الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِى العَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ. وعنه، [332 و] أَنَّهُ يَكْفِى أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ،
وَلَيْسَ بِعَدْلٍ.
ــ
لظُهورِ الحَقِّ.
4909 - مسألة: (ولا يُسْمَعُ الجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا بما يَقْدَحُ في العَدالَةِ)
ويُعْتَبَرُ فيه اللَّفْظُ، فيقولُ: أشْهَدُ أنِّى رَأيْتُه يَشْرَبُ الخَمْرَ، أو- سَمِعْتُه يَقْذِفُ- أو- رَأيْتُه يَظْلِمُ الناسَ بأخْذِ أمْوالِهم، أو ضَرْبِهم (1) - أو- يُعَامِلُ بِالرِّبا. أو يُعْلَمُ ذلك بالاسْتِفاضَةِ في الناسِ. ولابدَّ مِن ذِكْرِ السَّبَبِ وتَعْيِينه. وبهذا قال الشافعىُّ، وسَوّارٌ. وعنه، يَكْفِى أن يَشْهَدَ أنَّه فاسِقٌ، وليس بعَدْلٍ. وبه قال أبو حنيفة؛ لأنَّ التَّعْديلَ يُسْمَعُ (2) مُطْلَقًا، فكذلك الجَرْحُ؛ لأنَّ التَّصْريحَ بالسَّبَبِ يَجْعَلُ الجارحَ فاسِقًا، يُوجِبُ عليه الحَدَّ في بعضِ الحالاتِ، وهو أن يَشْهَدَ عليه بالزِّنَى، فيُفْضِى الجَرْحُ إلى جَرْحِ الجارحِ، وتَبْطُلُ شَهادَتُه، ولا يَتَجَرَّحُ بها المَجْرُوحُ.
(1) في الأصل: «ميزتهم» . ولعلها: «ميرتهم» .
(2)
في الأصل: «يقبل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولَنا، أنَّ الناسَ يَخْتلفون في أسْبابِ الجَرْحِ، كاخْتِلافِهم في شاربِ يَسِيرِ النَّبِيذِ، فوَجَبَ أن لا يُقْبَلَ بمُجَرَّدِ الجَرْحِ، لئَلَّا يَجْرَحَه بما لا يَراه القاضى جَرْحًا، ولأنَّ الجَرْحَ يَنْقُلُ عن الأصْلِ، فإنَّ الأصْلَ في المسلمين العَدالَةُ، والجرحُ يَنْقُلُ عنها، فلابدَّ أن يُعْرَفَ النَّاقلُ؛ لئلَّا يُعْتَقَدَ نَقْلُه بما لا يَراه الحاكمُ ناقِلًا. وقولُهم: إنَّه يُفْضِى إلى جَرْحِ الجارحِ، وإيجابِ الحَدِّ عليه. قُلْنا: ليس كذلك؛ لأنَّه يُمْكِنُه التَّعْرِيضُ مِن غيرِ تَصْريحٍ. فإن قيل: ففى بَيانِ السَّبَبِ هَتْكُ المَجْروحِ. قُلْنا: لا بُدَّ مِن هَتْكِه؛ فإنَّ الشَّهادَةَ عليه [بالفِسْقِ هَتْكٌ، ولكن جاز ذلك للحاجةِ الدَّاعِيَةِ إليه، كما جازَتِ الشَّهادةُ عليه](1) به لِإقامَةِ الحَدِّ عليه، بل ههُنا أوْلَى، فإنَّ فيه دَفْعَ الظّلْمِ عن المشْهودِ عليه، وهو حَقُّ آدَمِى، فكان أوْلَى بالجَوازِ، ولأنَّ هَتْكَ عِرْضِه بسَبَبِه، لأنَّه تعَرَّضَ للشَّهادةِ مع ارْتِكابِه ما يُوجِبُ جَرْحَه، فكان هو الهاتِكَ لنَفْسِه، إذ كان فِعْلُه المُحْوِج للناسِ إلى جَرْحِه. فإن صَرَّحَ الجارِحُ بقَذْفِه بالزِّنَى، فعليه الحَدُّ إن لم يَأْتِ بتَمامِ أرْبَعَةِ شُهَداءَ.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبه قال أبو حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: لا حَدَّ عليه إذا كان بلَفْظِ الشَّهادَةِ، لأنَّه لم يَقْصِدْ إدْخالَ المَعَرَّةِ عليه. ولَنا، قولُه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (1).
ولأنَّ أبا بَكْرَةَ ورَفِيقَه شَهِدُوا على المُغِيرةِ بالزِّنَى، ولم يُكْمِلْ زيادٌ شَهادَتَه، فجَلَدهم عمرُ حَدَّ القَذْفِ بمَحْضَرٍ مِن الصَّحابةِ (2)، ولم يُنْكِرْه مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا. ويَبْطُلُ ما ذَكَرُوه بما إذا (3) شَهِدُوا عليه لِإقامَةِ الحَدِّ عليه.
فصل: فإنْ أقامَ [المُدَّعَى عليه](4) بينةً، أنَّ هَذَيْن الشاهِدَيْن شَهِدا بهذا الحَقِّ عندَ حاكمٍ، فرَدَّ شَهادَتَهما لفِسْقِهما، بَطَلَتْ شَهادَتُهما، لأنَّ الشَّهادةَ إذا رُدَّتْ لفِسْقٍ، لم تُقْبَلْ مَرَّةً ثانيةً.
(1) سورة النور 4.
(2)
تقدم تخريجه في 26/ 408.
(3)
سقط من: م.
(4)
في النسخ: «المدعى» . وانظر المغنى 14/ 50.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُقْبَلُ الجَرْحُ والتَّعْديلُ مِن النِّساءِ. وقال أبو حنيفةَ: يُقْبَلُ؛ لأنَّه لا (1) يُعْتَبَرُ فيه لَفْظُ الشَّهادَةِ، فأشْبَهَ الرِّوايَةَ، وأخْبارَ
الدِّياناتِ (2). ولَنا، أنَّها شَهادَةٌ فيما ليس بمالٍ، ولا يُقْصَدُ منه (3) المالُ، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ في غالبِ الأحْوالِ، فأشْبَهَ الشَّهادَةَ في القِصاصِ.
وما ذَكَرُوه مَمْنُوعٌ.
فصل: ولا يُقْبَلُ الجَرْحُ مِن الخَصْمِ، بلا خِلافٍ بينَ العُلَماءِ. فلو قال المشْهودُ عليه: هذان فاسِقان- أو- عَدُوَّان- أو- آباءُ (4) المشْهودِ له. لم يُقْبَلْ قَوْلُه؛ لأنَّه مُتَّهَم في قَوْلِه، ويَشْهَدُ بما يَجُرُّ إلى نفْسِه نَفْعًا، فأشْبَهَ الشَّهادةَ لنَفْسِه. ولأنَّنا (5) لو قَبِلْنا قولَه، لم يَشَأْ أحَدٌ أنْ يُبْطِلَ شَهادةَ مَن شَهِد عليه إلَّا أبْطَلَها، فتَضِيعَ الحقوقُ، وتَذْهَبَ حِكمَةُ شَرْعِ (6) البَيِّنةِ.
فصل: ولا تُقْبَلُ شهادةُ المُتَوَسّمِينَ، وذلك إذا حَضَر مُسافِران،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «الديات» .
(3)
في م: «به» .
(4)
في م: «أبا» .
(5)
في الأصل: «لنا» .
(6)
سقط من: م.