الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَال: وَلَّيتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنَ نَظرَ مِنْهُمَا، فَهُوَ خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الْولَايةُ.
فَصْلٌ: وَيُشْتَرَط في الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ؛ أنْ يَكُونَ
ــ
الإِمارةِ بعدَ زيدٍ على شَرْطٍ، فكذلك ولايةُ الحُكْمِ.
4836 - مسألة: (وإن قال: وَلَّيتُ فُلانًا وفُلانًا، فمَن نَظَر منهما، فهو خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الولايةُ)
لمَن يَنْظُرُ منهما؛ لأنَّه عَقَد الولايةَ لهما جميعًا.
فصل: قال الشَّيخُ، رحمه الله: (ويُشْتَرَطُ في القاضي عَشْرُ صِفاتٍ؛
بَالِغًا، عَاقِلًا، ذَكَرًا، حُرًّا، مُسْلِمًا، عَدْلًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا. وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
أنَّ يكونَ بالِغًا، عاقِلًا، حُرًّا، ذَكَرًا، مُسْلِمًا، عَدْلًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا. وهل يُشْتَرَطُ كونُه كاتِبًا؟ على وَجْهَين) وجملةُ ذلك، أنَّه يُشْتَرَطُ للقاضي أنَّ يكونَ بالِغًا عاقِلا مسلمًا؛ لأنَّ هذه شُرُوطُ العَدالةِ، فأَولَى أنَّ تُشْتَرَطَ للقَضاءِ. الرابعُ، الذُّكُورِيَّةُ، فلا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ المرأةِ. وحُكِيَ عنٍ (1) ابنِ جَرِير أنَّ الذُّكُوريَّةَ لا تُشْتَرَطُ؛ لأنَّ المرأةَ يَجُوزُ أنَّ تكونَ مُفْتِيَة، فيجوزُ أنَّ تكونَ قاضية. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ أنَّ تكونَ قاضيةً في غيرِ الحُدُودِ؛ لأنَّه يجوزُ أنَّ تكونَ شاهِدَةً فيه (1). ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أفْلَحَ قَوْم وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً» (2). ولأنَّ القاضيَ يَحْضُرُه
(1) سقط من: الأصل.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، من كتاب المغازي، وفي: باب حدثنا عثمان بن الهيثم، من كتاب الفتن. صحيح البخاري 10/ 6، 9/ 70، والترمذي، في: باب حدثنا محمد بن المثنى، من أبواب الفتن. عارضة الأحوذي 9/ 118، 119. والنسائي، في: باب النهي عن استعمال النساء في الحكم، من كتاب القضاة. المجتبى 8/ 200. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 38، 43، 47، 50، 51.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
محافِلُ الخُصُومِ والرِّجالِ، ويحْتاجُ فيه إلى كَمالِ الرَّأْي وتمامِ العَقْلِ والفِطْنَةِ، والمرأةُ ناقِصَةُ العقلِ، ضَعِيفَةُ الرَّأْي، ليستْ [أهلًا للحُضُورِ](1) في محافلِ الرِّجالِ، ولا تُقْبَلُ شَهادَتُها ولو كان معها ألفُ امرأةٍ مثلِها، ما لم يكنْ مَعَهُنَّ رجلٍ، وقد نَثهَ اللهُ تعالى على ضَلالِهنَّ ونِسْيانِهِنَّ بقولِه سبحانه:(أَنْ تَضِل إِحْدَهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَهُمَا الأُخْرَى)(2). ولا تَصْلُحُ للامامَةِ العُظْمَى، ولا لتَوْلِيَةِ البُلْدانِ، ولهذا لم يُوَلِّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحدٌ مِن خُلَفائِه، ولا مَن بعدَهم، امرأةً قَضاءً ولا ولايةَ بَلَدٍ، فيما بَلَغَنا، ولو جاز ذلك لم يَخْلُ منه جميعُ الزَّمانِ غالِبًا. الخامسُ، الحُرِّيَّةُ، فلا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ العَبْدِ؛ لأنَّه مَنْقُوصٌ برِقِّه، مَشْغُولٌ بحُقوقِ سَيِّدِه، لا تُقْبَلُ شَهادَتُه في جميعِ الأشْياءِ، فلم يكنْ أهْلًا للقضاءِ، كالمرأةِ. السادسُ، أنْ يكونَ سَمِيعًا. السَّابعُ، أنَّ يكونَ بَصِيرًا. الثامِنُ، أنَّ يكونَ مُتَكَلِّمًا؛ لأنَّ الأصَمَّ لا يَسْمَعُ قولَ الخَصْمَين، والأعْمَى لا يَعْرِفُ المُدَّعِيَ مِن المُدَّعَى عليه، والمُقِرَّ مِن المُقَرِّ له، والأخْرَسُ لا يُمْكِنُه النُّطْقُ بالحُكْمِ، ولا يَفْهَمُ [جَمِيعُ الناسِ](3) إشارَتَه. وقال بعضُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحابِ الشافعيِّ: يجُوزُ أنَّ يكونَ أعْمَى (1)؛ لأنَّ شُعَيبًا عليه السلام، كان أعْمَى. ولهم في الأخْرسِ الذي تُفهَمُ إشارتُه وَجْهان. ولنا، أنَّ هذه الحَواسَّ تُؤَثِّرُ في الشَّهادةِ، فيَمْنَعُ فَقْدُها ولايةَ القَضاءِ كالسَّمْعِ؛ وهذا لأنَّ مَنْصِبَ الشَّهادةِ دُونَ مَنْصِبِ القَضاءِ، والشاهدَ يَشْهَدُ في أشْياءَ يَسِيرَةٍ يُحْتاجُ إليه فيها، وربَّما أحاط بحَقِيقَةِ عِلْمِها، والقاضيَ ولايتُه عامَّة، فيَحْكُمُ في قَضايا الناسِ عامَّةً، فإذا لم تُقْبَلْ منه الشَّهادةُ، فالقضاءُ أَوْلَى، وما ذَكَرُوه عن شُعَيبٍ عليه السلام، فمَمْنُوعٌ، فإنه لم يَثْبُتْ أنَّه كان أعْمَى (2)، ولو ثَبَت فيه ذلك، فلا يَلْزَمُ
(1) بعده في ق، م:«قاضيًا» .
