الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ طَرِيقِ الحُكْمِ وَصِفَتِهِ
إِذَا جَلَسَ إِلَيهِ خَصْمَانِ، فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ المُدَّعِي مِنْكُمَا؟ وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى، قَدَّمَهُ،
ــ
بابُ طريقِ الحُكْمِ وصِفَتِه
(إذا جَلَس إليه الخَصْمان، فله أن يقولَ: مَن المُدَّعِي منكما؟ وله أن يَسْكُتَ حتى يَبْتَدِئا) يُسْتَحَبُّ أن يَجْلِسَ الخَصْمانِ بينَ يَدَي الحاكمِ؛ لِما رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أن يَجْلِسَ الخَصْمانِ بينَ يَدَيِ الحاكمِ. روَاه أبو داودَ (1). ورَوَى سعيدٌ بإسْنادِه، عن الشَّعْبِيِّ، قال: كان بينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وأُبَيِّ بنِ كعبٍ مُداراةٌ (2) في شيءٍ، فجَعَلا بينَهما زيدَ بنَ ثابتٍ، فأتياه في مَنْزلِه، فقال له عمرُ: أتَيناك لِتَحْكُمَ بينَنا، في
(1) في: باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 271. كما أخرجه البيهقي، في: باب إنصاف الخصمين، من كتاب آداب القاضي. السنن الكبرى 10/ 135.
(2)
في السنن الكبرى: «تدارى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيتِه يُؤْتَى الحَكَمُ. فوَسَّعَ له زيدٌ عن صَدْرِ فِراشِه، فقال: ههُنا يا أميرَ المؤمنين. فقال له عمرُ، رضي الله عنه: جُرْتَ في أوَّلِ القَضاءِ، ولكنْ أجْلِسُ مع خَصْمِي. فجَلَسا بينَ يَدَيه، فادَّعَى أُبَيٌّ فأنْكَرَ عمرُ، فقال زيدٌ لأُبَيٍّ: أعْفِ أميرَ المؤمنين مِن اليمينِ. فحَلَفَ عمرُ، ثم أقْسَمَ: لا يُدْرِكُ زيدٌ بابَ القضاءِ حتى يكونَ عمرُ ورجلٌ مِن عُرْضِ المسلمين عندَه سَواءً (1). وقال عليٌّ، رضي الله عنه، حين خاصَم اليَهُودِيَّ على دِرْعِه إلى شُرَيحٍ: لو أنَّ خَصْمِي مسلمٌ لَجَلَسْتُ معه بينَ يَدَيك (2). ولأنَّ ذلك أمْكَنُ للحاكمِ في العَدْلِ بينَهما، والإِقْبالِ عليهما، والنَّظَرِ في خُصُومَتِهما.
(1) تقدم تخريجه في 27/ 502.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 368.
وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا، قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ. فَإِذَا انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ، سَمِعَ دَعْوَى الْآخَرِ.
ــ
فصل: فإذا جَلَسا بينَ يَدَيه، فإن شاء قال: مَن المُدَّعِي منكما؟ لأنَّهما حَضَرا لذلك، وإن شاء سَكَت، ويقولُ القائمُ على رَأْسِه: مَن المُدَّعِي منكما؟ إن سَكَتا جميعًا. ولا يقولُ الحاكمُ ولا صاحبُه لأحدِهما: تَكَلَّمْ. لأنَّ في إفْرادِه بذلك تَفْضِيلًا له، وتَرْكًا للإِنْصافِ. قال عَمْرُو بنُ قيسٍ: شَهِدْتُ شُرَيحًا إذا جَلَس إليه الخَصْمان، ورجلٌ قائمٌ على رَأْسِه يقولُ: أيُّكما المُدَّعِي فَلْيَتَكَلَّمْ (1)؟ فإن ذَهَب الآخَرُ يَشْغَبُ، غَمَزَه (2) حتى يَفْرُغَ المُدَّعِي، ثم يقولُ: تَكَلَّمْ. فإن بَدَأ أحدُهما فادَّعَى، فقال خَصْمُه: أنا المُدَّعِي. لم يَلْتَفِتِ الحاكِمُ (3) إليه، وقال: أجِبْ عن دَعْواه، ثم ادَّعِ [بعدُ ما](4) شِئْتَ. وإنِ ادَّعَيا معًا، فقِياسُ المَذْهَبِ أن يُقْرَعَ بينَهما، وهو قياسُ قولِ الشافعيِّ؛ لأنَّ أحَدَهما ليس بأوْلَى مِن الآخَرِ، وقد تَعَذَّرَ الجَمْعُ بينَهما، فيُقْرَعُ بينَهما. كالمَرْأتَين إذا زُفَّتا في
(1) أخرجه وكيع، في: أخبار القضاة 2/ 307.
(2)
في م: «نهره» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «بما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليلةٍ واحدةٍ. واسْتَحْسَنَ ابنُ المُنْذِرِ أن يَسْمَعَ منهما جميعًا. وقِيلَ: يُرْجِئُ أمْرَهما حتى يتَبَيَّنَ مَن المُدَّعِي منهما. وما ذَكَرْناه أَوْلَى؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ الجَمْعُ بينَ الحُكْمِ في القَضِيَّتَين معًا، وإرْجاءُ أمرِهما إضْرارٌ بهما، وفيما ذَكَرْناه دَفْعٌ للضَّررِ بحَسَبِ الإِمْكانِ، وله نظيرٌ في مَواضِعَ مِن الشَّرْعِ، فكان أَوْلَى.