يَشْغَلُه عن استِيفاءِ النَّظَرِ فيها، فأمَّا ما حَدَث بعدَ اتِّضاحِ الحُكْمِ، فلا يَمْنَعُه؛ لأنَّ الحق قد اسْتَبانَ قبلَه، كغَضَبِ النبيِّ
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 16/ 142.