الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أنْ يَنْذِرَ نَحْرَ وَلَدِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، أنَّهُ كَذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ، يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ.
ــ
4798 - مسألة: (إلَّا أن يَنْذِرَ ذَبْحَ وَلَدِه، ففيه رِوَايتان؛ إحْدَاهُما، أنَّه كذلك. والثَّانِيَةُ، يَلْزَمُه ذَبْحُ كَبْشٍ)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في مَن قال: إن فَعَلْتُ كذا، فلِلّه عليَّ نَحْرُ وَلَدِي. أو يقولُ: وَلَدِي نَحِيرٌ إن فَعَلْتُ كذا. أو نَذَر ذَبْحَ وَلَدِه مُطْلَقًا، غيرَ مُعَلَّقٍ بشَرْطٍ. فعن أحمدَ، عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وهذا قياسُ المذهبِ؛ لأنَّ هذا نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، أوْ نَذْرُ لَجاجٍ، وكِلاهما يُوجِبُ الكَفَّارَةَ. وهو قولُ ابنِ عباس؛ فإنَّه قال لامرأةٍ نَذَرَتْ أن تَذْبَحَ ابْنَها: لا تَنْحَرِي ابْنَكِ، وكَفِّرِي عن يَمِينكِ (1). والرِّوايةُ الثانِيَةُ، كَفَّارتُه ذَبْحُ كَبْشٍ، ويُطْعِمُه المساكينَ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. ويُرْوَى ذلك عن ابنِ عباسٍ أيضًا؛
(1) تقدم تخريجه في صفحة 172.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ نَذْرَ ذَبْحِ الوَلَدِ جُعِلَ في الشَّرْعِ كنذْرِ ذَبْحِ شاةٍ، بدَليلِ أنَّ الله تعالى أمَرَ إبراهيمَ عليه السلام، بذَبْحِ وَلَدِه، وكان [أُمِرَ أن يَذْبَحَ](1) شاةً، وشَرْعُ مَن قَبْلَنَا شَرْعٌ لنا ما لم يَثْبُتْ نَسْخُه، ودليلُ أنَّه أُمِرَ بذَبْحِ شاةٍ، أنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بالفَحْشاءِ ولا بالمَعاصِي، وذَبْحُ الوَلَدِ مِن كَبائِرِ المعاصِي، قال اللهُ تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (2). وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أكْبَرُ الكَبَائِرِ أنْ تَجْعَلَ لِله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» . قِيلَ: ثم أيٌّ؟ قال: «أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» (3). وقال الشافِعِيُّ: ليس هذا بشيءٍ، ولا يَجِبُ به شيءٌ؛ لأنَّه نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، لا يَجِبُ (4) الوَفاءُ به، ولا يجوزُ، ولا تَجِبُ به كَفَّارَةٌ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» (5). ولَنا، قولُه عليه
(1) في ق، م:«أمرا بذبح» .
(2)
سورة الإسراء 31.
(3)
تقدم تخريجه في 25/ 69.
(4)
في م: «يجوز» .
(5)
أخرجه النسائي، في: باب النذر فيما لا يملك، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 18. وابن ماجه، في: باب النذر في المعصية، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 686. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 429، 432. كلهم من حديث عمران بن حصين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصلاةُ والسلامُ: «لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وكَفَّارَتُه كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَواه سعيدٌ، في «سُنَنِه» (1). ولأنَّ النَّذْرَ حُكْمُه حكمُ اليَمِينِ، بدليلِ قولِه عليه الصلاة والسلام:«النَّذْرُ حَلْفَةٌ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» (2). فيكونُ بمَنْزِلَةِ مَن حَلَف ليَذْبَحَنَّ وَلَدَه. وقولُهم: إنَّ النَّذْرَ لذَبْحِ الوَلَدِ كِنايَةٌ عن ذَبْحِ كَبْشٍ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ إبراهيمَ، عليه السلام، لو كان مَأْمُورًا بذَبْحِ كَبْشٍ، لم يَكُنِ الكَبْشُ فِداءً، ولا كان مُصَدِّقًا للرُّؤْيَا قبلَ ذَبْحِ الكَبْشِ، وإنَّما أُمِرَ بِذَبْحِ ابنِه ابْتِلاءً (3)، ثم فُدِيَ بذَبْحِ الكَبْشِ، وهذا أمْرٌ اخْتَصَّ به إبراهيمُ عليه السلام، لا يَتَعَدَّاه إلى غيرِه، لحِكْمَةٍ عَلِمَها اللهُ تعالى فيه، ثم لو كان إبراهيمُ مَأْمُورًا بذَبْحِ كَبْشٍ، فقد وَرَد شَرْعُنا بخِلافِه، فإنَّ نَذْرَ ذَبْحِ الابنِ ليس بقُرْبَةٍ في شَرْعِنا، ولا مُباحٍ،
(1) وأخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في النذر في المعصية، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبي داود 2/ 208. والترمذي، في: باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا نذر في معصية، من أبواب النذور. عارضة الأحوذي 7/ 3، 4. والنسائي، في: باب كفارة النذر، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى 7/ 24، 25. وابن ماجه، في: باب النذر في المعصية، من كتاب الكفارات. سنن ابن ماجه 1/ 686. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 247. وصححه في الإرواء 8/ 214 - 217.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 4/ 149. والطبراني، في: المعجم الكبير 17/ 313، كلاهما بلفظ: «النذر يمين. . . .».
