الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرأَتَهُ، فَخَنَقَهَا، أَوْ نَتَفَ شَعَرَهَا، أَوْ عَضَّهَا، حَنِثَ.
وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَهَا، فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً لَمْ يَبَرَّ في يَمِينِهِ.
ــ
4769 - مسألة: (وإن خَلَف لا يَضْرِبُ امرأتَه، فخَنَقَهَا، أو نَتَفَ شَعَرَها، أو عَضَّهَا، حَنِثَ)
لأنَّه يَقْصِدُ تَرْكَ تأْلِيمِها، وقد آلمَها. فأمَّا إن عَضَّهَا للتَّلَذُّذ (1)، ولم يَقْصِدْ تَأْلِيمَها، لم يَحْنَث، وإن حَلَف لَيَضْرِبَنَّها، ففَعَلَ ذلك، بَرَّ؛ لوُجودِ المَقْصُودِ بالضَّرْبِ.
4770 - مسألة: (وإن حَلَف لَيَضْرِبَنَّه مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَها، فضَرَبَه بها ضَرْبَةً وَاحِدَةً، لم يَبَرَّ في يَمِينِه)
وبهذا قال مالكٍ، وأصحابُ الرَّأْي. وقال ابنُ حامِدٍ: يَبَرُّ؛ لأنَّ أحمدَ قال في المريضِ عليه الحَدُّ: يُضْرَبُ بعِثْكالِ النَّخْلِ، ويَسْقُطُ عنه الحَدُّ. وبهذا قال الشافعيُّ إذا علِمَ أنَّها مَسَّتْه كُلُّها، وإن علِمَ أنَّها لم تَمَسَّه كُلُّها، لم يَبَرَّ، وإنْ شَكَّ، لم
(1) في م: «تلذذ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَحْنَثْ في الحُكْمِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (1). وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المريضٍ الذي زَنَى: «خُذُوا لَه عِثْكالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، فَاضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَة وَاحِدَةً» (2). ولأنَّه ضَرَبَ بمِائَةِ سَوْطٍ، فبَرَّ في يَمِينِه، كما لو فرَّقَ الضَّربَ. ولَنا، أنَّ مَعْنَى يَمِينِه أن يَضْرِبَه مائةَ ضَرْبَةٍ، ولم يَضْرِبْه إلَّا ضَربَةً واحِدَةً، والدَّليلُ على هذا أنَّه لو ضَرَبَه مِائةَ ضَرْبَةٍ بسَوْطٍ بَرَّ، بغيرِ خلافٍ، ولو عادَ العددُ إلى السَّوْطِ، لم يَبَرَّ بالضَّرْبِ بسَوْطٍ واحدٍ، كما لو حَلَف لَيَضْرِبَنَّه بعَشَرَةِ أسْواطٍ، ولأنَّ السَّوْطَ ههُنا آلةٌ أُقِيمَتْ مُقامَ المَصْدَرِ، وانْتَصَبَ انْتِصابَه؛ لأنَّ مَعْنَى كلامِه: لأضْرِبَنَّه مِائَةَ ضَرْبَةٍ بسَوْطٍ. وهذا هو المَفْهومُ من يَمِينِه، والذي يَقْتَضِيه لُغَةً، فلا يَبَرُّ بما يُخالِفُ ذلك. وأمَّا أيُّوبُ، عليه السلام، فإنَّ اللهَ تعالى أرْخَصَ له رِفْقًا بامرأتِه، لِبِرِّها به، وإحْسانِها إليه، ليَجْمَعَ له بينَ بِرِّه في يَمِينِه ورِفْقِه بامرأتِه، ولذلك امْتَنَّ عليه بهذا، وذَكَرَه في جُمْلَةِ ما مَنَّ به عليه، من مُعافاتِه من بَلائِهِ، وإخْراجِ الماءِ له، فيَخْتَصُّ
(1) سورة ص 44.
(2)
تقدم تخريجه في 26/ 195.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا به، كاخْتِصاصِه بما ذكرَ معه، ولو كان هذا الحكمُ عامًّا لكلِّ أحَدٍ لَما خَصَّ أيُّوبَ بالمِنَّةِ عليه. وكذلك المرِ يضُ الذي يُخافُ تَلَفُه، أُرْخِصَ له بذلك في الحَدِّ دونَ غيرِه، وإذا لم يَتَعَدَّه هذا الحكمُ في الحَدِّ الذي [وَرَد النَّصُّ به فيه، فَلأَنْ لا يَتَعَدَّاه إلى اليَمِينِ أَوْلَى، ولو خُصَّ بالبِرِّ مَن له عُذْرٌ يُبِيحُ العُدولَ في الحَدِّ](1) إلى الضَّرْبِ بالعِثْكَالِ، لكان له وَجْه، أمَّا (2) تَعْدِيَتُه إلى غيرِه فبَعِيدٌ جِدًّا.
