الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا، فَأفطَرَ لِمَرض أو حَيض، قَضَى لا غَيرُ، وَإنْ أفْطَرَ لِغَيرِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ الاسْتِئْنَافُ، وَإنْ أفْطَرَ لِسَفَر أوْ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
4813 - مسألة: (وإن نَذَر صِيامًا مُتَتابِعًا، فأفْطَرَ لمَرَض أو حَيضٍ، قَضَى لا غيرُ، وإن أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ، لَزِمَه الاسْتِئْنافُ، وإن أفْطَرَ لسَفَر أو ما يُبِيحُ الفِطْرَ، فعلى وَجْهَين)
وجملتُه، أنَّ مَن نَذَر صِيامًا مُتَتابِعًا غيرَ مُعَيَّن، [ثم أفْطَرَ فيه](1) لم يَخْلُ مِن حالين؛ أحَدُهما، أن يُفْطِرَ لعُذْرٍ؛ مِن حَيض، أو مَرَض، أو نحوه، فهو مُخَيَّرٌ بينَ أن يَبْتَدِئ الصومَ، ولا شيءَ عليه؛ لأنَّه أتَى بالمنْذُورِ على وَجْهِه، وبينَ أن يَبْنِيَ على صِيامِه ويُكَفِّرَ؛ لأنَّ الكَفَّارَةَ تَلْزَمُ لتَرْكِه المنذورَ وإن كان عاجِزًا، بدليلِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ أخْتَ عُقْبَةَ بنَ عامِر بالكَفَّارَة، لعَجْزِها عن المَشْي، ولأنَّ النَّذْرَ كاليَمِينِ، ولو حَلَف ليَصُومَنَّ صِيامًا مُتَتابعًا، ثم لم يَأت به مُتَتابِعًا، لَزِمَتْه الكَفَّارَةُ، وإنَّما جَوَّزْنا له البِنَاءَ ههُنا؛ لأنَّ الفِطْرَ لعُذْرٍ لا يَقْطَعُ التَّتابُعَ حُكْمًا، كما لو أفْطَرَ في صِيامِ الشَّهْرَين المُتَتابعَين لعُذْرٍ، كان له البِنَاءُ. والذي ذَكَرَه شيخُنا في الكتابِ المشروحِ، أنَّه لا كَفَّارَةَ عليه إذا أفْطَرَ لعُذْرٍ، فإنَّه قال: قَضاهُ لا غيرُ. وهي إحْدَى الرِّوايَتَين عن أحمدَ، كما لو تَرَك التَّتابُعَ في الشَّهْرَين المُتَتابِعَين لعُذْرٍ، فإنَّه لا كَفَّارَةَ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه، كذا ههُنا. الحالُ الثَّاني، أن يُفْطِرَ لغيرِ عُذْرٍ، فهذا يَلْزَمُه اسْتِئْنافُ الصيامِ، ولا كَفَّارَةَ عليه؛ لأنَّه تَرَك التَّتابُعَ المنذورَ لغيرِ عُذْرٍ، مع إمْكانِ الإِتْيانِ به، فلَزِمَه فِعْلُه، كما لو نَذَر صومًا مُعَينًا، فصامَ قبلَه. فإن أفْطَرَ لعُذْرٍ يُبِيحُ الفِطْرَ، كالسَّفَرِ، لم يَقْطَعِ التَّتابُعَ، في أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّه عُذْرٌ في فِطْرِ رمضانَ، فأشْبَهَ المَرَضَ. والثَّاني، يُفْطِرُ؛ لأنَّه أفْطر باخْتِيارِه، أشْبَهَ ما لو أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ.
فصل: إذا نَذَر صومَ شهر مُتَتابع، فصامَ من أوَّلِ الهِلالِ، أجْزَأه، تامًّا كان الشهرُ أو ناقِصًا؛ لأنَّ ما بينَ الهِلالين شَهْرٌ، ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا (1) الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» (2). وإن بَدَأ مِن أثْناءِ شَهْر،
(1) سقط من: م.
