الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَان، فَقَدِمَ لَيلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيهِ، وَإنْ قَدِمَ نَهَارًا، فَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّه لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إِتْمَامُ صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أفْطَرَ. وَعَنْهُ، أنَّهُ يَقْضِي وَيُكَفِّرُ، سَواء قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِر أَوْ صَائِمٌ. وإنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَال الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ. وَقَال غَيرُهُ: عَلَيهِ الْقَضَاءُ. وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ.
ــ
4806 - مسألة: (وإن نَذَر صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَان، فقَدِمَ لَيلًا، فلا شيءَ عليه، وإن قَدِم نَهَارًا، فعنه مَا يَدُلُّ على أنَّه لا يَنْعَقِدُ نَذْرُه، ولا يَلْزَمُه إلَّا صِيامُ ذلك اليومِ إن لم يَكُنْ أفْطَر. وعنه، أنه يَقْضِي ويُكَفِّرُ، سَواء قَدِم وهو مُفْطِر أو صائِم. وإن وافَقَ قُدُومُه يَوْمًا مِن رمضانَ، فقال الخِرَقِيُّ: يُجْزِئُه صِيامُه لرمضانَ ونَذْرِهِ. وقال غيرُه: عليه القَضاءُ. وفي الكَفَّارَةِ رِوايَتَان)
وجملةُ ذلك، أنَّه إذا نَذَر [أن يَصومَ يومَ](1) يَقْدَمُ فُلان، صَحَّ نَذْرُه. وهو قولُ أبي حنيفةَ. وأحَدُ قَوْلَي الشَّافعيِّ. وقال في الآخَرِ:
(1) في الأصل: «صوم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَصِحُّ نَذْرُه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ صَوْمُه بعدَ وُجودِ شَرْطِه، فلم يَصِحَّ، كما لو قال: للهِ عليَّ أن أصوم اليومَ الذي قبلَ اليومِ الذي يَقْدَمُ فيه زَيدٌ. ولَنا، أنَّه زَمَنٌ يَصِحُّ فيه صومُ التَّطَوُّعِ، فانْعَقَدَ نَذْرُه لصومِه، كما لو أصْبَحَ صائِمًا تَطوُّعًا، وقال: للهِ عليَّ أن أصومَ يَوْمِي. وقولُهم: لا يَصِحُّ صَوْمُه. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه قد يَعْلَمُ اليومَ الذي يَقدَمُ فيه قبلَ قُدُومِه، فيَنْوي صَوْمَه مِن اللَّيلٍ، ولأنَّه قد يَجِبُ عليه ما لَا يُمْكِنُه، كالصَّبِيِّ يَبْلُغُ في أثْناءِ يوم مِن رمضان، والحائضِ تَطْهُرُ فيه، ولا نُسَلِّمُ ما قاسُوا عليه. إذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثَبَت ذلك، لم يَخْلُ مِن أقْسام خَمْسَةٍ؛ أحَدُها، أن يَقْدَمَ لَيلًا، فلا شيءَ عليه، في قولِ الجَميعِ؛ لأنَّه لم يَقْدَم في اليومِ، ولا في وَقْتٍ يَصِحُّ فيه الصِّيامُ. الثَّاني، أن يَعْلَمَ قُدُومَه مِن الليلِ، فيَنْويَ صَوْمَه، ويكون يَوْمًا يجوزُ فيه صَوْمُ النَّذْرِ، فيَصِحُّ صَوْمُه ويُجْزِئُه وَفاءً بنَذْرِه. الثَّالِثُ، أن يَقْدَمَ يومَ فِطْر أو أضْحَى، فاخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ في هذه المسألةِ؛ فعنه، لا يَصُومُه (1)، ويَقْضِي ويُكَفِّرُ. نَقَلَه عن أحمدَ جَماعَة. وهو قولُ أكثرِ أصحابِنا، ومذهبُ الحَكَمِ وحَمَّادٍ. والرِّوايَةُ الثانِيَةُ، يَقْضِي ولا كَفَّارَةَ عليه. وهو قولُ الحسينِ، والأوْزاعِيِّ، وأبي عُبَيدٍ، وقَتادَةَ، وأبي ثَوْرٍ، وأحَدُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّه فاتَه الصَّوْمُ الواجِبُ بالنَّذْرِ، فلَزِمَه قَضاؤه، كما لو تَرَكَه نِسْيانًا (2)، ولم تَلْزَمْه كَفَّارَة؛ لأنَّ الشَّرْعَ مَنَعَه من صَوْمِه،
(1) في م: «يضح» .