(2)
ذكر الشارح، رحمه الله، أن شعيبا، عليه السلام، كان أعمى. انظر 20/ 183.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ههُنا؛ فإنَّ شُعَيبًا، عليه السلام، كان مَن آمَنَ معه مِن الناسِ قليلًا، ورُبَّما لا يَحْتاجُونَ إلى الحُكْمِ بينَهم لقلَّتِهم وتَناصُفِهم، فلا يكونُ حُجَّةً في مسألتِنا. التاسعُ، العدالةُ، فلا يجوزُ تَوْلِيَةُ فاسِقٍ، ولا مَن فيه نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهادةَ، وسَنذْكُرُ ذلك في الشَّهادةِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وحُكِيَ عن الأصَمِّ، أنَّه قال: يجوزُ أنَّ يكونَ القاضي فاسِقًا، لِما رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«سَيَكُونُ بَعْدِي أمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ أوْقَاتِهَا، فَصَلُّوهَا لِوَقْتِهَا، واجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» (1). ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (2). فأمَرَ
(1) تقدم تخريجه في 4/ 359.
والسبحة: النافلة.
(2)
سورة الحجرات 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالتَّبَيُّنِ (1) عندَ قول الفاسِقِ، ولا يجوزُ أنَّ يكونَ الحاكِمُ ممَّن لا يُقْبَلُ قولُه، ويَجِبُ التَّبَيُّنُ (2) عندَ حُكْمِه، ولأنَّ الفاسِقَ لا يجوزُ أنَّ يكونَ شاهدًا، فلَأن لا (3) يكونَ قاضِيًا أوْلَى. فأمَّا الخبرُ فأخْبَر بوُقُوعِ ذلك مع كونِهم أُمَراءَ، لا بمَشْرُوعِيَّته، والنِّزاعُ في صِحَّةِ تَوْلِيَته لا في وُجُودِها. العاشرُ، أنَّ يكونَ مُجْتَهِدًا. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وبعضُ الحنفيَّة. وقال بعضُهم: يجوزُ أنْ يكونَ عامِّيًّا فيَحْكُمَ بالتَّقْلِيدِ؛ لأنَّ الغَرَضَ منه فَصْلُ الخُصوماتِ، فَإِذا (4) أمْكَنَه ذلك بالتَّقْلِيدِ (5) جاز، كما يُحْكَمُ بقولِ المُقَوِّمِينَ. ولَنا، قولُه تعالى: (وَأنِ احْكُم بَينَهُم بِمَا أنزَلَ
(1) في النسخ: «بالتبيين» . وانظر المغني 14/ 14.
(2)
في النسخ: «التبيين» .
(3)
بعده في م: «يجوز أن» .
(4)
في م: «فأما إذا» .
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهُ) (1). [ولم يَقُلْ: بالتَّقْلِيدِ. وقال: (لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَراكَ اللهُ)](2). وقال: (فَإِن تَنَزَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(3). ورَوَى بُرَيدَةُ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ؛ اثْنَانِ فِي النَّارِ، ووَاحِدٌ فِي الْجَنةِ، رَجُل عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْل، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ» . رَواه ابنُ ماجه (4). والعامِّيُّ يَقضِي على جَهْلٍ، ولأنَّ الحُكْمَ آكَدُ مِن الفُتْيا؛ لأنَّه فُتْيا وإلزامٌ، ثم المُفْتِي لا يجوزُ أنَّ يكونَ عامِّيًّا مُقَلِّدًا، فالحُكْمُ أوْلَى. فإنْ قيل: فالمُفْتِي يجوزُ أنْ يُخْبِرَ بما سَمِع. قُلْنا: نعم، إلَّا أنَّه لا يكونُ مُفْتِيًا في تلك الحالِ، وإنَّما هو مُخْبِرٌ، فيَحْتاجُ أنْ يُخْبِرَ عن رجلٍ بعَينه مِن أهلِ الاجْتِهادِ، فيكونُ مَعْمُولًا بخَبَرِه لا بفُتْياه. ويُخالِفُ قولَ المُقَوِّمِين؛ لأنَّ ذلك لا يُمْكِنُ الحاكمَ مَعْرفَتُه بنَفْسِه، بخلافِ الحُكْمِ.
(1) سورة المائدة 49.
(2)
سقط من: م.
والآية من سورة النساء 105.
(3)
سورة النساء 59.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 262.