الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ، فَمَشَى، فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ.
ــ
ما رَكِب، ويَرْكبَ ما مَشَى. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْزِئَه إلَّا حَجٌّ يَمْشِي في جميعِه؛ لأنَّ ظاهِرَ النَّذْرِ يَقْتَضي هذا. ووَجْهُ القولِ الأوَّلِ، وهو أن لا يَلْزَمَه بتَرْكِ المشي المَقْدُورِ عليه أكثرُ مِن كفَّارَةٍ، أنَّ المشْيَ ليس بمَقْصودٍ في الحجِّ، ولا وَرَد الشَّرْعُ باعْتِبارِه في مَوْضِع، فلم يَلْزَمْه بتَرْكِه أكثرُ مِن كفَّارَةٍ، كما لو نَذَر التَّحَفِّيَ وشِبْهَه، وفارَقَ التَّتابُعَ في الصيامِ؛ فإنَّه صِفَةٌ مَقْصُودَة فيه، اعْتَبرَها الشَّرْعُ في صيامِ كفَّارَتَيِ الظِّهارِ والقَتْلِ.
4816 - مسألة: (فإن نَذَر الرُّكُوبَ، فمَشَى، فعلى الرِّوَايَتَين)
إذا نَذَر الحجَّ راكِبًا، لَزِمَه الحجُّ كذلك؛ لأنَّ فيه إنْفاقًا في الحَجِّ، فإن تَرَك الرُّكوبَ، فعليه كَفَّارَة. وقال أصحابُ الشَّافعيِّ: يَلْزَمُه دَمٌ؛ لتَرَفُّهِه (1) بتَرْكِ الانْفاقِ. وعن أحمدَ مثلُ ذلك. وقد بَيَّنّا أنَّ الواجِبَ بتَرْكِ النَّذْرِ الكفَّارَةُ دونَ الهَدْي، إلَّا أنَّ هذا إذا مَشَى ولم يَرْكَبْ مع إمْكانِه،
(1) في الأصل: «لترفه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يَلْزَمْه أكثرُ مِن كفَّارَةٍ؛ لأنَّ الرُّكوبَ في نفْسِه ليس بطاعَةٍ، ولا قُرْبَةٍ. وكلُّ مَوْضِعٍ نَذَر المشيَ فيه أو الركوبَ، فإنَّه يَلْزَمُه الإِتْيانُ بذلك مِن دُوَيرَةِ أهْلِه، إلَّا أن يَنْويَ مَوْضِعًا بعَينِه، فيَلْزَمَه مِن ذلك المَوْضِعِ؛ لأنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ على أصْلِه في الفَرْضِ، والحَجُّ المفْروضُ [بأصلِ الشَّرْعِ] (1) يَجِبُ كذلك. ويُحْرِمُ للمَنْذُورِ مِن حيثُ يُحْرِمُ للواجِبِ. وقال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ: يَجِبُ الإحْرامُ مِن دُوَيرَةِ أهلِه، لأنَّ إتْمامَ الحَجِّ كذلك. ولَنا، أنَّ المُطْلَقَ محمولٌ على المَعْهُودِ في الشَّرْعِ، والإِحْرامُ الواجبُ إنَّما هو مِن المِيقاتِ، ويَلْزَمُه المَنْذُورُ مِن المشي أو الركوبِ في الحجِّ أو (2) العُمْرَةِ إلى أن يَتَحَلَّلَ؛ لأنَّ ذلك انْقِضاءُ الحَجِّ والعُمْرَةِ. قال أحمدُ: يَرْكَبُ في الحَجِّ إذا رَمَى، وفي العُمْرةِ إذا سَعَى؛ لأنَّه لو وَطِئ بعدَ ذلك، لم يُفْسِدْ [حَجًّا ولا عُمْرَة](3). وهذا يَدُلّ على أنَّه إنَّما يَلْزَمُه في الحجِّ مِن (4) التَّحَلُّلِ الأولِ.
