الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيهِ.
ــ
أَيَّامٍ». رَواه الجُوزْجَانِيُّ، والتِّرْمِذِيُّ (1). فإن كان المَتْرُوكُ خِصالًا كثيرةً (2)، أجْزَأتْه كَفَّارَةٌ واحدةٌ؛ لأنَّه نَذْرٌ واحدٌ، فتكونُ كفَّارَتُه واحِدَةً، كاليمينِ الواحدةِ على أفْعالٍ، ولهذا لم يَأْمُرِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُخْتَ عُقْبَةَ بنِ عامِر في تَرْكِ التَّحَفِّي (3) والاخْتِمارِ، بأكثرَ مِن كَفَّارَةٍ.
4800 - مسألة: (ولو نَذَر الصَّدَقَةَ بكلِّ مالِه، فَله الصَّدَقَةُ بثُلُثِه، ولا كَفَّارَةَ عليه)
لِما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال لأبي لُبَابَةَ، حينَ قال: إنَّ مِن تَوْبَتِي يا رسولَ اللهِ أن أنخَلِعَ مِن مالِي. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
(1) تقدم تخريجه في صفحة 171.
(2)
في الأصل: «كبيرة» .
(3)
في الأصل: «الحفا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«يُجْزِئُكَ الثُّلُثُ» (1). وبهذا قال الزُّهْرِيُّ، ومالكٌ. وقال رَبيعَةُ: يَتَصَدَّقُ منه بقَدْرِ الزَّكاةِ؟ لأنَّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ على مَعْهودِ الشَّرْعِ، ولا يَجِبُ في الشَّرْعِ إلَّا قَدْرُ الزَّكاةِ. وعن جابرِ بنِ زيدٍ، قال: إنْ كان كثيرًا -وهو ألْفان- تَصَدَّق بعُشْرِه، وإن كان مُتَوَسِّطًا -وهو ألْفٌ- تصَدَّق بسُبْعِه، وإن كان قليلًا -وهو خَمْسُمائةٍ- تصَدَّق بخمْسِه (2). وقال أبو حنيفةَ: يَتَصَدَّقُ بالمالِ الزَّكَويِّ كلِّه. وعنه في غيرِه (3) رِوايَتان؛ إحْدَاهما، يَتَصَدَّقُ به. والثانِيَةُ، لا يَلْزَمُه منه شيء. وقال النَّخَعِيّ، والبَتِّيُّ، والشافعيُّ: يَتَصَدَّقُ بمالِه كلِّه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
(1) أخرجه أبو داود، في: باب من نذر أن يتصدق بماله، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 215. والإمام مالك بلاغا، في: باب جامع الأيمان، من كتاب النذور. الموطأ 2/ 481. والدارمي، في: باب النهي عن الصدقة بجميع ما عند الرجل، من كتاب الزكاة. سنن الدارمي 1/ 390، 391. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 452، 453، 502. وابن حبان، انظر: الإحسان 8/ 164، 165. والطبراني، في: المعجم الكبير 5/ 22، 23.
(2)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 8/ 486. وعنده في آخره: وقال قتادة: والكثير ألفان، والوسط ألف، والقليل خمسمائة.
(3)
بعده في م: «فيه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«مَنْ نَذَر أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطعْهُ» (1). ولأنَّه نَذْرُ طاعَةٍ، فلَزِمَه الوَفاءُ به، كنَذْرِ الصلاةِ والصِّيامِ. ولَنا، حديثُ أبي لُبَابَةَ المذْكُورُ. وعن كَعْبِ بنَ مالكٍ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبَتِي أن أنْخَلِعَ مِن مالِي صَدَقَةً إلى الله وإِلى رسولِه. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أمْسِكْ عَلَيكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خيرٌ لَكَ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). ولأبي داودَ: «يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» . قالوا: ليس هذا بنَذْرٍ، وإنَّما أرادَ الصَّدَقَةَ بجَمِيعِه، فأمرَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالاقْتِصارِ [على ثُلُثِه، كما أمَرَ سعدًا حينَ أرادَ الوَصِيَّةَ بجَمِيعِ مالِه، فأمَرَه بالاقْتِصارِ على](3) الثُّلُثِ، وليس هذا مَحَلَّ النِّزاعِ، إنَّما النِّزاعُ في مَن نَذَر الصدقةَ بجميعِه. قُلْنا: عنه جوابان؛
(1) تقدم تخريجه في 7/ 563.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب إذا تصدق أو أوقف بعض ماله. . . .، من كتاب الوصايا، وفي: باب سورة التوبة، من كتاب التفسير، وفي: باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البخاري 4/ 9، 6/ 87، 88، 8/ 175. ومسلم، في: باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، من كتاب التوبة. صحيح مسلم 4/ 2127.
كما أخرجه أبو داود، في: باب من نذر أن يتصدق بماله، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 215. والنسائي، في: باب إذا أهدى ماله على وجه النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 21، 22. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 454، 456، 459، 6/ 389.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحدُهما، أنَّ قولَه:«يُجْزِئُكَ [مِن ذلك] (1) الثُّلُثُ» . دليلٌ على أنَّه أتَى بلَفْظٍ يَقْتَضِي الإِيجابَ؛ لأنَّها إنَّما تُسْتَعْمَلُ غالِبًا في الواجباتِ، ولو كان مُخَيَّرًا بإرادَةِ الصَّدَقَةِ، لَما لَزِمَه شيءٌ يُجْزِء عنه بعضُه. الثاني، أنَّ مَنْعَه مِن الصدقَةِ بزيادةٍ على الثُّلُثِ، دليلٌ على أنَّه ليس بقُرْبَةٍ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يَمْنَعُ أصْحابَه مِن القُرَبِ، ونَذْرُ ما ليس بقُرْبَةٍ لا يَلْزَمُ الوَفاءُ به. ولَنا، على أبي حنيفةَ، أنَّ غيرَ الزَّكَويِّ مالٌ، فتَناوَلَه النَّذْرُ، كغيرِ (2) الزَّكَويِّ. وما قاله رَبيعَةُ لا يَصِحُّ؛ فإنَّ هذا ليس بزَكاةٍ، ولا في مَعْناها، فإنَّ الصدقةَ وَجَبَتْ لإِغْناءِ الفُقَراءِ ومُواساتِهِم، وهذه صَدَقَةٌ تَبَرَّع بها صاحبُها تَقَرُّبًا إلى اللهِ تعالى، ثم إنَّ المَحْمُولَ على مَعْهُودِ الشَّرْعِ المُطْلَقُ، وهذه صَدَقَةٌ مُعَيَنة غيرُ مُطْلَقَةٍ، ثم تَبْطُلُ بما لو نَذَر صِيامًا، فإنَّه لا يُحْمَلُ على صومِ رمضانَ، وكذلك الصلاةُ. وما ذَكَرَه جابِرُ بنُ زَيدٍ، فهو تَحَكُّمٌ بغيرِ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «غير» .