الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحُكْمُ الحَاكِمِ لا يُزِيلُ الشَّىْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِى البَاطِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِى مُوسَى عَنْهُ رِوَايَةً، أَنَّهُ يُزِيلُ العُقُودَ وَالفُسُوخَ.
ــ
فمنهم مَن جَوَّزَه له، ومنهم مَن قال: يُؤَاطِئُ رجلًا يَدَّعِى عليه عندَ الحاكمِ دَيْنًا، فيُقِرُّ له بملكِ الشَّئِ (1) الذى أخَذَه، فيَمْتَنِعُ مَن عليه الدَّعْوَى مِن قَضاءِ الدَّينِ، ليبيعَ الحاكمُ الشئَ المأْخُوذَ، ويَدْفَعَه إليه.
4927 - مسألة: - (وحُكْمُ الحاكمِ لا يُزِيلُ الشئَ عن صِفَتِه في الباطِنِ. وذَكَر ابنُ أبى موسى عنه رِوايةً)
أُخْرَى (أنَّه يُزِيلُ العُقُودَ والفُسُوخَ) ذهَب جُمْهورُ العُلماءِ إلى أنَّ حُكْمَ الحاكمِ لا يُزِيلُ الشئَ عن صِفَتِه في الباطِنِ؛ منهم مالكٌ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وداودُ، ومحمدُ بنُ الحسنِ. وقال أبو حنيفةَ: إذا حَكَم بعَقْدٍ أو (2) فَسْخٍ أو طَلاقٍ، نَفَذَ حُكْمُه ظاهِرًا وباطنًا، فلو أنَّ رَجُلَيْن تَعَمَّدا الشَّهادَةَ على رجلٍ أنَّه طَلَّقَ امْرَأتَه، فقَبِلَهما القاضى بظاهرِ عَدالتِهما، ففَرَّقَ بينَ الزَّوْجَيْن، جاز لأحدِ الشاهِدَيْن نِكاحُها بعدَ قَضاءِ عِدَّتِها، وهو عالمٌ بتَعَمُّدِ الكَذِبِ، ولو أنَّ رجلًا ادَّعَى نِكاحَ امرأةٍ، وهو يعلمُ أنَّه كاذِبٌ، وأقام شاهِدَىْ زُورٍ، فحكَمَ الحاكمُ، حَلَّت له بذلك،
(1) بعده في م: «المأخوذ» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصارَتْ زَوْجَتَه. قال ابنُ المُنْذِرِ: وتَفَرَّدَ أبو حنيفةَ، فقال: لو اسْتَأْجَرَتِ امرأةٌ شاهِدَيْن، شَهِدا لها بطَلاقِ زَوْجِها، وهما يَعْلَمان كذِبَها وتَزْويرَهما (1)، فحكَم الحاكمُ بطَلاقِها، يَحِلُّ لها أن تَتَزَوَّجَ، وحَلَّ لأحدِ الشاهِدَيْن نِكاحُها. واحْتَجَّ بما رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنهُ، أنَّ رجلًا ادَّعَى على امرأةٍ نِكاحَها (2)، فرَفَعَها إلى علىٍّ، رَضِىَ اللهُ عنه، فشهِدَ له شاهِدان بذلك، فقَضَى بينَهما (3) بالزَّوْجيَّةِ. فقالت: واللهِ ما تَزَوَّجَنِى يا أميرَ المؤمنين، اعْقِدْ بينَنا عَقْدًا حتى أحِلًّ له. فقال: شاهِداكِ زَوَّجاكِ.
فدَلَّ على أنَّ النِّكاحَ ثَبَت بحُكْمِه، ولأنَّ اللِّعانَ ينفسِخُ به النِّكاحُ وإن كان أحَدُهما كاذِبًا، فالحُكْمُ أوْلَى. ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا أنَا بَشَرٌ (4)، وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَىَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُم أن يَكُونَ ألحَنَ بحُجَّتِه مِنْ بَعْضٍ، فأقْضِىَ له على نَحْوِ ما أسْمَعُ منه، فمَنْ قَضَيْتُ له بشَئٍ مِن حَقِّ أخيه، فلا يَأْخُذْ منه شيئًا، فإنَّما أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» .
