الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلفٍ، لَزِمَهُ جَمِيعُهُ. وَعَنْهُ، يُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ.
ــ
دليلٍ.
4801 - مسألة: (وإن نَذَر الصَّدَقَةَ بألْفٍ، لَزِمَه جَمِيعُه. وعنه، يُجْزِئُه ثُلُثُه)
إذا نَذَر الصَّدَقَةَ بمُعَيَّن مِن مالِه، أو بمُقَدَّرٍ، كأَلفٍ، فرُوِيَ عن أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يُجْزِئُه ثُلُثُه، لأنَّه مالٌ نَذَر الصدقةَ به، فأجْزَأَه ثُلُثُه، كجَمِيعِ المالِ. والصَّحِيحُ في المذهبِ لُزومُ الصدقةِ بجَميعِه، لأنَّه مَنْذُورٌ، وهو قُرْبَةٌ، فلَزِمَه الوَفاءُ به، كسائرِ المَنْذُوراتِ، ولعُمومِ قولِه سبحانَه:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (1). وإنَّما خُولِفَ هذا في جميعِ المالِ، للأثَرِ فيه، ولِما في الصدقةِ بالمالِ كلِّه مِن الضَّرَرِ اللَّاحِقِ به، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكونَ المَنْذُورُ ههُنا يَسْتَغْرِقُ جميعَ المالِ، فيكونَ كنَذْرِ ذلك. ويحْتَمِلُ أنَّه إن كان المَنْذُورُ ثُلُثَ المالِ فما دونَ، لَزِمَه وَفاءُ نَذْرِه، وإن زادَ على الثُّلُثِ، لَزِمَه الصدقةُ بقَدْرِ الثُّلُثِ منه، لأنَّه حُكْم يُعْتَبَرُ فيه الثُّلُثُ، فأشْبَهَ الوَصِيَّةَ به.
(1) سورة الإنسان 7.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا نَذَر الصدقةَ بقَدْرٍ مِن المالِ، فأبْرَأ غَرِيمَه مِن قَدْرِه، يَقْصِدُ به وَفاءَ النَّذْرِ، لم يُجْزِئْهُ، وإن كان الغَرِيمُ مِن أهلِ الصَّدَقَةِ. قال أحمدُ: لا يُجْزِئُه حتى يَقْبِضَه. وذلك لأنَّ الصدقةَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ، وهذا إسْقاط، فلم يُجْزِئْهُ، كما في الزَّكاةِ. قال أحمدُ، في مَن نَذَر أن يَتَصَدَّقَ بمالٍ، وفي نَفْسِه أنَّه ألْفٌ: أجْزَأه أن يُخْرِج ما شاءَ (1). وذلك لأنَّ اسمَ المالِ يَقَعُ على القليلِ، وما نَواه زِيادَةٌ على ما تَناوَلَه الاسمُ، والنَّذْرُ لا يَلْزَمُ بالنِّيَّةِ. والقياسُ أنَّه يَلْزَمُه ما نَواه؛ لأنه نَوَى بكَلامِه ما يَحْتَمِلُه، فتَعَلَّقَ الحكمُ به، كاليَمِينِ. وقد نَصَّ أحمدُ، في مَن نَذَر صَوْمًا أو صلاةً، وفي نَفْسِه أكثرُ ممَّا تَناوَلَه لَفْظُه، أنَّه يَلْزَمُه ذلك، وهذا كذلك.
(1) في م: «قلنا» .
فَصْلٌ: الْخَامِسُ، نَذْرُ التَّبَرُّرِ، كَنَذْرِ الصَّلَاةِ، والصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَنَحْوهَا مِنَ الْقُرَبِ، عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ، سَواءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا، أوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَرْجُوهُ، فَقَال: إِنْ شَفَى الله مَرِيضِي، أوْ: سَلَّمَ الله تَعَالى مَالِي، فَلِلّهِ عَلَيَّ كَذَا. فَمَتَى وُجِدَ شَرْطُهُ، انْعَقَدَ نَذْرُهُ، ولَزِمَهُ فِعْلُهُ.