(2)
انظر ما تقدم تخريجه في 22/ 321، 322. ويضاف إليه في تخرج البُخاريّ 7/ 68: وانظر لهذا اللفظ ما أخرجه البُخاريّ، في: باب الصَّلاة في السطوح. . . .، من كتاب الصَّلاة، وفي: باب الفرفة والعلية المشرفة. . . .، من كتاب المظالم، وفي: باب موعظة الرجل ابنته. . . .، من كتاب النكاح، وفي: باب من حلف أن لا يدخل على أهله. . . .، من كتاب الأيمان والنذور. صحيح البُخاريّ 1/ 106، 3/ 176، 7/ 38، 8/ 173. والترمذي، فهي: باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين. عارضة الأحوذي 3/ 205. والنَّسائيُّ، في: باب كم الشهر، من كتاب الصيام. المجتبى 4/ 111. وابن ماجة، في: باب الإيلاء، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجة 1/ 664. والدارمي، في: باب الشهر تسع وعشرون، من كتاب الصوم. سنن الدارمي 2/ 4. والإمام مالك، في: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم. . . .، من كتاب الصيام. الموطأ 1/ 286. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 218، 258، 340، 2/ 31، 40، 56، 75، 78، 251، 298، 3/ 200، 341، 6/ 33، 51، 105، 163، 243، 315.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَزِمَه شهرٌ بالعدَدِ، ثلاثون يومًا؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«صُومُوا لِرُؤيَتهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتهِ، فإن غُمَّ عَلَيكُمْ، فأكْمِلُوا ثَلَاثِينَ» (1). [فإن صام شَوّالًا، لَزِمَه إكْمالُه ثلاثين](2)؛ لأنَّه بَدَأ مِن أثْنائِه، إن كان ناقِصًا، قضَى يَومينِ، وإن كان تامًّا أتَمَّ يومًا واحدًا. وإن صامَ ذا الحِجَّةِ، أفْطَرَ يومَ الأضْحَى وأيَّام التَّشْرِيقِ، ولم يَنْقَطِعْ تَتابُعُه، كما لو أفْطَرَتِ المرأةُ لحَيضٍ، وعليه كَفَّارَةٌ، ويَقْضِي أرْبَعةَ أيَّام إن كان تامًّا، وخمسة إن كان ناقِصًا. والأوْلَى أن لا يَلْزَمَه إلَّا أرْبَعَةٌ إذا كان ناقِصًا؛ لأنَّه بدَأ مِن أوَّلِه، فيَقْضِي المَتْرُوكَ منه حَسْبُ. وإن صامَ مِن أوَّلِ شَهْر، فمَرِضَ فيه أيَّامًا مَعْلُومَةً، أو حاضَتِ المرأةُ فيه ثم طَهُرَتْ قبلَ خُروجِه، قَضَى ما أفْطَرَ منه بعِدَّتِه إن كان الشَّهرُ تامًّا، وإن كان ناقِصًا، فهل يَلْزَمُه الإِتْيانُ بيَوْم آخَرَ؟ على وَجْهَين، بِناءً على ما ذَكَرْنا فيما إذا أفْطَرَ يومَ العيدِ وأيَّامَ التَّشْريقِ.