(1) في ق، م:«تزويرها» .
(2)
في م: «نكاحا» .
(3)
في م: «بينها و» .
(4)
بعده في م: «مثلكم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُتَّفَقٌ عليه (1). وهذا يَدْخُلُ فيه ما إذا ادَّعَى أنَّه اشْتَرَى منه شيئًا، فحَكَم له، ولأنَّه حُكْم (2) بشَهادَةِ زُورٍ، فلا يُحِلُّ له ما كان مُحَرَّمًا عليه، كالمالِ المُطْلَقِ. وأمَّا الخَبَرُ عن علىٍّ، إن صَحَّ، فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّه أضاف التَّزْوِيجَ إلى الشَّاهِدَيْن، لا إلى حُكْمِه، ولم يُجِبْها إلى التَّزْويجِ؛ لأنَّ فيه طَعْنًا على الشُّهودِ. فأمَّا اللِّعانُ، فإنَّما حَصَلَتِ الفُرْقَةُ به، لا بصدقِ الزَّوْجِ، ولهذا لو قامَتِ البَيِّنَةُ به، لم يَنْفَسِخِ النِّكاحُ. إذا ثَبَت هذا، فإذا شَهِد على امرأةٍ بنكاحٍ، وحَكَم به الحاكمُ، ولم تكنْ زَوْجَتَه،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 426.
(2)
بعده في ق، م:«له» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّها لا تَحِلُّ له، ويَلْزَمُها في الظّاهِرِ، وعليها أن تَمْتَنِعَ منه ما أمْكَنَها، فإن أكْرَهَها، فالإِثْمُ عليه دُونَها. وإن وَطِئَها الرجلُ، فقال أصحابُنا، وبعضُ الشافعيةِ: عليه الحَدُّ، لأنَّه وَطِئَها وهو يَعْلَمُ أنَّها أجْنَبِيَّةٌ -. وقيل: لا حَدَّ عليه، لأنَّه وَطْءٌ مُخْتَلَفٌ في (1) حُكْمِه، فيكونُ شُبْهَةً. وليس لها أن تَتَزَوَّجَ غيرَه. وقال أصحابُ الشافعىِّ: تَحِلُّ لزَوْجٍ ثانٍ، غيرَ أنَّها مَمْنُوعَةٌ منه (1) في الحُكْمِ. وقال القاضى: يَصِحُّ النِّكاحُ. ولَنا، أنَّ هذا
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُفْضِى إلى الجَمْعِ بينَ الوَطْءِ للمرأةِ مِن اثْنَيْن، أحدُهما يَطَؤُها بحُكْمِ الظَّاهِرِ، والآخَر بحُكْمِ الباطِنِ، وهذا فَسادٌ، فلا يُشْرَعُ، ولأنَّها مَنْكُوحَةٌ لهذا الذى قامَتْ له (1) البَيِّنَةُ، في قولِ بعضِ الأئمةِ، فلم يَجْزْ
(1) في ق، م:«به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَزْوِيجُها لغيرِه، كالمَنْكُوحَةِ بغيرِ وَلِىٍّ. وحَكَى أبو الخَطَّابِ، عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدَ، رِوايَةً أُخْرَى، مثلَ مَذْهَبِ أبى حنيفةَ، كما حَكَى ابنُ أبى موسى في أنَّ حُكْمَ الحاكِمِ يُزِيلُ العُقودَ والفُسوخَ. والأوَّلُ هو المَذْهَبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: قال ابنُ المُنْذِرِ: يُكْرَهُ للقاضى أن يُفْتِىَ في الأحْكامِ، كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شُرَيْحٌ يقول: أنا أَقْضِى ولا أُفْتِى. أمّا الفُتْيَا في الطّهارَةِ وسائرِ ما لا يُحْكَمُ في مِثْلِه، فلا بَأْسَ بالفُتْيَا فيه. واللهُ سبحانَه أعلمُ.