فصل: وإذا نَذَر المشْيَ إلى البيتِ الحَرامِ، أو بُقْعَةٍ منه، كالصَّفا والمروةِ وأبي قُبيس، أو مَوْضِع مِن الحرمِ، لَزِمَه حَجٌّ أو عُمرَة. نَصَّ عليه أحمدُ. وبه قال الشَّافعي. وقال أبو حنيفةَ: لا يَلْزَمُه إلَّا أن يَنْذِرَ المشْيَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الكعبةِ، أو إلى مكةَ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ، إن نَذَر المشيَ إلى الحَرم، أو المسجدِ الحَرامِ كقَوْلِنا، وفي باقي الصُّوَرِ كقولِ أبي حنيفةَ. ولَنا، أَنَّه نَذَر المشيَ إلى مَوْضِع مِن الحَرمِ، أشْبَهَ النَّذْرَ إلى مكةَ. فأمَّا إن نَذَر المشيَ إلى غيرِ الحَرمِ، كعَرَفَةَ، ومَواقِيتِ الإحْرامِ، وغيرِ ذلك، لم يَلْزَمْه ذلك، ويكونُ كنَذْرِ المُباحِ. وكَذلك إن نَذَر إتْيانَ مسجدٍ سِوَى المساجدِ الثلاثةِ، لم يَلْزَمْه إتْيانُه. وإن نَذَر الصلاةَ فيه، لَزِمَتْه (1) الصَّلاةُ دونَ المسجدِ (2)، ففي أيِّ مَوْضِع صَلَّى أجْزَأه؛ لأنَّ الصلاةَ لا تَخْتَصُّ مَكانًا دونَ مكانٍ، فلَزِمَتْه الصَّلاةُ دونَ المَوْضِعِ. ولا نعلمُ في هذا خِلافًا، إلَّا عن اللَّيثِ، فإنَّه قال: لو نَذَر صلاةً أو صيامًا بمَوْضِع، لَزِمَه فِعْلُه في ذلك الموضِعِ، ومَن نَذَر المشيَ إلى مسجدٍ، مَشَى إليه. قال الطَّحاويّ: ولم يُوافِقْه على ذلك أحَدٌ مِن الفُقَهاءِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثةِ مَسَاجدَ؛ المَسْجِدِ الْحَرَامِ، ومَسْجِدِي هَذَا، والْمَسْجِدِ الأقْصَى» . مُتَّفَقٌ عليه (3). ولو لَزِمَه المشيُ إلى مسجدٍ بَعِيدٍ لشَدَّ الرَّحْلَ إليه، وقد ذَكَرْناه في الاعْتِكافِ (4).
فصل (5): فإن نَذَر المشيَ إلى بيتِ اللهِ، ولم يَنْو شيئًا، ولم يُعَيِّنه،
(1) في م: «لزمه» .
(2)
في ق، م:«المشي» .
(3)
تقدم تخريجه في 5/ 34.
(4)
انظر 7/ 583 - 586.
(5)
سقط هذا الفصل من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انْصَرَف إلى بيتِ اللهِ الحَرامِ؛ لأنَّه المَخْصُوصُ بالقَصْدِ دونَ غيرِه، وإطْلاقُ بيتِ اللهِ يَنْصَرِفُ إليه دونَ غيرِه في العُرْفِ، فيَنْصَرِفُ إليه في النَّذْرِ.
فصل: إذا نَذَر المشيَ إلى بيتِ اللهِ، أو الرُّكوبَ إليه، ولم يُرِدْ بذلك حَقِيقَةَ المشي، إنَّما أرادَ إتْيانَه، لزِمَه إتْيانُه في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ؛ [لِما ذَكَرْنا. ولم يَتَعَيَّنْ عليه مشيٌ، ولا ركوبٌ؛ لأنَّه عَيَّنَ ذلك بنَذْرِه، وهو مُحْتَمِل له، فأشْبَهَ ما لو صَرَّح به. وإن نَذَر أن يَأتيَ بيتَ اللهِ الحَرامَ، أو يذهبَ إليه، لَزِمَه إتْيانُه في حَج أو عُمْرَةٍ](1). وعن أبي حَنيفةَ، لا يَلْزَمُه شيءٌ؛ لأنَّ مُجَرَّدَ إتْيانِه ليس بقرْبَةٍ ولا طاعَةٍ. ولَنا، أنَّه عَلَّقَ نَذْرَه بوُصولِ البيتِ، فلَزِمَه، كما لو قال: لله عِليَّ المشيُ إلى الكعبةِ. إذا ثَبَت هذا، فهو مُخَيَّر في المَشْي والرُّكوبِ. وكذلك إذا نَذَر أن يَحُجَّ البيتَ أو يَزُورَه؛ لأنَّ الحجَّ يَحْصُلُ بكُلِّ واحدٍ مِن الأمْرَين، فلم يَتَعَيَّنْ أحَدُهما، وإن قال: للهِ عليَّ أن آتِيَ البيتَ الحرامَ، غيرَ حاج ولا مُعْتَمِر. لَزِمَه الحَجُّ أو (2) العُمْرَةُ، وسَقَط شَرْطُه. وهذا أحدُ الوَجْهَين لأصحابِ الشَّافعيِّ؛ لأنَّ قولَه: لله عِليَّ أن آتِيَ البيتَ. يَقْتَضِي حَجًّا أو عُمْرَةً، وشَرْطُ سُقوطِ ذلك يُناقِضُ (3) نَذْرَه، فسَقَط حُكْمُه.