(3)
بعده في الأصل: «بذبح» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بل هو مَعْصِيَةٌ، فتكونُ كَفَّارَتُه ككَفَّارَةِ (1) سائِرِ نُذُورِ المَعاصِي.
فصل: فإن نَذَر ذَبْحَ نَفْسِه، أو أجْنَبِيٍّ، ففيها أيضًا عن أحمدَ رِوايَتان، فنَقَل ابنُ مَنْصُورٍ عن أحمدَ، في مَن نَذَر ذَبْحَ نفْسِه إذا حَنِث: يَذْبَحُ شاةً، وكذلك إن نَذَر ذَبْحَ أجْنَبِيٍّ؛ لأنَّ ذلك يُرْوَى عن ابنٍ عباسٍ. والذي قال: أنا أنْحَرُ فُلانًا. فقال: عليه كَبْشٌ. ولأنَّه نَذَر ذبْحَ آدَمِيٍّ، فكان عليه ذَبْحُ كَبْشٍ، كنَذْرِ ذَبْحِ ابْنِه. والثانِيَةُ، عليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لأنَّه نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، فكان مُوجَبُه كَفَّارَةً؛ لِما ذَكَرْنا فيما تَقَدَّمَ. ورَوَى الجُوزْجَانِيُّ، بإسْنادِه عن الأوْزاعِيِّ، قال: حَدَّثَنِي أبو عُبَيدٍ، قال: جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عمرَ، فقال: إنِّي نَذَرْتُ أن أنْحَرَ نَفْسِي. قال (2): فتَجَهَّمَه ابنُ عمرَ، وأفَّفَ منه، ثم أتَى ابنَ عباسٍ، فقال له: أهْدِ مِائَةَ بَدَنَةٍ (3). ثم أتَى عبدَ الرحمنِ بنَ الحارِثِ بنِ هِشامٍ، فقال: أَرَأَيتَ لو نَذَرْتَ أن لا تُكَلِّمَ أباكَ أو أخاكَ؟ إنَّما هذه خُطْوَةٌ مِن خُطُواتِ الشَّيطانِ، اسْتَغْفِرِ اللهَ، وتُبْ إليه. فرَجَعَ إلى ابنِ عباسٍ فأخْبَرَه، فقال: أصابَ عبدُ الرحمنِ. ورَجَع ابنُ عباسٍ عن قَوْلِه. والصحيحُ أنَّ هذا نَذْرُ
(1) في م: «كفارة» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: «من الإبل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعْصِيَةٍ، حُكْمُه حُكْمُ نَذْرِ (1) سائِرِ المعاصِي لا غيرُ.
فصل: قال أحمدُ، في امرأةٍ نَذَرَت نَحْرَ وَلَدِها، ولها ثلاثةُ أوْلادٍ: تَذْبَحُ عن كلِّ واحدٍ كَبْشًا، وتُكَفِّرُ عن يَمينِها. وهذا على قولِنا: إنَّ كفَّارَةَ نَذْرِ ذَبْحِ الوَلَدِ ذَبْحُ (1) كبشٍ. جُعِل عن كلِّ واحدٍ؛ لأنَّ لَفْظَ الواحِدِ إذا أُضِيف اقْتَضَى التَّعْمِيمَ، فكان عن كلِّ واحدٍ كَبْشٌ. فإن عَيَّنَتَ بنَذرِها واحِدًا فإنَّما عليها كَبْشٌ واحدٌ، بدليلِ أنَّ (1) إبراهيمَ عليه السلام، لَمَّا أُمِرَ بذَبْحِ ابْنِه الواحدِ، فُدِي بكَبْشٍ واحدٍ، ولم يُفْدَ غيرُ مَن أُمِرَ بذَبْحِه
(1) سقط من: م.