(1) تقدم تخريجه في 7/ 327.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا نَذَر صِيامَ شهر مِن يومِ يَقْدَمُ فُلانٌ، فقَدِم في أوَّلِ شَهْرِ رمضانَ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ هذا نَذْر مُنْعَقِد، يُجْزِئُ صِيامُه عن النَّذْرِ ورمضانَ. وهو قولُ أبي يوسفَ. وقياسُ قولِ ابنِ عباس، وعِكْرِمَةَ؛ لأنَّه نَذَر صومًا في وَقْتٍ، وقد صامَ فيه. وقال القاضي، في «شَرْحِه»: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّه غيرُ مُنْعَقِدٍ؛ لأنَّ نَذْرَه وافَقَ زَمَنًا يُسْتَحَقُّ صَومُه، فلم يَنْعَقِدْ نَذْرُه، كنَذْرِ صومِ رمضانَ. قال: والصَّحِيحُ عندِي صِحَّةُ النَّذْرِ؛ لأنَّه نَذْرُ طاعَةٍ يُمْكِنُ الوَفاءُ به غالِبًا، فانعَقَد، كما لو وافَقَ شعبانَ. فعلى هذا، يصومُ رمضانَ، ثم يَقْضِي ويُكَفِّرُ. وهذا اخْتِيارُ أبي بكر. ونَقَل جعفرُ بنُ محمدٍ، عن أحمدَ، أنَّ عليه القَضاءَ. وقولُ الخِرَقِيِّ: أجْزَاة صِيامُه لرمضانَ ونَذْرِه. دليل على أنَّ نَذرَه انْعَقَد عندَه، ولولا ذلك ما كان صومُه عن نَذْرِه. وقد نَقَل أبو طالِبٍ عن أحمدَ، في مَن نَذَر أن يَحُجَّ وعليه حَجَّة مَفْرُوضَة، فأحْرَم عن النَّذْرِ: وَقَعَتْ عنِ المَفْرُوضِ، ولا يَجِبُ عليه شيءٌ آخَرُ. وهذا مثلُ قولِ الخِرَقِيِّ. ورَوَى عِكْرِمَةُ، عن ابنِ عباس، في رجل نَذَر أن يَحُجَّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يَكُنْ حَجَّ الفَرِيضَةَ، قال: يُجْزِئُ لهما جميعًا. وعن عِكْرِمَةَ، أنَّه سُئِلَ عن ذلك، فقال عِكْرِمَةُ: يَقْضِي حَجَّتَهُ عن نَذْرِه وعن (1) حَجَّةِ الإسْلامِ، أرَأيتُم لو أنَّ رجلًا نَذَر أن يُصَلِّيَ أرْبَعَ رَكَعاتٍ، فصَلَّى العَصْرَ، أليس ذلك يُجْزِئُه مِن العصرِ والنَّذْرِ؟ قال: فذكَرْتُ قَوْلِي لابنِ عباس، فقال: أصَبْتَ و (2) أحْسَنْتَ. وقال ابنُ عمرَ، وأنَسٌ: يَبْدَأ بحَجَّةِ الإِسْلامِ، ثم يَحُجُّ لنَذْرِه. وفائِدَةُ انْعِقادِ [نَذرِه، لُزومُ](3) الكَفَّارَةِ بتَرْكِه، وأنَّهِ لو لم يَنْوه لنَذْرِه، لَزِمَه قَضاؤه. وعلى هذا، لو وافَقَ نَذْرُه بعضَ رمضان، وبعضَ شَهْر آخَرَ، إمَّا شعبان، وإمَّا شوال، لَزِمَه صومُ ما خرَج عن رمضانَ، ويُتمُّه [مِن رمضانَ](4)، ولو قال: للهِ عليَّ صومُ رمضان. فعلى قياس قولِ الخِرَقِي، يَصِحُّ نَذْرُه، ويُجْزِئُه صِيامُه عن الأمرين، وتَلْزَمُه الكفَّارَةُ إن أخَلَّ به. وعلى قولِ القاضِي، لا يَنْعَقِدُ نَذْرُه. وهو مذهبُ الشَّافعيِّ؛ لأنَّه لا يَصِحُّ صومُه عن النَّذْرِ، أشْبَهَ الليلَ. ولَنا، أنَّ النَّذْرَ يَمِينٌ، فيَنْعَقِدُ (5) في الواجِبِ مُوجِبًا للكَفَّارَةِ، كاليَمِينِ باللهِ
(1) في الأصل: «على» .
(2)
في الأصل: «أو» .
(3)
في الأصل: «لزوم نذره» .
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: «منعقدة» .