ــ
فصل: قال، رحمه الله:(الخامِسُ، نَذْرُ التَبَّرُّرِ، كنَذْرِ الصلاةِ، والصِّيامِ، والصَّدَقَةِ، والاعْتِكافِ، والحَجِّ، والعُمْرَةِ، ونحوها من القُرَبِ، على وَجْهِ القُرْبِ، سَواءٌ نَذَرَه مُطْلَقًا، أو عَلَّقَه بشَرْطٍ يَرْجُوه، فقال: إن شَفَى الله مَرِيضِي، أو: سَلَّمَ اللهُ مالي، فللهِ عليَّ كذا. فمتى وُجِد شَرْطُه، انْعَقَد نَذْرُه) ويَلْزَمُه الوَفاءُ به. نَذْرُ التَّبَرُّرِ يَتَنَوَّعُ ثلاثةَ أنْواعٍ؛ أحدُها، هذا الذي ذَكَرْناه إذا كان في مُقابَلَةِ (1) نِعْمَةٍ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَجْلَبَها، أو نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَها، كقولِه: إن شَفَى اللهُ مَرِيضِي، [فللهِ عليَّ](1) صَوْمُ شَهْرٍ. وتكونُ الطَّاعَةُ المُلْتَزَمَةُ مِمّا له أصْلٌ في الشَّرْعِ، كالصومِ والصلاةِ والصَّدقَةِ والحَجِّ، فهذا يَلْزَمُ الوَفاءُ به، بإجْماعِ أهلِ العلمِ. النَّوعُ الثاني، الْتِزامُ طاعَةٍ مِن غيرِ شَرْطٍ، كقَوْلِه ابْتِداءً: للهِ عليَّ صَوْمُ شَهْرٍ. فيَلْزَمُه الوَفاءُ به، في قولِ أكثرِ أهكِ العلمِ. وهو قولُ أهلِ العراقِ. وظاهِرُ مذهبِ الشافِعِيِّ. وقال بعضُ أصحابِه: لا يَلْزَمُ الوَفاءُ به؛ لأنَّ أبا عمرَ غُلامَ ثَعْلَبٍ (2) قال: النَّذْرُ عندَ العَرَبِ وَعْدٌ بشرْطٍ. ولأنَّ ما الْتَزَمَه الآدَمِيُّ بعِوَضٍ، يَلْزَمُه بالعَقْدِ (3)، كالمَبِيعِ (4) والمُسْتَأجَرِ، وما الْتَزَمَه (5) بغيرِ عِوَضٍ، لا يَلْزَمُه بمُجَرَّدِ العَقدِ، كالهِبَةِ. النَّوْعُ الثالِثُ، نَذْرُ طاعَةٍ، لا أصْلَ لها في الوُجوبِ، كالاعْتِكافِ، وعِيادَةِ المريضِ، فيَلْزَمُ الوَفاءُ به عند عامَّةِ أهلِ العلمِ.
(1) في ق، م:«فعليَّ» .
(2)
في ق، م:«ثعلبة» .
(3)
سقط من النسخ. والمثبت من المغني 13/ 623.
(4)
في م: «كالبائع» .
(5)
في الأصل: «ألزمه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحُكِي عن أبي حنيفةَ أنَّه لا يَلْزَمُه الوَفاءُ به؛ لأنَّ النَّذْرَ فَرْعٌ على المَشْرُوعِ، فلا يَجبُ به ما لا يَجبُ له (1) نَظِير (2) بأصْلِ الشَّرْعِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، [ومَن نَذَر أن يَعْصِيَه فلا يَعْصِه] (3)» . رَواه البخاريُّ: وذَمُّه (4) الذين يَنْذُرُونَ ولا يُوفُونَ (5). وقولُ اللهِ تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} . الآيات إلى قولِه: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (6). [وقد رُوِيَ أنَّ عمرَ قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم](7): إنِّي نَذَرْتُ أن أعْتَكِفَ لَيلَةً في المسجدِ الحَرامِ. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أوْفِ
(1) سقط من: الأصل. وبعده في م: «مالا» .
(2)
بعده في م: «له» .
(3)
سقط من: ق، م.
والحديث تقدم تخريجه في 7/ 563.
(4)
في الأصل: «وذم الله» .
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 168.
(6)
سورة التوبة 75 - 77.
(7)
في م: «وقال عمر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِنَذْرِكَ» (1). ولأَنَّه ألْزَمَ نفْسَه قُرْبَةً على وَجْهِ التَّبَرُّر، فلَزِمَه، كمَوْضِعِ الإِجْماعِ، وكالعُمْرَةِ، فإنَّهم سَلَّمُوها، وهي غيرُ واجبَةٍ عندَهم، وكالاعْتِكافِ، وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بهذَين الأصْلَين، وما حَكوْه عن أبي (2) عمرَ لا يصِحُّ؛ فإنَّ العربَ تُسَمى المُلْتَزَمَ نَذْرًا، وإن. لم يَكُنْ بشَرْطٍ، قال جَمِيل (3):
فليت رجالًا فيكِ قد نَذَرُوا دَمِي
…
وهَمُّوا بقَتْلِي يا بُثَينُ لَقُونِي (4)
والجَعَالةُ وَعْدٌ بشَرْطٍ، وليست بنَذْرٍ.
(1) تقدم تخريجه، في 7/ 563. وفي صفحة 169.
(2)
في الأصل: «ابن» .
(3)
ديوانه 124.
(4)
في الأصل: «لهونى» .