(1) سقط من: ق، م.
(2)
في الأصل: «و» .
(3)
في م: «يخالف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا نَذَر المشيَ إلى مسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو المسجدِ الأقْصَى، لَزِمَه ذلك. وبهذا قال مالكٍ، والأوْزَاعِيُّ، وأبو عُبَيدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وهو أحدُ قَوْلَي الشَّافعيِّ. وقال في الآخرِ: لَا يَتَبَيَّنُ لي وُجوبُ المشي إليهما؛ لأنَّ البرَّ بإتْيانِ بيتِ اللهِ فرْضٌ، والبِرَّ بإتْيانِ هذَين نَفْلٌ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجدَ؛ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذَا، وَالْمَسْجِدِ الأقْصَى» . ولأنَّهَ أحدُ المساجدِ الثلاثةِ، فيَلْزَمُ [المشيُ إليه بالنَّذْرِ](1)، كالمسجدِ الحَرامِ، ولا يَلْزَمُ ما ذَكَرَه (2)، فإنَّ كلُّ قُرْبَةٍ تَجِبُ بالنَّذْرِ، وإن لم يَكُنْ لها أصْل في الوُجوبِ، كعِيادةِ المَرْضَى، وشُهودِ الجَنائزِ. ويَلْزَمُه بهذا النَّذْرِ أن يُصَلِّيَ في المَوْضِعِ الذي أتاهُ رَكْعَتين؛ لأنَّ القَصْدَ بالنَّذْرِ القُرْبَةُ والطَّاعَةُ، وإنَّما يَحْصُلُ ذلك بالصَّلاةِ، فتَضَمَّنَ ذلك نَذْرُه، كما يَلْزَمُ ناذِرَ المشي إلى بيتِ الله الحرامِ أحَدُ النُّسُكَين. ونَذْرُ الصلاةِ في أحدِ المَسجدين كنَذْرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المشي إليه، كما أنَّ نَذْرَ أحدِ النُّسُكَين في المسجدِ الحَرامِ كنَذْرِ المشي إليه. وقال أبو حنيفةَ: لا تَتَعَيَّنُ عليه الصَّلاةُ في مَوْضِعٍ بالنَّذْرِ، سَواءٌ كان في المسجدِ الحَرامِ أو غيرِه، لأنَّ ما لا أصْلَ له في الشَّرْعِ، لا يجِبُ بالنَّذْرِ، بدليلِ نَذْرِ الصلاةِ في سائرِ المساجدِ. ولَنا، ما رُوِيَ أنَّ عمرَ، رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ أن أعْتَكِفَ ليلةً في المسجدِ الحرامِ. قال:«أوفِ بِنَذْرِكَ» . مُتَّفَقٌ عليه (1). [ولأنَّ الصلاةَ فيها أفضلُ مِن غيرِها، بدليلِ قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاة فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيرٌ مِنْ ألْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِواهُ إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ». مُتَّفَقٌ عليه](2). ورُوي عنه عليه الصلاة والسلام: «صَلَاة فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمائَةِ ألْفِ صَلَاةٍ» (3). وإذا كان فَضِيلَةً وقُرْبَةً، لَزِم بالنَّذْرِ، كما لو نَذَر طُول القِراءَةِ. وما ذَكَرُوه يَبْطُلُ بالعُمْرَةِ، فإنَّها تَلْزَمُ بالنَّذْرِ، وهي غيرُ واجبةٍ عندَهم.
فصل: إذا نَذَر الصلاةَ في المسجدِ الحرامِ، لم تُجْزِئْه الصَّلاةُ في غيرِه؛ لأنَّه أفضلُ المساجدِ وخيرُها (4)، وأكثرُها ثَوابًا للمُصَلِّي فيها.
(1) تقدم تخريجه في 7/ 563، وفي صفحة 169.
(2)
سقط من: م.
والحديث تقدم تخريجه في 7/ 585. ويضاف إليه: وأخرجه التِّرمذيُّ، في: باب في فضل المدينة، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذي 13/ 273. والإمام مالك، في: باب ما جاء في مسجد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، من كتاب القبلة. الموطأ 1/ 196.
(3)
تقدم تخريجه في 7/ 587.
(4)
سقط من: م.