فصل: ولو حَلَف أن يَضْرِبَه بعَشَرَةِ أسْواطٍ، فجَمَعَها، فضَرَبَه بها، بَرَّ؛ لأنَّه قد فَعَل ما حَلَف عليه. وإن حَلَف ليَضْرِبَنَّه [عشْرَ مراتٍ، لم يَبَرَّ بضَرْبِه عشَرةَ أسْواطٍ، دَفْعَةً واحدةً، بغيرِ خلافٍ؛ لأنَّه لم يَفْعَلْ ما تَناوَلَتْه يَمِينُه. وإن حَلَف لَيَضْرِبَنَّه](3) عشْرَ ضَرَباتٍ، فكذلك، إلَّا وَجْهًا لأصْحابِ الشافِعِيِّ، أنَّه يَبَرُّ. وليس بصَحِيحٍ؛ لأنَّ هذه ضَرْبَةٌ واحِدَةٌ بأسْواطٍ، ولهذا يَصِحُّ أن يُقال: ما ضَرَبْتُه إلَّا (4) واحِدَةً، ولو حَلَف لا يَضْرِبُه أكْثرَ مِن ضَرْبَةٍ واحدةٍ، ففَعَلَ هذا، لم يَحْنَثْ في يَمِينِه.
فصل: ولا يَبَرُّ حتى يَضْرِبَهِ ضَرْبًا يُؤْلِمُه. وبهذا قال مالكٌ. وقال الشافعيُّ: يَبَرُّ بما (5) لم يُؤْلِمْ؛ لأنَّ الاسمَ يَتَناوَلُه، فوَقَعَ البِرُّ به،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
بعده في م: «بعد» .
(3)
سقط من: م.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في الأصل: «بضرب ما» .
فَصْلٌ: وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيئًا، فَأَكَلَهُ مُسْتَهْلَكًا في غَيرِهِ، مِثْلَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ، لَا يَظْهَرُ فيه طَعْمُهُ، أَوْ لَا يَأْكُلَ بَيضًا، فَأَكَلَ نَاطِفًا، أو لَا يَأْكُلَ شَحْمًا، فَأَكَلَ اللَّحْمَ الأَحْمَرَ، أو لَا يَأْكُلَ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُ السَّمْنِ
ــ
كالمُؤْلِمِ. ولَنا، أنَّ هذا يُقْصَدُ به في العُرْفِ التَّأْلِيمُ، فلا يَبَرُّ بغيرِه. ولذلك (1) كلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الضَّرْبُ في الشَّرْعِ، في حَدٍّ، أو تَعْزيرٍ، كان مِن شَرْطِه التَّأْلِيمُ، كذا ههُنا.
فصل: قال، رحمه الله: (إذا حَلَفَ لا يَأْكُلُ شيئًا، فأَكَلَه مُسْتَهْلَكًا في غيرِه، مثلَ أن لا يَأْكُلَ لَبَنًا، فأكَلَ زُبْدًا، أو لا يَأْكُلَ سَمْنًا، فأكَلَ خَبِيصًا فيهْ سَمْنٌ، لا يَظْهَرُ فيه طَعْمُه، أو لا يَأْكُلَ بَيضًا، فأكَلَ ناطِفًا، أو لا يَأكُلَ شَحْمًا، فأكَلَ اللَّحْمَ الأحْمَرَ، أو لا يأْكُلَ شَعِيرًا، فأكَلَ حِنْطَةً فيها حبَّاتُ شَعِيرٍ، لم يَحْنَثْ. وإن ظَهَر طَعْمُ السَّمْنِ، أو طَعْمُ
(1) في م: «كذلك» .
أَوْ طَعْمُ شَيْءٍ مِنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيهِ، حَنِثَ. وَقَال الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ
ــ
شيءٍ مِن المحْلُوفِ عليه، حَنِثَ. وقال الخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بأَكْلِ اللَّحْمِ