(2)
في الأصل: «ناسيا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهو كالمُكْرَهِ. وعن أحمدَ رِوايَة ثالثة، إن صامَه صَحَّ صَوْمُه. وهو مذهبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّه [قد وَفَّى](1) بما نَذَر، فأشْبَهَ ما لو نَذَر مَعْصِيَةً ففَعَلَها. ويَتَخَرَّجُ أن يُكَفِّرَ مِن غيرِ قَضاءٍ؛ لأنَّه وافَقَ يومًا صَوْمُه حَرامٌ، فكان مُوجَبُه الكَفَّارَةَ، كما لو نَذَرَتِ المرأةُ صومَ يومِ حَيضِها. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَلْزَمَه شيء مِن كفَّارَةٍ ولا قَضاءٍ، بِناءً على مَن نَذَر المَعْصِيَةَ. [وهو قولُ مالكٍ، والشَّافعيِّ في أحَدِ قولَيهِ، بناءً على نَذْرِ المَعْصِيَةِ](2). ووَجْهُ قولِ الخِرَقِيِّ، أنَّ النَّذْرَ يَنْعَقِدُ، لأنَّه نَذَر نَذْرًا يُمْكِنُ الوفاءُ به غالِبًا، فكان مُنْعَقِدًا، كما لو وافَقَ غيرَ يَوْمِ العيدِ، ولا يجوزُ أن يصومَ يومَ العيدِ؛ لأنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ صَوْمَه، فأشْبَهَ زَمَنَ الحَيضِ، ولَزِمَه القَضاءُ؛ لأنَّه نَذْرٌ مُنْعَقِدُ، وقد فاتَه الصِّيامُ بالعُذْرِ، فلَزِمَتْه الكَفَّارَةُ لفَواتِه، كما لو فاتَه بمرض. وإن وافَقَ يومَ حَيض أو نِفاس، فهو كما لو وافَقَ يومَ فِطْر أو
(1) في الأصل: «وفاء» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أضْحَى، إلَّا أنَّها لا تَصُومُه. بغيرِ خِلافٍ بينَ أهلِ العلمِ. الرَّابع، أن يَقْدَمَ في يوم يَصِحُّ صَوْمُه والنَّاذِرُ مُفْطِر، ففيه رِوَايتان؛ إحداهما، يَلْزَمُه القَضاءُ والكَفَّارَةُ؛ لأنَّه نَذَر صَوْمًا نَذْرًا صَحِيحًا، ولم يَفِ به، فلَزِمَه القَضاءُ والكَفَّارَةُ، كسائِرِ المَنْذُوراتِ. ويَتَخَرَّجُ أن لا تَلْزَمَه كَفَّارَة. وهو مذهبُ الشَّافعيِّ؛ لأنَّه تَرَك المَنْذُورَ لعُذْرٍ. والثَّانِيَةُ، لا يَلْزَمُه شيءٌ مِن قَضاءٍ ولا غيرِه. وهو قولُ أبي يوسفَ، وأصحابِ الرَّأي، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه قَدِمَ في زَمَن لا يَصِحُّ صَوْمُه فيه، فلم يَلْزَمْه شيءٌ، كما لو قَدِمَ ليلًا. الخامِسَةُ، قَدِم والنَّاذِرُ صائِمٌ، فلا يَخْلُو مِن أن يكونَ تَطَوُّعًا أو فرْضًا؛ فإن كان تَطَوُّعًا، فقال القاضي: يصومُ بَقِيَّتَهُ، ويَعْقِدُه عن نَذْرِه، ويُجْزِئُه، ولا قَضاءَ ولا كَفَّارَةَ. وهو قولُ أبي حنيفة؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه يُمْكِنُ صومُ يوم بعضُه تَطَوُّع وبعضُه واجب، كما لو نَذَر في صَوْمِ التَّطَوُّعِ إتْمامَ صومِ ذلك اليوم، وإنَّما وُجِدَ سببُ الوُجوبِ في بعضِه. وذَكَر القاضي احْتمالًا آخَرَ، أَنَّه يَلْزَمُه القَضاءُ والكَفَّارَةُ؛ لأنَّه صَوْم واجِب، فلم يَصِحَّ بنِيَّةٍ مِن النَّهارِ، كقَضاءِ رمضانَ. وذَكَر أبو الخطَّابِ هذَين الاحْتِمالين رِوايَتَين. وعندَ الشَّافعيِّ، عليه القَضاءُ فقط، كما لو قَدِم وهو مُفْطِرٌ. ويَتَخرَّجُ لنا مثلُه. وأمَّا إن كان الصومُ واجبًا، مثلَ أن يُوافِقَ يومًا مِن رمضانَ، فقال الخِرَقِيُّ: يُجْزِئُه (1) لرَمضانَ ونَذْرِه؛ لأنَّه نَذَر صَوْمَه، وقد وَفَّى به. وقال غيرُه: عليه القَضاءُ؛ لأنَّه لم يَصُمْه عن نَذْرِه.
(1) سقط من: الأصل.